31/10/2010 - 11:02

لماذا العودة الى دهاليز المفاوضات الثنائية؟../ راسم عبيدات

لماذا العودة الى دهاليز المفاوضات الثنائية؟../ راسم عبيدات
.....تتوارد وتتسارع الأنباء عن جهود تبذلها دول عربية وبالذات من معسكر الاعتدال العربي، وبضغط كبير من الإدارة الأمريكية من اجل إعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المتوقفة، بسبب رفض إسرائيل تنفيذ أي من التزاماتها وفق ما يسمى بخارطة الطريق، وما يعرف بخطة أوباما الوقف الشامل للاستيطان في الضفة والقدس مقابل التطبيع مع العالم العربي.

ويبدو أن العودة للمفاوضات هذه المرة ستكون من خلال تراجع السلطة الفلسطينية عن موقفها برفض العودة للمفاوضات إلا بالوقف الشامل لغول الاستيطان الذي يلتهم الأرض الفلسطينية ويهدد عروبة القدس بشكل خاص. والعودة هذه تأتي مقابل الحصول على ورقة ضمانة أمريكية لا تسمن ولا تغني من جوع بإنهاء المفاوضات خلال عامين، ومن ثم يتم بحث قضيتي القدس واللاجئين، وبمعنى آخر منح إسرائيل الزمن والمدة الكافية لخلق وقائع جديدة على الأرض واستكمال مخططاتها ومشاريعها الاستيطانية، بحيث يصبح من الضروري الأخذ بها في العملية التفاوضية.

ويبدو أن الفشل الذريع الذي انتهى إليه هذا النهج التفاوضي طوال أكثر من ثمانية عشر عاماً ليس كافياً لأصحاب نظرية الحياة مفاوضات، لكي يعيدوا النظر في هذا النهج العبثي والمدمر، من حيث عدم الارتهان للمفاوضات كخيار وحيد لاستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولا بد من الجمع بين المفاوضات والمقاومة، وكذلك وضع أسس ومعايير ومرجعيات واضحة للمفاوضات، وأن تكون الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة هي الحكم والفيصل في هذا الجانب، وليس ما يتم فرضه عبر بوابة المفاوضات الثنائية، والتي تستخدمها إسرائيل من أجل تكريس وقائع على الأرض، والظهور بمظهر حمامة السلام، في وقت هي فيه أبعد عن السلام بعد الشمس عن الأرض، وما تقوم به من إجراءات وممارسات على الأرض، يكذب ويفضح كل زيفها وإدعاءاتها.

ولكن البعض فلسطينياً والذي أضمن التفاوض من أجل التفاوض، وبنى استراتيجية على هذا الخيار، يصر على "حلب الثور" و"طلب الدبس من قفا النمس"، وهو يعلم أن المطروح عليه من أجل استئناف هذه المفاوضات العبثية والمضرة لن يخرج عن إدارة الأزمة، والظهور بمظهر أن هناك حركة ومفاوضات، من أجل امتصاص الغضب الشعبي العربي والفلسطيني المتصاعدين، وبما يمنع من السقوط النهائي للنظام الرسمي العربي، والذي يثبت يوماً بعد يوم أنه تخلى عن المصالح والحقوق القومية العربية لصالح مصالحه القطرية، وأضحى أداة غليظة تمارس ضغطها على الضحية للخضوع لشروط وإملاءات الجلاد.

والشيء الخطير أن السلطة الفلسطينية، وعلى لسان منظري ومؤدلجي نهج المفاوضات، من الرئيس والطاقم التفاوضي المحيط به أعلنوا فشل هذا النهج والخيار، وأنه وصل إلى نهاياته، بل أن الرئيس في الخطاب الذي أعلن فيه عدم ترشحه للرئاسة مرة أخرى ،كان يؤبن التسوية والمفاوضات، مع شعور عال بالمرارة من خذلان أمريكي وأوروبي له، من خلال انحياز أعمى وكامل للرؤيا والمواقف الإسرائيلية.

