31/10/2010 - 11:02

من يسبق من: التهدئة.. تبادل الأسرى.. الإعمار.. المصالحة؟../ هاني المصري

من يسبق من: التهدئة.. تبادل الأسرى.. الإعمار.. المصالحة؟../ هاني المصري
كان من المتوقع أن يتم الاعلان عن التهدئة في بداية الاسبوع الجاري، الا أن عودة الحكومة الاسرائيلية لطرح مطالب قديمة سبق أن تراجعت عنها، أعاد الامور الى نقطة الصفر.

المطالب الاسرائيلية تتمحور حول أن تكون التهدئة مفتوحة، وأن تشمل صفقة التهدئة الافراج عن الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت، لأن الحصار لن يرفع، والمعابر لن تفتح ما لم يتم الافراج عن شاليت، كما صرح ايهود اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية.

وإذا كانت مطالبة اسرائيل بالتهدئة المفتوحة، شرطا لا تتم التهدئة بدونه، فهذا يعني أن التهدئة لن تتم في عهد هذه الحكومة. وإذا رحل هذا الملف للحكومة القادمة فإنها ستكون أكثر تشددا من الحالية، مهما كانت الاحزاب المشاركة فيها. فالتهدئة المفتوحة غير المحددة زمنيا اذا حصلت، تمثل خضوعا من الفصائل الفلسطينية، وتحديدا "حماس"، لشرط اسرائيل الرئيسي لوقف العدوان، لأنه إذا تحقق يمثل تخليا عن خيار المقاومة، الذي يجب أن يبقى مشرعا ما دام هناك احتلال، وما دامت "حماس" تتحدث عن أن خيار المقاومة هو خيارها الرئيسي إن لم يكن الوحيد.

الانباء الواردة في الساعات الأخيرة تفيد أن العقبات التي حالت دون اعلان اتفاق التهدئة قد ذللت، وهذا يعني أن الاتفاق سيرى النور خلال الأيام القادمة.

ان تقدم المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى، يمكن أن يحقق شرط اولمرت الثاني وهو ربط الافراج عن شاليت بالتهدئة، بحيث يتم الاعلان بشكل متزامن بين الاتفاق على التهدئة والاتفاق على صفقة تبادل الأسرى.

ان حكومة اولمرت كانت تريد أن يتم الاتفاق على الأمرين، او أحدهما على الأقل، قبل الانتخابات لأن هذا من شأنه مساعدة حزبي كاديما والعمل في الحصول على أصوات أكثر. ولكن الانتخابات جرت وفازت فيها الأحزاب اليمينية واليمينية الأكثر تطرفا، بالرغم من حصول حزب كاديما على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست بفارق مقعد واحد عن حزب الليكود، لذلك الحكومة الاسرائيلية باتت الآن أقل تلهفا على اتمام التهدئة وصفقة تبادل الاسرى، خصوصا أن هناك معارضة داخل الحكومة للتنازلات التي يمكن أن تقدم عليها.

أما بالنسبة لإيهود اولمرت شخصيا، فهو لا يزال، يريد أن ينهي فترة حكمه بإنجاز عبر اتمام صفقة! تبادل الاسرى، واتفاق التهدئة، حتى يؤسس لعودته للحياة السياسية بعد أن يتجاوز سلسلة الفضائح التي لاحقته طوال فترة ترؤسه للحكومة.

اولمرت سيكون قادرا على تحقيق هدفه، لأن بنيامين نتنياهو المرشح الاكثر حظا لتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، لم يعارض إتمام الامر، لأنه يريد أن يزيح هذا الملف عن الطاولة قبل أن يتولى الحكم ويصبح صعبا عليه أن يجد حلا له مهما كان شكل الحكومة التي سيترأسها.

