31/10/2010 - 11:02

لفهم ما يمكن فهمه في ظل ضجيج العرب../ يونس العموري*

لفهم ما يمكن فهمه في ظل ضجيج العرب../ يونس العموري*
ما بين الإستجداء وفرض وقائع المُراد تكمن حقيقة المواقف، وما بين البقاء على دكة الإحتياط وممارسة اللعب الذكي وفقا لمعايير وقوانين اللعب ذاته وتسجيل الأهداف في مرمى الخصم، تكبر المسافات وتتشكل الحقائق، ويعاد رسم الخرائط من جديد لوقائع الواقع والتسليم به. وهي اللحظة التاريخية التي لابد من استغلالها والعمل على تطوير ادواتها لتحقيق المصالح الفعلية للدول التي رسمت لذاتها امكانية لأن تكون في المكان التي تريده والتي تهدف لأن تحققه، من خلال توازناتها وذكاء فعلها وممارسة ابجديات قولها المعبر بالضرورة عن مصالحها. وتتوالى لعبة العض على الأصابع ليكون الثبات، حتى يكون لهم ما يجب ان يكون وبالتالي يكون التهاون في العناد والتسليم بالأمر الواقع، حينما يثبت الذكاء نفسه وحينما يصبح المطروح مقبول على الآخر المعادي في طرفي معادلة النزاع وتقاسم الوظائف وممارسة تناقض المصالح، وتجاذب التناقضات وحينها فقط يأتي من يأتي بالحل، من خلال وسطية القبول بما كان بالأمس مرفوضا ليُصار بالتالي الى تطويع القبول، من خلال إعادة رسم خارطة الوجود لنفوذ المصالح إقليمية كانت ام دولية، وكل ذلك على قاعدة لا عداوة أبدية ولا صداقة مستمرة الى الأبد، مع امكانية الولوج الى لعبة تقاسم المصالح بما يراعي خصوصية كل الأطراف المعنية من خلال ايجاد القواسم المشتركة لتعايش التناقض ومحاصرة اثاره الى أدنى الحدود الممكنة ومعايشة قوانينه.

هي اللحظة المنتظرة من قبل الكل عربا وعجما وفرسا وروما وقبائل تعيش على صراع الأضداد بكل المراحل وبمختلف الأوقات، ولها القدرة على التكيف مع معطيات العصر الجديد، وهو ما تؤكده مجريات فعل التصارع في هذا العالم، فلا مكان للضعفاء ولمن يمتهن فعل الإستجداء وسيظل التابع المتبوع لقوى السيطرة بصرف النظر عن تموضعها وتخندقها الذي يتحدد ويتلون ويختلف بإختلاف مصالحها وابجديات قوانين بقائها، وصراع البقاء على قمة الهرم له الكثير من الإستحقاقات وإن أرادت تلك القبائل العاربة المستعربة أن تظل في ذيل القوائم التابعة فلا دور تاريخي لها ولا مكان لها الا بأسفل هكذا تحالفات، في ظل صناعة التشكيل للمنطقة من جديد.

هذه هي الصورة وان كانت قاتمة بقتامة الوان الطيف المتشكل لعوالم العرب. هي اللحظة المنتظرة من الجمع الواقفين اليوم على ابواب كبار المنطقة حتى يكون لهم مكانا في سدنة السادة الجدد، ففي ظل التقارب الأمريكي الإيراني والذي بلا شك انه قد اصبح الحقيقة القائمة الآن نستمع لصراخ وضجيج من امتهنوا فعل الإستجداء لأنفسهم مناشدين السيد الأكبر القابع ببيت الطاعة والولاء بأن لا ينسى مكارم سدنتهم للبيت ولأرباب فعل التغول العابر من خلالل خدامتهم الجليلة.

ببساطة الكلام نقول ان ايران قد عبرت الى نادي الكبار بكل ثقة وقد تعزز هذا العبور من خلال العديد من الشواهد لعل ابرزها عجز باقي كبار الأمم على تقزيم الكبير الإيراني والذي استطاع ان يثبت وان يفرض عليهم محاورته والجلوس واياه على مستديرة رسم الخرائط الوجودية للمصالح من خلال تقاسم هكذا مصالح والقبول بمبدأ تقاسم مناطق النفوذ، وهو ما يبدو انه سيصبح الحقيقة، وبحقيقة الأمر فلابد من العلم ان كبار الفعل هم من يصنعون المصائر، ومصير العرب قد صار مرة اخرى عرضة لفعل التقاسم من جديد. ولهم ان يصرخوا كما يشأوون ...

