31/10/2010 - 11:02

في انتظار إطلالة أوباما القاهرية!../ عبداللطيف مهنا

في انتظار إطلالة أوباما القاهرية!../ عبداللطيف مهنا
هل هي إلا مفارقة أن يبدو هذه الأيام وكأنما عرب اليوم جميعاً، "معتدلون" و"ممانعون"، قد توحدوا، ولكن على أمر واحد... ما هو؟!

إنه الاستعداد لملاقاة موعدهم الآتي مع الإطلالة المقتربة للرئيس الأمريكي باراك أوباما من القاهرة. الكل بانتظار ما تحمله رسالته المزمعة التي سيوجهها من المنبر المصري إلى العالم الإسلامي مروراً بالعربي. كثرت التوقعات واختلفت التحليلات وتضاربت الإجتهادات. بيد أن العرب، وكعادتهم المعهودة في العقود الأخيرة، قد انقسموا حيال هذا الذي سوف تحمله رياح أوباما إلى فريقين من الصعب أن يجمعهما جامع.

فريق عرف بأنه أمريكي الهوى يعلّق على القادم كل ما تبقى له من أمانيه السلمية، بل قل رغباته، التي يوحي بها له عجزه، أو تصوّغها له دونيته المستحكمة من مخارج مأمولة، هارباً من رؤية ما قد تكشفه له بوضوح الرسالة المنتظرة من خبرها سلفاً إذا ما أمعن النظر في مشهد التوجهات الإستراتيجية والواقع والوقائع والحقائق الأمريكية والإسرائيلية وما يربط الاثنتين... هارباً، بدسّ رأسه في رمالها من الآن وحتى قبل انقشاع ما يخبئه متنها. وفريق آخر، يمكن القول أنه كان ما بين الحذر المنتظر غير الآمل، والمتوجس منها شراً سلفاً والمحذّر دائماً من دواهي ما قد تجرّه على مجمل قضايا الأمة عبثية أماني ورغبات وهوى أو قل دونية الأول تلك... ترى ما الذي سوف يتحفنا به الرئيس الأمريكي... إذا ما استقرأنا تلك التي قلنا أنها التوجهات الإستراتيجية والوقائع والحقائق الأمريكية الإسرائيلية؟!

بادئ ذي بدء لنتفق أن أوباما ليس حالة تغيير مفاجئة قد داهمت سالف السياسات الخارجية أو الإستراتيجية الإمبراطورية الأمريكية الكونية، تلك التي هي من طبائع القوة الأعظم المتفردة بقرار العالم، على الأقل في الراهن الدولي أو المدى المنظور منه، وإنما جاءت به ضرورة تغيير إرادته المؤسسة الإمبراطورية الأمريكية على رأسه تفادي أخطاء وخطايا وقصر نظر إدارة سلفت وجرّت حماقاتها ما جرّته على الهيبة الإمبراطورية، وكشفت رعونتها، أقله، عن بداية العد العكسي لأفول سطوتها الكونية.

لنترك السياسة الداخلية الأمريكية جانباً، وهناك تغيير مزمع فعلاً يسومها، ومنه مهمة إنقاذ الوضع الإقتصادي الأمريكي المأزوم، إن كان هناك حقاً من أمل في ذلك في الأمد المنظور، ولنقصر حديثنا على السياسة الخارجية لواشنطن، وتحديداً العربية ومعها الإسلامية، وبالطبع علاقة هذه بالعلاقة الأمريكية الإسرائيلية.

هنا نطرح سؤالاً قد يساعدنا على الإجابة على سؤالنا، يقول: وما الذي تغيّر فعلاً، أو اختلف، في المنطلقات والأهداف الإستراتيجية التي توجّه سياسات كل من الرئيس الأمريكي الحالي وسلفه الراحل عن السلطة؟

يمكن القول بلا تردد أنها الوسائل فحسب ولا سواها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن السلف قد حركت سياساته البلهاء ذات السمة الفجة نزعة إيديولوجية، أما الخلف فبراغماتية ذكية تُغلًّف بأشبه ما تكون حملة علاقات عامة ذات نكهة أمريكية خاصة، ولها طبيعة ملتبسة وغامضة. لنأخذ المثالين، العراقي، والأفغاني... ومعهما الإيراني والباكستاني... ولنرى ما المختلف بين بوش وأوباما:

