31/10/2010 - 11:02

قريبًا من هايتي بعيدًا عن غزة../ جوني منصور

قريبًا من هايتي بعيدًا عن غزة../ جوني منصور
انتفض العالم الحر والمستنير والإنساني منذ أسبوع مسرعًا لتقديم مساعدات على مختلف أنواعها لمنكوبي الهزة الأرضية التي وقعت في جزيرة هايتي.

وانضمت إلى جوقة الدول الراغبة بتقديم المساعدات اسرائيل، وذلك كعادتها في مثل هكذا ظروف وحالات. وأوفدت اسرائيل فريقًا خاصًا مكونًا من أطباء وأخصائيين في مجال معالجة منكوبين الكوارث الطبيعية في العالم. وأرفقت مع هذه الوحدة مستشفى ميداني لتقديم الخدمات الطبية والعلاجات السريعة وما يتبع ذلك.

وصرحت الحكومة الاسرائيلية أنها تقوم بهذا العمل من منطلقات إنسانية لشعورها مع المجتمع الهايتي بكبر حجم المأساة التي حلت عليه، وأن فريق الإنقاذ والمساعدة الاسرائيلي يملك من الخبرات الشيء الكثير الذي يدعم أعمال الإنقاذ والإغاثة الجارية هناك. وتبدو الصورة الإنسانية في قمة روعتها وتفانيها مع من أصيبوا بكارثة ونكبة.

وتجندت وسائل الإعلام الاسرائيلية كعادتها إلى نقل مشاركة الفريق الاسرائيلي في أعمال الإغاثة والمساعدة بكافة الطرق، وجعلت خبرها الرئيس لمدة أسبوع تقريبا في صدارة نشراتها الإخبارية المسموعة والمرئية. وكسبت الوحدة أو فريق الإنقاذ شعبية واسعة ومكانة مرموقة داخل اسرائيل وخارجها، حتى بلغ الأمر بأن تصدر هيئات دولية كالأمم المتحدة بيانات تشيدُ فيها بإنسانية الفريق وتميزه بما قدمه ويقدمه من مساعدات مبنية على خبرة وتجربة واسعة.

إلا أنَّ كثيرين من المهتمين بالشأن الهايتي لم ينتبهوا إلى تصريحات الحكومة الاسرائيلية المتكررة منذ وقوع الهزة الأرضية إلى أنها ترسل الفريق ليضطلع بمهام الإنقاذ ليكسب خبرةً تؤهله مستقبلاً لمواجهة حالات شبيهة بالتي وقعت في هايتي، القصد هنا هزّة، وأكثر من ذلك، في حالة تعرض اسرائيل إلى قصف صاروخي يلحق أضرارًا كبيرة بالمباني ويؤدي إلى انهيارها.

بات واضحًا أنَّ القصد الإنساني الذي أعلنته إسرائيل لم يكن هو الوحيد، إنمّا في كل حادثة تقع في العالم تجري حسابات ما يمكن أن تتعلمه إسرائيل لنفسها ولواقعها وكوارث قد تحصل لها ولمواطنيها.

المؤلم في الأمر أنَّ دولةً عربيةً واحدةً لم ترسل فريق إنقاذ، إنما اكتفت مجموعة من الدول العربية بإرسال مواد تموينية ومساعدات طبية. أليس جديرًا بدول عربية أن تتعلم من تجارب الغير، وتستثمر قدراتها من خلال مشاركتها ولو ظاهريًا في عمليات الإنقاذ والإغاثة؟ أم أنَّ دولا عربية باتت بعيدة عن خطر سقوط صواريخ عليها قد تلحق أضرارًا فادحة في الأرواح والممتلكات؟

وعودة إلى موضوعنا الأساس، حيث أن اسرائيل هبّت لمساعدة الشعب الهايتي المنكوب بنكبة لن يقوم من بعدها إلا بقدرة قادر، بينما تفرض اسرائيل حصارًا قاسيًا ومؤلمًا على الشعب الفلسطيني في غزة، وتحول دون وصول مساعدات غذائية وطبية إلى مستشفيات ومستوصفات غزة. وأكثر من ذلك تمنع خروج مرضى القطاع إلى تلقي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية أو الدول العربية المجاورة.

وأشارت بعض وكالات الأنباء استنادًا إلى تقارير هيئات دولية بما فيها الأمم المتحدة، أن نكبة إنسانية وكارثة بيئية وصحية واقتصادية واجتماعية ستقع في غزة خلال فترة زمنية قصيرة. أليست الكارثة قريبة الوقوع في غزة تستحق الإغاثة والمساعدة الإنسانية من الدول العربية والصديقة لرد القمع الاسرائيلي وكسر الحصار المفروض على مليون ونصف فلسطيني منذ قرابة ثلاث سنوات؟

لا تسمع أصوات من تل ابيب تنادي بوقف الحصار وإزالة الاحتلال. لقد حصّن المجتمع الاسرائيلي ذاته وشيد جدارًا بينه وبين الفلسطينيين، فـ "هم هناك ونحن هنا". السخرية في الأمر أن تل ابيب تنعم بالهدوء والازدهار والراحة بينما يقبع فلسطينيو غزة تحت الحصار والإهانة والإفقار والقمع حتى الاستسلام.

باتت هايتي قريبة من تل ابيب وغزة بعيدة عنها، وكأن ما يجري في هايتي هو جوهر حياة ووجود المجتمع في اسرائيل، وأن ما يجري في غزة لا دخل لاسرائيل فيه.

إن زلزال هايتي هو عينه زلزال غزة. إنما الفرق الوحيد، أن زلزال هايتي قد حدث خلال ثوان قليلة، بينما زلزال غزة دائم الحدوث ومستمر إلى أن يتخلص الشعب الفلسطيني نهائيًا من ربقة الاحتلال وأساليبه غير الإنسانية.

التعليقات