ايران اليوم هي على اعتاب المصالحة التاريخية مع سيدة العالم امريكا في ظل سيدها اوباما الجديد القادم الى سدة الحكم بذكاء الفعل المستند الى مراعاة الكبار والجلوس واياهم على رأس طاولة اباطرة عولمة النفوذ.
ايران تثبت اليوم انها الأقوى من كل صناع الضجيج والشغب عليها وعلى فعلها في المنطقة فقد استطاعت ان تقول وبلغتها الفارسية انها الأقوى في المنطقة وان ارادت امريكا ومن ورائها أوروبا والدولة العبرية ان تنجز تفاهمات في البحر الشرق الأوسطي فلابد ان يعبر من خلالها، وبطهران تتكون كلمة السر لإعادة الترتيب وانجاز التفاهمات في العراق ولبنان وفلسطين وتموضع الخارطة الخليجية من جديد.

ايران تفرض حقيقتها وان كانت قد تاجرت بكل الدماء وحاولت ان تمسك بأطراف اللعبة الساخنة في العراق مؤثرة بدهاليز بغداد واستقرار اوضاعها ومهددة بذات الوقت كل من يحاول ان يقزمها في البصرة وكربلاء وهي القائلة دوما ان مفاتيح السلم والحرب للعراق وفي العراق قد باتت بجعبتها، وعلى هذا الأساس فرضت منظومة مفاهيمها وحتى أدواتها لتكون ورقة من أوراقها الضاغطة على الإحتلال الأطلسي بقيادة بلاد العم سام وكانت ان قبلت واشنطن بقوانين اللعبة هذه. وتخندقت ايران بل وصنعت المحور المسمى بالممانع في المنطقة في وجه تيار الإعتدال الذي ظل معتقدا انه الأقرب الى الحليف الإستراتيجي امريكا ليثبت هذا الحلف وبالتالي هذا المعسكر فشله المدوي بتحقيق أيا من اهدافه حتى بالحفاظ على مصالحه...

الرافعة الإيرانية استطاعت انجاز الكثير من بنيانها وخلقت ممالك وجزرا حاكمة باسمها وكانت أن شكلت رؤوس حربة لجيشها بتلك البؤر الساخنة والمتأججة والمحددة لمسار المشاهد الإقليمية، وبالتالي سقطت الكثير من المشاريع المضادة والمتناقضة والفهم الإيراني والمنسجم بشكل أو بآخر مع الفهم الشعبوي في المنطقة وان كان التناقض هنا قد صار سيد الموقف فما بين العراق وخبايا اوضاعه ولبنان وصراع طوائفه واختلاف مناهج تياراته السياسية وفلسطين وصراع الإنقسام فيها وتخندق اطياف اللون السياسي وتشتتتها ما بين محاور المنطقة تكمن الأصابع الإيرانية التي تسللت بكل خفة وذكاء وأحالت اللعب على تلك التناقضات لصالح ملفاتها ولإنجاز عبورها نحو نادي كبار المنطقة ليُصار الى تسميتها بأيران العظمى في المنطقة الى جانب (اسرائيل العظمى ايضا) وهو ما افتقدته وتفتقده كل الدول العربية مجتمعة حتى الآن ...

وما بين الممانعة والقبول تكمن حقيقة المواقف التي قد تصبح معه الممانعة فنا من فنون قبول اطروحات الإعتدال حينما تنجز الممانعة ملفات مصالحها ونفوذها. وحينها من الممكن ان يصبح الإعتدال اقرب الى التفريط بالثوابت وبالحقوق حتى تجاري أطروحة الممانعة الجديدة، وهو ما نتلمسه ونكاد نرى آثاره في الظرف الراهن. فتيار الممانعة يقبل بحل الدولتين ويقبل بصيغة تفاهمات لبنانية ويتقبل أطروحة الطبقة السياسية الحاكمة الأن بالعراق والإعتدال العربي يحاول الآن جاهدا أن يتقدم خطوات الى الأمام وفقا لتعلميات راعي فعل ما يسمى بالسلام في المنطقة، فزعماء دول 'الاعتدال' العربي يبلورون مبادرة سلام عربية 'توضيحية وتعزيزية' للقديمة بناء على طلب أمريكي ليتم عرضها من جديد على طاولة البحث الدولية. وستقدم هكذا مبادرة في ظل الإستجداء المصاحب لفعل التفريط الذي نشهده بالمرحلة الراهنة هذا الإستجداء الذي ينادي بمراعاة تيار الإعتدال العربي في ظل التقارب الأمريكي الإيراني ولابد لهذا الإستجداء من فواتير سيتم تسديدها بالوقت المناسب.

التعليقات