31/10/2010 - 11:02

قتلُ الشاهد!../ مصطفى إبراهيم*

قتلُ الشاهد!../ مصطفى إبراهيم*
منذ بداية العام الجاري توفي مواطنان فلسطينيان جراء التعذيب الشديد الذي تعرضا له أثناء احتجازهما لدى الشرطة التابعة للحكومة المقالة في قطاع غزة. الأول توفي في منتصف شهر مارس/آذار الماضي، في مركز توقيف لشرطة مكافحة المخدرات في مدينة رفح، والثاني توفي في الرابع والعشرين من الشهر ذاته، بعد مكوثه أسبوعين في المستشفى لتلقى العلاج جراء تعرضه للتعذيب والضرب الشديد من قبل أفراد في شرطة المباحث العامة في مدينة غزة.

المواطن الأول احتجز مدة يوم واحد فقط، والآخر احتجز مدة ثلاثة أيام، وتم استجوابه كشاهد في قضية سرقة، المواطنان احتجزا للتحقيق، وتم الاعتداء عليهما بالضرب أمام عائلتيهما في منزليهما عندما احضرا للكشف عن مخدرات لدى الأول، وعن مبلغ مالي لدى الثاني هو شاهد على سرقته، ولم يتم العثور على أي شيء.

بيانات الإدانة والاستنكار التي أصدرتها مؤسسات حقوق الإنسان، ومطالبة الحكومة المقالة بالتحقيق في الجريمتين ومحاسبة ومحاكمة المتهمين بارتكاب جريمتي القتل بحق المواطنين عجلت من اتخاذ الحكومة المقالة قرارا من رأسها إسماعيل هنية بوقف المتهمين وإحالتهم إلى القضاء، وذلك بعدما زاد حجم الانتقادات للحكومة وحركة حماس بعد التقارير التي أصدرتها مؤسسات حقوق الإنسان الوطنية والدولية.

وكأن الحكومة المقالة استشعرت الخطر بعد قتل عدد من المتهمين بالتعاون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداء بالضرب وفرض الإقامات الجبرية وإطلاق النار على أقدام عدد كبير من أعضاء وأنصار حركة فتح في قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع، والاتهامات بارتكاب عناصر أجهزتها الأمنية جرائم في حق عدد كبير من المواطنين خارج إطار القضاء.

رئيس الوزراء إسماعيل هنية كان تعهد في مؤتمر صحافي عقده في 21/6/2006 عند تشكيل الحكومة العاشرة بعد فوز حماس بالأغلبية النيابية "بالعمل على تحقيق برنامج الحكومة وبناء المجتمع الفلسطيني على أسس ديمقراطية وتعزيز سيادة القانون واحترام القضاء، والفصل بين السلطات وتعزيز احترام حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين ومحاربة كل أشكال التفرقة والتمييز وحماية الحريات العامة وصون حرية الصحافة والتعبير".

وفي 19/9/2007 أصدر هنية تعميماً موجهاً إلى الأجهزة الأمنية في الحكومة المقالة يدعوهم فيه إلى "احترام حقوق الإنسان، والحريات السياسية والإعلامية والاختلاف السياسي والحق في تنظيم التظاهرات حسب القانون، وحق الموقوفين في عدم التعرض للتعذيب، وحظر الاعتقال لأسباب سياسية".

وبين المؤتمر الصحافي والتعميم وقعت أمور وأحداث جسام في الساحة الفلسطينية خاصة في قطاع غزة، كان أخطرها سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة، وما تلاها من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من قتل عدد كبير من الأبرياء، وقمع التظاهرات والاعتصامات والاجتماعات السلمية، والاعتقال السياسي لأعضاء حركة فتح وتعرض المعتقلين للتعذيب.

فخلال الحملات الأمنية وحملات الاعتقالات التي شنتها وما زالت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة، تحدثت مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية عن انتهاكات خطيرة ارتكبت بحق المعتقلين وتعرضهم للتعذيب الشديد وسوء المعاملة، وتوفي عدد منهم ذلك، ومع تشكيل الحكومة المقالة عدد من لجان التحقيق في قضايا مختلفة وأحداث عامة سواء قتل فيها مواطنون أثناء تفريق مظاهرات أو خلال الحملات الأمنية، وإدعاء الحكومة المقالة بأنه تمت محاسبة مرتكبي تلك الجرائم إلا أنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن نتائج تلك اللجان.

وعلى رغم إصدار هنية قرار بإحالة 11 من أفراد الشرطة للقضاء، إلا أن أفراد الشرطة وجهاز الأمن الداخلي ما يزالوا يمارسون التعذيب بحق عدد من الموقوفين خاصة من عناصر حركة فتح، كان آخرها تعرض عدد من قيادة حركة الشبيبة الفتحاوية في قطاع غزة للضرب والشتم خاصة في محافظتي غزة وشمالها، بعدما تم احتجازهم لعدة ساعات من قبل جهاز الأمن الداخلي.

والذي يزيد من الملهاة المأساة أن احتجاز نحو 60 من أعضاء الشبيبة الفتحاوية جاء على خلفية تعرض النائب في المجلس التشريعي عن كتلة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة حماس الشيخ حامد البيتاوي لإطلاق النار من قبل احد أفراد جهاز الأمن الوقائي في مدينة نابلس.

ومع صدور بعض الفتاوى الشرعية في الحكومة المقالة ومن بعض المشايخ في حركة حماس بتحريم التعذيب من اجل نزع اعترافات من المحتجزين، وعلى رغم القرار الصادر عن هنية بإحالة 11 فردا من أفراد الشرطة للقضاء واستمرار التحقيق في قضية المواطن (الثاني) جميل عساف الذي توفي جراء التعذيب، إلا أن أفراد الأجهزة الأمنية مستمرون في ممارسة التعذيب، فالقانون يجرم كل من يقوم بممارسة التعذيب، والحكومة المقالة عليها إغلاق ملف التعذيب مرة والى الأبد، ومحاسبة كل المسؤولين عن الذين ارتكبوا جرائم التعذيب وإحالتهم للقضاء ومحاكمتهم في محاكمة علنية.

التعليقات