لقد غزا بوش العراق ودمرّ كافة أسس الدولة فيه، وقتل وشرّد ملايينه لبسط هيمنته على موقعه الإستراتيجي، ووضع اليد على ثرواته، والإجهاز عليه كرافعة من أهم روافع احتمالات أي نهوض عربي مستقبلي ممكن، وبالتالي درء أي خطر مستقبلي قد يتهدد أمن المحظية إسرائيل قد يأتي منه، واستخدم في تبرير إقدامه على فعلته هذه سلسلة من الأكاذيب المعروفة التي تساقطت واحدتها تلو الأخرى... وصولاً ببلاده إلى راهن الورطة الأمريكية المشهودة في العراق.

أما أوباما فكل ما يُلمس من سياسته العراقية يشي بمحاولة الخروج من الورطة العراقية مع البقاء في العراق، بمعنى بقاء ذات الأهداف التي سعى سلفه لها مع اختلاف الوسائل لتحقيقها، أو تفادي أخطاء وخطايا وحماقات سلفه لا أكثر. وهنا يطرح أوباما شعار: الانسحاب، لكن... ولكن هذه حمالة أوجه، تعني في جوهرها، الإحتفاظ بذات الدوافع والإستهدافات البوشية. المختلف فحسب، هو بين من تستوحي وسائله الدموية وتنفذها روح رسولية تشوبها لوثة أيديولوجية فجة ومن يريد جاهداً الحفاظ على مصالح الإمبراطورية التي لا تختلف بتبدل الأشخاص والإدارات بما تجود به عليه براغماتية تتسم بنوع ناعم من الحيل التسويقية الإستعراضية.

وفي أفغانستان، ذهب بوش لكي يضع يده على طريق الحرير، ويقطع الطريق على تنامي، أو اشتداد عود المراكز الكونية الواعدة، عبر وضع اليد على التقاطع الإستراتيجي الخطر الذي يطل على قوة تليدة في الشمال تحاول إقالة نفسها من عثرتها والعودة لسالف حضورها من جديد. وأخرى جنوب الهيمالايا تنهض وتنفض عنها غبار تخلّف الأمس، وثالثة شرقاً كل ما يأتي من أخبارها بأنها المرشح القادم الأوفر حظاً للحلول كونياً محل العام سام... بحجة القضاء على طالبان ومحاربة الإرهاب فعل بوش فعائله المشهودة في بلاد الأفغان، وبعد رحيله عن سدة الحكم وجد خلفه نفسه وجهاً لوجه أمام الملا عمر، وحيث طالبان، التي سبق وأن غادرت أو أجليت عن كابول، ها هي اليوم تطل مجدداً على تخومها وتعدها بالعودة، بل وغدت رديفتها الباكستانية تطل بدورها على مشارف إسلام اباد. أما الحل عند الخلف فهو، وعلى طريقة سلفه، إرسال المزيد من القوات... ومتابعة الحرب على الإرهاب!

في المسألة الإيرانية، الأهداف هي الأهداف ذاتها، مع فارق، بوش يريد إيقاف البرنامج النووي الإيراني عبر مزيج من الإغراءات والحصار والتهديد بخيار الحرب، أو العصا والجزرة معاً، وأوباما يريد إيقافه عبر الحوار أولاً وليس أخيراً، بمعنى دون التخلي عن خيار القوة، أو بالجزرة التي لا تعني التخلي عن العصا.

وفي الباكستان، ليس من فرق بين سياسات الاثنين، التي هي تحريض حكومة الباكستان على محاربة ما يعتبرانه إرهابييها، والضغط على إسلام أباد بهذا الاتجاه حتى ولووصلت الحال بباكستان إلى ما هي عليه من نذر قد تعصف حتى بوجودها... لن يقول أوباما للمسلمين في القاهرة أكثر مما قاله لهم في اسطنبول، سيمتدح إسلامهم ويسمعهم ما عرف به من معسول البيان، ويطالبهم برقة مساعدته في حربه على "إرهابهم"!

