31/10/2010 - 11:02

من وعد بوش الخماسي إلى وعد أوباما الرباعي../ راسم عبيدات*

من وعد بوش الخماسي إلى وعد أوباما الرباعي../ راسم عبيدات*
... ها هي الخطوط العريضة لما يسمى بمبادرة أوباما للسلام في الشرق الأوسط تتضح، وجوهر هذه المبادرة يقوم على وعد جديد هو إقامة دولة فلسطينية خلال أربع سنوات. وعدا عن قضية أنها منزوعة السلاح، فهي لا تشمل القدس ولا حق العودة للاجئين، في حين تحتفظ إسرائيل بالسيادة على الكتل الاستيطانية في إطار تبادل أراضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ومسألة تحقيق الدولة الفلسطينية خاضع لسلسلة من الاشتراطات الإسرائيلية والأمريكية، والتي تجعل من تحقيقها أقرب إلى الحلم والخيال بل وحتى المعجزة.

وجوهر المسألة هنا أن فريق الاعتدال العربي- الفلسطيني، والذي لا يكف الحديث عن ضرورة استغلال وجود أوباما في الحكم، من أجل استعادة الحقوق العربية والفلسطينية، وتصوير الأمر على أن مجيء أوباما للحكم هو بمثابة المخلص المنتظر، ولذلك يجب العمل على مساعدته في الوقوف أمام ما يتعرض له من ضغوطات من قبل اللوبي الصهيوني، وهذا لن يكون إلا من خلال إبداء المزيد من "التنازلات"، عفواً الواقعية والعقلانية. والواقعية والعقلانية العربية تعني إجراء تعديل على مبادرة النعش الطائر- مبادرة السلام العربية- بحيث يجري إزالة الغموض فيها، وتحديداً فيما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، بحيث ينص صراحة على شطب حق العودة للفلسطينيين، وفي أحسن الحالات تكون عودتهم إلى الأراضي المحتلة عام 67، ومن لا يريد العودة إلى مناطق السلطة يجري توطينه في البلد الموجود فيه، وطبعاً هذا التنازل والمقرون بسلسلة تنازلات واشتراطات، سنأتي على ذكرها، تأتي لإقناع الحكومة الإسرائيلية اليمينية بالموافقة على حل الدولتين.

وكأن ما يجري على الأرض وما ينفذ ليس بالكافي لإقناعنا، عربا وفلسطينيين، أن ما يجري ليس أكثر من توزيع أدوار تتقاسمه الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية، وتشارك به حكومات أوروبا الغربية، وتسهم به مؤخراً إلى حد كبير دول ما يسمى بمحور الاعتدال العربي.

وقصة بوش وأوباما ووعد الدولة الفلسطينية المستقلة خلال فترة ولاية حكم الواحد منهما، تأتي فقط في إطار المشاغلات السياسية وإبقاء نوع من الحركة السياسية يتلهى بها العرب والفلسطينيون، يتخاصمون ويتقاتلون ويردحون لبعضهم البعض، وتنبري أجهزتهم وطواقمهم وجهابذتهم من سياسيين وإعلاميين وباحثين ومفكرين في التحليل والتوصيف لما تقوم به الإدارة الأمريكية من تحركات، والتطبيل والتهليل والترويج بأن هذه الإدارة تختلف عن سابقتها، وأنها جادة في إيجاد حل لقضية الشرق الأوسط، ولنكتشف أن إدارة أمريكية بقيادة المحافظين الجدد من بوش الأب إلى بوش الأبن أوضح وأكثر تعبيرا عن جوهر وحقيقة السياسة الأمريكية تجاهنا كعرب وفلسطينيين، من حكومة أوباما التي يحاول البعض فلسطينياً وعربياً أن يصورها بأنها حكومة المخلص المنتظر، تماماً كما هو حال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي كان البعض عربياً وفلسطينياً، عندما تنجح حكومة إسرائيلية بقيادة حزب العمل الإسرائيلي، يهللون ويطبلون ويزمرون بأن هذه حكومة سلام، وما تمارسه وتقوم به على الأرض يجعلها على يمين حكومة نتنياهو.

يذكر الجميع أنه عندما فازت الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة نتنياهو فإن من جاب العالم لتسويقها هو بيرس "حمامة سلام العرب المعتدلين"، وهو نفسه من برر الجرائم التي ارتكبها جيشه ضد أطفالنا ونسائنا في العدوان الأخير على قطاع غزة، وهو ما لم يستطع الرئيس التركي أردغان تحمله وانسحب من مؤتمر دافوس الاقتصادي.

أما أمريكياً فوعد "بوش" بتحقيق الدولة الفلسطينية خلال خمس سنوات نعرف أنه فرية وكذبة كبيرة، وبدل الخمس سنوات انقضت عشر سنوات ولم يتحقق من هذا الوعد شيء، بل زاد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية ب600 %، منذ ذلك الوعد وحتى اليوم. ولو استمر في الحكم ربما صارت الخمسة خمس خمسات.