وأخيرا اقول، إن اسرائيل تحاول ان تبتز "حماس" وتحسن شروط اتفاق التهدئة وتبادل الاسرى في اللحظة ! الاخيرة، لأنها تدرك مدى الحاجة الفلسطينية لهذا الاتفاق، سواء من أجل رفع الحصار وفتح المعابر والشروع في إعادة الاعمار، أو لتثبيت سلطة "حماس" وحصولها على الشرعية، إذا لم يتم الاتفاق على انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

ان الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني ساعد اسرائيل في تحقيق أهداف كثيرة من ضمنها أن المفاوضات تدور حول التهدئة وفتح المعابر وليس إنهاء الاحتلال، وتتم مع فصيل فلسطيني واحد، بمعزل عن السلطة والفصائل الأخرى، وهذا يضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني.

وإذا انتقلنا الآن، الى المصالحة، نلاحظ أن الأجواء الايجابية تظلل الاجتماعات التي عقدتها وفود من حركتي فتح وحماس، في القاهرة والضفة الغربية. لقد بتنا نسمع من قادة "حماس" أن "فتح" جدية هذه المرة في الحوار، كما سمعنا من قادة "فتح" عن مرونة غير مسبوقة عند "حماس" بالحوار، وانهم متفائلون، هذه المرة، خلافا للمرات السابقة بامكانية الاتفاق على انهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

فماذا "عدا عما بدا"، حتى تتغير الاجواء الداخلية الفلسطينية، من رفض اللقاءات الثنائية حتى لا نقع في خطيئة المحاصصة الفصائلية، ومن رفض الشروع في الحوار الى أن يتم اطلاق سراح الاسرى، وتعديل المبادرة المصرية بشكل جذري، وحتى يتم الاتفاق على كل شيء برزمة واحدة يتم تطبيقها بشكل متزامن.

لقد جرت مياه كثيرة خلال الأسابيع الستة الماضية، أجرت ومن شأنها أن تجري تغييرات ملموسة على أكثر من صعيد، بما في ذلك على المواقف الفلسطينية المختلفة من المصالحة.

فقد شنت إسرائيل حربا همجية على قطاع غزة، لم تحقق اهدافها! ولكنها فرضت حقائق جديدة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها. هذه الحقائق تتمثل بحجم الضحايا من الفلسطينيين خصوصا من المدنيين والدمار الهائل الذي خلق معاناة انسانية هائلة، واهتماما عربيا ودوليا كبيرا لاعادة الاعمار، وما يتطلبه ذلك من تهدئة وكسر الحصار وفتح الحدود والمعابر.

كما ان العدوان بجذريته والمجازر التي رافقته أوضح أن اسرائيل لا تريد السلام، ولا تقيم وزنا للشريك الفلسطيني، ما اضعف الرئيس ابو مازن ودفعه لاطلاق تصريحات غير مسبوقة عن ان اسرائيل لا تريد السلام، وان اية مفاوضات قادمة يجب أن يسبقها وقف الاستيطان كحد أدنى.

القيادة ضعفت و"حماس" بحاجة للوحدة

ومن الحقائق التي أكدتها الحرب، عجز طرف فلسطيني بمفرده، عن مواجهة التحديات التي تواجه الفلسطينيين بشكل عام، أو تواجه غزة أو الضفة أو الشتات. فـ"حماس" بعد الحرب ورغم الخسائر الفلسطينية الفادحة اصبحت في وضع أفضل سياسيا وشعبيا، ولكنها محاصرة ولا تستطيع أن تحول هذا الوضع الجديد الى مكاسب سياسية بدون كسر الحصار وفتح الحدود والمعابر، وهذا كله مفتاح تحقيقه في ايدي الرئيس ابو مازن. فمصر والدول العربية المعتدلة واميركا واوروبا والعالم، لا يمكن أن تعطي هذه المكاسب لـ"حماس"، حيث إن المصالحة الفلسطينية باتت بقصد أو بدون قصد ممرا اجباريا يجب على الفلسطينيين أن يمروا به معا، من اجل كسر الحصار والإعمار والتهدئة وفتح الحدود والمعابر.