نحن هنا، قد أخرّنا عمداً الحديث عن القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في بلادنا، ليس مع الصهيونية فحسب وإنما مع كافة تجليات المشروع الغربي المعادي في بلادنا، وصاحبته أو محركه الراهن أمريكا. هنا يأتي كل ما يثار هذه الأيام في ربوعنا حول زيارة نتنياهو للولايات المتحدة وما يتعلق بأخبار ارتحال بعض العرب إليها والعودة منها. وبالتالي الانتظار الذي تحدثنا عنه للإطلالة الأوبامية المرتقبة من المنبر القاهري. هنا، وبعيداً عن اللغط حول الخلافات المزموعة بين المركز الإمبريالي والثكنة الحليفة المتقدمة، فنقول: لقد أوضح ما نمي عن الزيارة الإسرائيلية للبيت الأبيض، وما رافقها من تصريحات ولحقها من تعليقات إسرائيلية، جوهر ما قد يتحفنا به أوباما عبر إطلالته المصرية، أو ما يؤمل أو يتوقع أو ينتظر من مبادرة أوبامية قد يطلقها وحدّ انتظارها عرب الاعتدال والممانعة... ما هو؟

هنا نعود لنتنياهو ولزيارته التي كان لها هدف معلن ينسجم مع مواقفه ومبادئه وذهنيته وتركيبة الإئتلاف الذي معه أو على يمينه ويرأسه في حكومته، واستطراد غالبية مجتمعه الاستعماري الاحلالي الذي يعبّر عنه. إنه التوافق مع الإدارة الأمريكية على ثلاث:

الأولى: "يهودية الدولة" بمعنى الإجهاز نهائياً على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، واستطراداً، وضع من تبقى من الفلسطينيين في وطنه برسم الترانسفير. وهذه ضمنها نتنياهو حين أعلنها أوباما في حضرته بقوله أن: "من مصلحة أمن الولايات المتحدة القومي ضمان أمن إسرائيل كدولة مستقلة ويهودية".

والثانية: تفريغ مفهوم "حل الدولتين"، مع كل تحفظنا عليه سلفاً، وغموض وسوء النية من وراء طرحه أو عدم جديّة طارحيه، ثم لا واقعيته، باعتبار التهويد المستمر لما تبقى من الضفة، والمتسارع على مدار الساعة، لم يبق من حظوظ عملية لتطبيقه، أومن مكان لإقامة حتى بلدية فاعلة ناهيك عن دولة، وهذا ما بدأت بشائر تحقيقه لنتنياهو في توصيف جديد لوزيرة الخارجية كلينتون حول: "حكومة (فلسطينية) قابلة للحياة"، وقولها "هدفنا رؤية شعبين يعيشان معاً"... كيف يعيشان؟! غير مهم... هنا يمكن ضرب أمثلة لمثل هذه الدويلة المنشودة في حدوها الأقصى... مونت كارلو... والفاتيكان، وحتى بانتوستان... أما التهويد فقالت: "إن الرئيس يأمل في التوصل لوقف الإستيطان"، وهذا الذي يأمله يتزامن عملياً مع الإعلان عن التخطيط لبناء مستعمرة جديدة في الأغوار على مقربة من نابلس، ومشاريع لزرع مليون يهودي في القدس والضفة، وبناء مئة كنيس لمحاصرة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في القدس... وبانتظار أن يحين آوان استبداله بما يدعى الهيكل!

المصادر الإسرائيلية ومنها صحيفة "إسرائيل اليوم" بدأت في الكلام عن هذه الدويلة العتيدة... "دولة مقيدة الصلاحيات" أي ليست منزوعة السلاح فحسب، أو"دولة ناقص"، تعلن اعترافها بيهودية إسرائيل، وبالمقابل هذه تعلن أنها "غير معنية بأن تحكم شعباً آخر، وهي ترغب بأن يدير الفلسطينيون حياتهم بأنفسهم" لا أكثر... والأدهى هو إذا ما صح زعم الصحيفة بأن نتنياهو قد "نسّق المواقف" مع الرئيس المصري والملك الأردني والرئيس أوباما، ويعتقد أن الأمريكان سوف يتكفلون "بتليين" مواقف رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الإحتلال... ما الذي سيقدمونه لمن سيليّن مواقفه أملاً في التكرم عليه بهذه "الدولة الناقص" ؟!