ولكن أي عاقل ومتبصر في الأمور والسياسة، كان يدرك أن السلطة لم تطلق هذا الخيار، وهي لم ترسم استراتيجية شاملة كبديل عن هذا النهج والخيار، بل كانت تنظر للأمور من الزاوية التكتيكية، وهي بتهديداتها وتلويحها لاحقاً بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، لاستصدار قرار دولي يعترف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لم تكن جادة في هذا الأمر، بل كانت ترى أنه ربما تمارس ضغوط أوروبية وأمريكية على إسرائيل، من أجل القبول بتجميد جزئي للاستيطان يتيح لها العودة إلى هذه المفاوضات خيارها الوحيد، ولكن إسرائيل لم تأبه بكل ذلك، واستمرت في التصرف على الأرض بتكثيف وتوسيع الحملة الاستيطانية على الضفة، وبالهجوم الشامل على القدس والمقدسيين في كل المجالات والميادين، بشراً وحجراً وشجرا. ومن أجل أن تحد وتمنع من نمو وتصاعد الغليان الشعبي على إجراءاتها وممارساتها، ومن أجل تنفيس هذه الحالة الشعبية المحتقنة، سعت وبالتحالف مع أمريكا ومعسكر الإعتدال العربي، إلى ممارسة اللعبة القديمة الجديدة ألا وهي طرح مبادرة أو مشروع أو خطة جديدة تثار الجلبة حولها وتسلط الأضواء عليها، لحين رحيل الإدارة الأمريكية الحالية وقدوم إدارة جديدة تعيد الكرة بطرح مشاريع أو مبادرات جديدة،يكون عنوانها الجديد تأبيد وشرعنة الإحتلال، مقابل السلام، لأن إسرائيل تكون قد استكملت مشاريعها من استيلاء على الأرض وتطهير عرقي.

ومن هنا فإننا نرى أن عودة السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات على أساس ورقة ضمانات أمريكية لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، لكونها غير ملزمة وتفتقر إلى الآليات التنفيذية، والهدف منها خدمة إسرائيل وأهدافها ومشاريعها في المنطقة، كما أن تلك العودة ستشكل ذبحاً كاملاً للمشروع الوطني، وأيضاً تكريساً وتعميقاً لحالة الانقسام السياسي والفصل الجغرافي القائمتين، وإهداراً وإضاعة للوقت والجهود التي يجب أن تستثمر في إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وبناء إستراتيجية فلسطينية موحدة وجديدة، استراتيجية تؤمن إيمانا راسخاً بأن نهج المفاوضات الثنائية قد فشل فشلاً ذريعاً وألحق أضراراً خطيرة بالمشروع الوطني الفلسطيني ووحدته الجغرافية والسياسية، وأنه يجب البحث عن إستراتيجية تجمع بين المقاومة والمفاوضات، مع اعتماد أسس ومعايير ومرجعيات واضحة للمفاوضات، ويجب الإقلاع عن سياسة الاعتراف الأحادي ونبذ"العنف" والتقيد بالاتفاقيات والالتزامات من جانب واحد إلى غير رجعة، وإعادة الاعتبار إلى البعدين العربي والدولي للقضية الفلسطينية.

ورؤيتنا للمخاطر والأضرار والتداعيات الخطيرة لعودة السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات العبثية، نابعة ليس من رؤيا عدمية أو رفض من أجل الرفض أو المزايدة أو "الفنتازيا" السياسية، بل أن الكثير من الشواهد والوقائع العملية والأمثلة الحسية والحقائق على الأرض، تدعم وجهة نظرنا هذه.

فالجميع يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو رفض تنفيذ اتفاق الخليل وأصر على إعادة التفاوض على المتفاوض عليه، والجميع يعرف أن اتفاقيات أوسلو نصت على عدم المس بمؤسسات منظمة التحرير في القدس، والتي لم تبقى أي منها عاملة بالقدس، بل جرى إغلاقها إسرائيليا وبمباركة أمريكية وأوروبية غربية، والجميع يعرف أنه حتى المداخل الأمنية لحل القضية الفلسطينية، كخارطة الطريق لم تنفذ إسرائيل أي من الالتزامات المترتبة عليها فيها،والجميع يعرف مصير وديعة الراحل رابين عند الأمريكان بالنسبة للجولان، والجميع يعرف مصير رؤية "المؤمن الكبير" قاتل أطفال العراق "بوش" ووعده الخماسي بإقامة الدولة الفلسطينية، والجميع يعرف مصير خطة أوباما لإقامة الدولة الفلسطينية خلال أربع سنوات، والتي جرى التراجع عنها قبل أن يجف حبرها، رغم التهليل والتطبيل والتزمير العربي والفلسطيني غير المسبوق لها.

إن أي عودة فلسطينية للمفاوضات لمجرد الحصول على ورقة ضمانة أمريكية سيشكل ربحاً صافياً لإسرائيل ومشاريعها ورؤيتها وبرامجها، وسيعمق من نزف الجرح الفلسطيني سياسياً وجغرافياً، وسيفتح الباب واسعاً على مصراعيه، للمزيد من التآكل في الوضع الداخلي الفلسطيني، قد تتحول معه حالة النزف إلى ذبح كلي وشامل للمشروع الوطني الفلسطيني، وستطفو على السطح المشاريع البديلة من الضم والإلحاق للوطن الفلسطيني ولأكثر من بلد ودولة.

التعليقات