في هذا السياق، جاءت نتائج الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة، لتوجه ضربة قوية جدا، وربما تكون قاضية لما يسمى عملية السلام، بحيث ليس أمام القيادة الفلسطينية للحفاظ على وجودها ودورها سوى فتح الطريق أمام الحوار والمصالحة والوحدة الوطنية.

وهنا لا ينفع الرهان كثيرا على إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، لأن نتائج الانتخابات الاسرائيلية وضعت عقبة ضخمة أمام أية امكانية لبلورة سياسة اميركية جديدة، بحيث ستنحصر الجهود الأميركية خلال الفترة القادمة، في كبح جماح اسرائيل ومنعها من التوسع ومن استئناف الحرب والعدوان على غزة ولبنان، وشن حرب جديدة على ايران وربما سورية.

مصالحة حقيقية أو عشائرية أو مؤقتة؟

إن المصالحة باتت مصلحة لكل الأطراف الفلسطينية، ولكنها قد تكون أو ينظر لها كمصالحة عشائرية او مؤقتة، سرعان ما تزول مع تغير الظروف وانقشاع الغيوم في المنطقة والعالم، بعد اتضاح تداعيات عاصفة الأزمة المالية العالمية، ومجيء رئيس اميركي جديد يريد أن يرى ضرورة وضع سياسات أميركية جديدة في كل مكان في العالم، باستثناء منطقتنا لأنه يخشى من ضغط اللوبي الصهيوني والمجموعات الاميركية المؤيدة لاسرائيل.

حتى نستطيع ممارسة التأثير على الإدارة الأميركية الجديدة، يجب أن نسعى لتحقيق مصالحة حقيقية ترتكز على الجوهر وليس على الشكل.

فعند الحديث عن البرنامج السياسي يجب الاتفاق على برنامج سياسي واضح، يضمن الحقوق والاهداف الفلسطينية، ويحظى بثقة فلسطينية ولا يخضع لشروط اللجنة الرباعية الدولية، وينسجم مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة حتى يستطيع ان يحلق بالحكومة التي ترفعه على كل المستويات والأصعدة المحلية والعربية والاقليمية والدولية.

وعند الحديث عن الحكومة يجب عدم إعطاء الأولوية للمكاسب الفئوية والفصائلية وإعادة إنتاج المحاصصة وإنما اعتماد الشراكة الوطنية وارساء الأسس الديمقراطية، والخضوع لمرتكزات المصلحة الوطنية العليا.

فليس المهم شكل الحكومة وإنما ما هو برنامجها، وما الذي يتوجب عليها فعله. فمطلوب من أية حكومة قادمة إنهاء الانقسام وليس التغطية عليه، من خلال حكومة فوقية، لا تلغي الانقسام والواقع الحالي، ولكنها تكرسه وتغطي عليه وتجمده وتمنعه من التفاقم.

كما أن الحديث عن إصلاح م.ت.ف لا يجب أن ينحصر في مشاركة الفصائل التي لا تزال خارجها، وانما بوضع ميثاق وطني جديد، والاتفاق على برنامج قادر على توحيد الفلسطينيين أينما كانوا، وتفعيل وتطوير المؤسسات والدوائر، واللجوء الى الانتخابات حيثما أمكن ذلك، وإعادة الاعتبار للمنظمة، ووضع السلطة في مكانها الطبيعي كذراع من أذرع المنظمة، والفصل ما بين رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة.

لا يمكن لأي اتفاق للمصالحة أن يتجنب بلورة سياسة متكاملة حول المفاوضات والمقاومة. فلا نريد مصالحة عشائرية أو هدنة مؤقتة جديدة، وانما وحدة وطنية حقيقية لا تلغي التنوع والتعددية، ولكنها تستند الى أن الفلسطينيين في مرحلة تحرر وطني ما يقتضي أولا وأساسا توحدهم في مواجهة الاحتلال، ومن اجل تحقيق أهدافهم في الحرية والعودة والاستقلال.

التعليقات