"تجميد البناء في المستوطنات" وليس وقفه، وإزالة البؤر "غير المسموح بها" التي وعدت الحكومة السابقة بإخلائها"، أي ما يعرف بالكرافانات، التي وضعت لكي تزال، و"رفع الحواجز في الضفة"، و"توسيع المنتوجات المسموح إدخالها إلى غزة، بما يسمح بإعادة بنائها"، أي استمرار الحصار لإسقاط حكومة حماس وتصفية المقاومة، بمساعدة تلزيم أوحصر إعادة البناء برام الله، التي شكلت حكومتها التي لا يختلف اثنان على أنها "حكومة فُرقة وطنية"، كبديل عن المرجوة "حكومة الوحدة الوطنية"، والتي دق تشكيلها المسمار الأخير في نعش ما يدعى "الحوار الوطني"، أي جاءت وفق مواصفات "المجتمع الدولي"، وبرسم إطلالة أوباما المنتظرة.

الثالثة: التطبيع "مع العالم العربي الأوسع" وفق توصيف لنتنياهو مقابل التفاوض على "ترتيبات" مع الفلسطينيين بشرط قبولهم يهودية الدولة.

وهذه كلها أمور يقول نتنياهو أنه يجب فعلها "بتزامن"... إذن المعادلة هنا هي مفاوضات إلى ما شاء الله مقابل تطبيع مع "العالم العربي الواسع"! والسؤال أين العرب من كل هذا؟

تزعم صحيفة "الفاينانشال تايمز" أن "دولاً عربية تبحث تقديم تنازلات مقابل وقف الإستيطان"، تصفها بأنها تنازلات معتدلين، مع الإبقاء على ما تدعى المبادرة العربية، مثل اتصالات وخطوط طيران مع إسرائيل، وتطبيع أعلى... لتسهيل المبادرة الأمريكية الموعودة للحل..!

الرابعة: فصل الملف الإيراني عن الفلسطيني، بمعنى كف الأمريكان عن ربط معالجة الملف النووي الإيراني بحل القضية الفلسطينية، بهدف المساعدة في تحشيد العرب ضد العدو الوهمي أو البديل المزعوم لعدوهم التاريخي... وهذا ما حصل نتنياهو عليه... ومع عدم التخلي عن مواصلة التحشيد، وهو ما أعلنته كلينتون لاحقاً.

الخامسة: إثبات أن لا مجال بحال من الأحوال في مجرد التشكيك في العلاقة العضوية بين المركز والثكنة، ولا خلاف حول ثوابت هذه العلاقة... ربما أحياناً تكون في الأولويات، وبما لا يمس بما هو استراتيجي وتظل في سياق التكتيكي... ونضرب أبسط الأمثلة، أنه ورغم الأزمة المالية يأمر أوباما بتمويل منظومة "حيتس" الإسرائيلية المضادة للصواريخ... جاء في تعقيب لليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، حول نتائج زيارة نتنياهو لواشنطن: نحن "متفقون مع الأمريكان في الموضوع الفلسطيني حول "الهدف النهائي".

إذن، وإذا كان الحال الأمريكية الإسرائيلية هوكما بينّا، فهل يصعب علينا تصور الخطوط العريضة لمبادرة أوباما التي قد يطلقها في سياق رسالته إلى العالم الإسلامي عبر إطلالته من على المنبر المصري... الإطلالة التي توحّد العرب في انتظارها وسيزدادون انقساماً في مواجهة تداعياتها؟!

... المرحلة القادمة ستشهد هجمة من محاولات مراكمة خطوات تصفوية متسارعة لقضية العرب المركزية في فلسطين... عنوانها إلغاء جوهرها الذي هو حق العودة، والتطبيع مع "العالم العربي الأوسع"، مقابل مفاوضات لا تنتهي إلا بتهويد ما تبقى من فلسطين وتصفية القضية.

التعليقات