31/10/2010 - 11:02

غزة- ألف قصة وقصة!../ نواف الزرو

غزة- ألف قصة وقصة!../ نواف الزرو
في غزة هاشم- استخدمت دولة الاحتلال ما أطلق عليه لديهم"استراتيجية الضاحية"، أي التدمير الشامل ومحو البنية التحتية وما فوق الأرض عن وجه الأرض، على نمط "ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في صيف/2006 "، فلذلك ما ظهر بعد "وقف إطلاق النار أحادي الجانب- في غزة" أن هناك " أحياء كاملة مدمرة محيت عن وجه الأرض على نحو وصفه شهود عيان انه لا يصدق أبدا...!"، وإحصائيا وصل عدد المباني التي دمرت إلى نحو 25 ألف مبنى منها نحو خمسة آلاف دمرت تدميرا كليا...!.

كما استخدم الاحتلال سياسة "الإبادة والمجازر الجماعية البشعة التي ارتقت إلى مستوى ما بعد الجريمة... والى مستوى المحرقة الحقيقية"، فكان هناك" آلاف الشهداء والجرحى نحو نصفهم من الأطفال والنساء- وقد وصل العدد حتى كتابة هذه السطور إلى نحو 1315 شهيدا منهم نحو 415 طفلا و120 امرأة و130 مسنا"، وكان هناك" شهداء تحت الأنقاض ربما بالمئات "، غير أن لحقيقة مشهد المحرقة والمجازر والدمار تأثيرا هائلا ومروعا اشد أضعاف المرات مما للأرقام الجافة...!

فكان هناك أن "أطلقت قوات الاحتلال الكلاب لنهش جثث الشهداء "، وكان هناك" عشرات العائلات المحتجزة في غرف صغيرة داخل المنازل" و كان هناك "الموت يترصد المواطنين في كل زاوية "، وكذلك كان هناك أن " فلسطين تشهد أضخم واخطر عدوان حربي مجازري و أطول حصار في تاريخ الصراعات "، وكان هناك أن" بلدوزرات الاحتلال أخذت تعمل على إعادة رسم خريطة فلسطين من جديد " ...

ووفقا لتقرير موثق فقد طال التدمير الشامل "مساجد، مشافي، ومدارس، جامعات، بيوتا آمنة، مسعفين، سيارات إسعاف، أطفالا رضعا وصبية، شيوخا ونسوة، حتى مقابر الأموات لم تسلم، الكل تهدم، وأصبح هدفاً لآلة حرب عنصرية لا ترحم، ولجيش "دفاع" بل دمار، منزوع الضمير الإنساني ومنزوع الأخلاق.

قنص، وسحل، وهدم، وحرق، وتفجير وتهجير، ومعان وكلمات أصبحت مفردات أساسية في حديث أهل غزة اليومي، وما أكثر ما تم إبادته منهم أو دفنه حياً وعمداً تحت الأنقاض، أما قوت من بقى، فقد بقي في الحجارة والدموع ونداءات الاستغاثة لعالم أبكم وأصم، أصبح لا يقوى على شيء سوى الانفصام والازدواجية/ الجزيرة- الأربعاء 1/14/2009".

ولكن ...؟!!
لقد أثقلت مشاهد القتل الجماعي والتدمير البشع التي ألحقتها آلة الحرب التدميرية الإسرائيلية مجددا الذاكرة الوطنية الفلسطينية...
فهدير الطائرات والدبابات والجرافات على امتداد مساحة القطاع لم يتوقف عن أهلها أبداً..
وعربدة الوحدات الخاصة وأصوات التفجيرات الإرهابية المبيتة وصواريخ المروحيات والاغتيالات باتت تطغي على كل شيء فيها..
والمعالم االحضارية التراثية التي كانت تتشابك لتصنع غزة هاشم بعبقها التاريخي ، أخذت تتحول إلى مشاهد من الركام.. وإلى جزء من التاريخ..

فالاحتلال يستهدف دائما ليس فقط اقتراف المحارق والمجازر الدموية الجماعية، وإنما وهذا الأخطر يستهدف عبر ذلك محو تراث فلسطين بكاملها، بغية تصفية القضية بكافة عناوينها وملفاتها وحقوقها...!
غير أن حسابات البيدر في المحرقة الإسرائيلية الأخيرة لم تأت على قدر حسابات الحقل...!

مشاهد وحكايات وجراح قديمة – جديدة – متجددة تنطق بها الأحياء والبيوت المهدمة والقبور الجماعية... كلها تتراكم وتتقافز على أرض قطاع فلسطين لتحكي لنا قصة فلسطين من بدايات الصراع والنكبة الأولى مرورا بالفصول والمراحل المختلفة على مدى العقود الماضية من عمر القضية، وصولا إلى حرب الاجتياحات المفتوحة عبر حملة"السور الواقي"حتى الإبادة السياسية كما يخططون ويبيتون، وليس انتهاءا بـ"محرقة غزة" الأخيرة...!

ولكن- في مواجهة كل تلك العناوين التي تجمع كلها على أننا في مواجهة أعتى حرب عدوانية وأمام جرائم حرب هي الأبشع حتى الآن التي تقترفها دولة الاحتلال، وفي مواجهة كمائن الموت اليومي التي نصبتها وما تزال تنصبها قوات الاحتلال لنساء وأطفال وشيوخ أهلنا هناك أيضاً نتابع:

كان هناك "قرار وإرادة التصدي" و"روحية الصمود والإباء والكبرياء والبقاء"، و"إرادة الحياة في مواجهة الموت "، و"كسر الحصار والإصرار على البقاء"، و كان هناك "الأطفال والنساء والشيوخ الذين يتحدون الصواريخ و الرصاص والدبابات"..!

هناك في كل شارع وزقاق وحي.. بل في كل بيت غزاوي ألف قصة وقصة عن التضحيات والشهداء والجرحى والمعتقلين... وعن الاجتياحات والتجريفات وعمليات الهدم والتدمير.. وكذلك عن خيام الألم والمعاناة والصبر..
إنها قصة الكارثة –المحرقة- والبطولة الفلسطينية تتفاعل في قلب مدن وقرى ومخيمات القطاع، وعلى امتداد مساحة فلسطين التاريخ والتراث والحضارة والاقتصاد والسياسة والنضال..!.

تعيدنا عناوين المشهد الفلسطيني في غزة إلى بدهيات الصراع الأولى، وإلى الخلفيات والمضامين الحقيقية للمواجهة الفلسطينية - الإسرائيلية المستمرة في الوقت الذي تثير فيه جملة من الأسئلة والتساؤلات الجذرية حول أوراق القوة والضعف وآفاق المواجهة والمستقبل، والى الأسئلة الكبيرة على الأجندات السياسية العربية...!

فلسطين الجريحة المكلومة الأبية تدق في هذه الأيام ...أيام ما بعد المحرقة في غزة، بقوة كبيرة على جدران الصمت والعجز العربي والدولي...!

التعليقات