والمشكلة هنا رغم إدراكنا ومعرفتنا كعرب وفلسطينيين أن هذه الإدارات الإسرائيلية والأمريكية تتقاسم الأدوار، إلا أننا نستمر في دفن رؤوسنا كالنعام، والتعاطي مع الأمور على قاعدة "عنزة ولو طارت". فرغم كل عبثية النهج والخيار التفاوضي، والذي حولنا إلى شاهد زور ومشارك لما تقوم به إسرائيل من أعمال لخلق واقع ووقائع جديدة على الأرض، لم نحاول أن نبحث أو نلجأ لخيارات أخرى، أثبتت وثبت صحتها على أرض الواقع.

وبالتحليل الملموس نقول إن إدارة أوباما أخطر على الحقوق العربية والفلسطينية من إدارة المحافظين الجدد الراحلة، وما يطرحه أوباما على أنه خطة سلام، هو ترجمة عملية لرؤية ونظرية نتنياهو، السلام الاقتصادي. وقبل شرح ذلك سأسوق لكم المثال التالي:- انزعج المستوطنون في مستوطنة " أرمون هنتسيف" المقامة على أراضي قريتي المكبر وصور باهرمن آذان الصباح في أحد جوامع البلدة وحضر إلى البلدة يوسي سريد زعيم حركة "ميرتس" الإسرائيلية سابقا، والذي كان نائباً لرئيس البلدية- بلدية القدس- والتقى بعدد من أهالي البلدة، ومن ضمن ما طرحه هذا "اليساري": أنتم تعرفون هؤلاء مستوطنين كفرة وملحدين، فما العيب لو قمتم بتعطيل سماعة الآذان الموجهة نحو هؤلاء المستوطنين؟. وبعبارة أخرى فهو يريد بطريقة لبقة وذكية منا أن يتحقق طلب المستوطنين، ويظهر في الوقت نفسه كرجل سلام.

وهذا حال السيد أوباما فأول الغيث قطرة و"أول الرقص حنجلة"، فهو يريد أن يطرح علينا مبادرة سلام عنوانها أن الحكومة الإسرائيلية القائمة في إسرائيل، حكومة يمينية ومتطرفة، وحتى نستطيع أن نقنعها بالسلام، فالمطلوب من العرب والفلسطينيين تقديم تنازلات تجاه تلك الحكومة، تنازلات يقف على رأسها إلغاء حق العودة للشعب الفلسطيني وفق القرار الأممي 194، وبمعنى آخر الاعتراف بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وهذا ما وضعه نتنياهو كشرط في خطاب تنصيبه للموافقة على حل الدولتين، وبعد تحقيق هذا الشرط، يتم التخلص من الجزء الأكبر من عرب الداخل- عرب مناطق 48 – عبر التبادل السكاني وما تبقى يطرد ويرحل قسراً.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مبادرة أوباما لا تشترط إنهاء الاحتلال، بل شرعنته من خلال عملية تطبيع وإقامة علاقات ما بين إسرائيل وأكثر من 57 دولة عربية وإسلامية. وبالقدر الذي يتقدم فيه التطبيع مع العرب، تصبح إسرائيل قادرة على القيام بخطوات أكثر جدية لوقف الاستيطان وتسليم أراض للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها خلال أربع سنوات.

وطبعاً هذه المبادرة كما هو حال خارطة الطريق رهن بموافقة إسرائيل عليها، فهي لها الحق في الإضافة ووضع الشروط. وكما وضعت على خارطة الطريق 14 شرطا وتعديلا، فربما تضع 20 تعديلا أو أكثر على مبادرة أوباما وننسى المبادرة الأصلية، ونبدأ في البحث ودراسة الاشتراطات الإسرائيلية عليها، والتي ربما لا تكون الفترة الرئاسية الأولى لأوباما كافية لوصول إلى نتائج حولها.

وهنا تتحول سنوات أوباما الأربعة لإقامة الدولة الفلسطينية إلى أربعات وهكذا دواليك... إلى أن لا تتبقى أرض ولا مناطق يقيم عليها الفلسطينيون دولتهم، ولا يتبقى أمامهم سوى مشروع نتنياهو السلام الاقتصادي بعيداً عن الدولة الفلسطينية المستقلة، ولنكتشف أن خطة أوباما للسلام هي نسخة طبق الأصل عن خطة ورؤية نتنياهو، ولكن فاقد الشيء والراهن والمسلم كل أوراقه وقراراته إلى أمريكا، والمجهض للخيار العسكري والمقاوم عمداً وعن سابق إصرار ماذا يملك من الخيارات سوى الخنوع والذل والإستجداء على أبواب المؤسسات الدولية والتشبث بأستار البيت الأبيض وقصر الأليزيه، واستدخال الهزائم وتصويرها على أنها انتصارات.

التعليقات