31/10/2010 - 11:02

هل يمكن للعقل أن يقف في طابور طويل من محظورات يحددها له "عقل" آخر؟../ ناصر السهلي

هل يمكن للعقل أن يقف في طابور طويل من محظورات يحددها له
كل المسألة أن قانون دمغ العقل بالجيد والسيئ قد فُتحت شهيته... وقد أفلت من كل احترام بشري، وقد يجد البعض في كلمة "بشري" ما يثير غضبه.. لكن الواقع هو هذا الذي نعيشه في مشهد هستيري يثير أعصاب من ينشغل به..

دعوني أفترض أن كل سكان البلاد قد مروا بما أراده هؤلاء المتعرون أصلا من أية أخلاقيات، وحتى لا نكون في التعميم سنأخذ ليبرمان مثلا.. رغم أنه ليس الوحيد، من الذين تلاحقهم كل أنواع تهم الفساد.. ولا شأن لي لا برؤية مزوز واختياراته في توجيه التهم.. أي أن يقف في الطابور سكان النقب والجليل والمثلث ويافا وعكا.. وحتى الروس والإثيوبيون والعراقيون.. وحتى من فتشت عنهم الوكالة اليهودية في الهند.. ليقسموا جميعا بـ"الولاء".. فلمن يكون الولاء؟.. سؤال مثير للسخرية؟

وليكن.. فكل المشهد مسخرة لا أقل فيه أن تمر العنصرية في طور تطورها بما هو أعقد من تحديد هوية مستلبة.. فهل "قسم الولاء" يمكن أن يوضح لنا من هو "اليهودي" من غيره؟ وهل تستطيع الحاخامية أن تكشف عن عورة الذكور من الروس والرومان والإثيوبيون لتثبت أنهم ولدوا من أمهات يهوديات؟..

عجيب هذا السخف الذي لا يدري مطلقوه مدى سخافته، وقد وصلوا في تقييم علني لمعنى التعريف الدقيق والواضح لقصة العبور وهوية الدولة.. "انتباه".. يقول لنا المشرع "العلماني".." قفوا في الطابور أيها الغرباء".. وإلا فاركبوا أمواج البحر كما فعلنا مع أجدادكم..

لو طرحنا سؤالا على ليبرمان: ما هو تعريفك للديمقراطية والعلمانية واليهودية؟.. لوجدناه حقا عاريا.. كقصة ذلك الملك العاري.. ففي صناعة الهستيريا الجماعية.. والتخويف الأجوف يمكن أن يحصل ما لا تتخيله العقليات التي ترى في ليبرمان "بوز مدفع".. ومن خلفه مشرعون يأتون بفكر أسخف.. فجأة صار من ينكر صهيونية ويهودية ( بالمعنى الديني والانتمائي) للدولة في خانة الخارج عن القانون ويستحق بدون عناء محكمة أو قضاة أن يقبع خلف الزنازين..

جيد..

ماذا لو أن يهوديا يعيش في لندن أو كوبنهاغن.. أو حتى نيويورك.. يرفض الانصياع لدمغة على جبينه؟.. هل يعني أن حكومات دول وشعوب ذات سيادة وتاريخ يمتد إلى أبعد من اكتشاف ليبرمان لعبقرية انتمائه لإسرائيل أن تقوم بتسليم هذا أو ذاك / هذه أو تلك لينال عقوبة الرفض؟

قد لا يكون سؤالا يشغل بال هؤلاء الذين يرون في المملكة الأردنية الهاشمية دولة للفلسطينيين.. أو هؤلاء الذين يريدون للملايين من الفلسطينيين أن يذكروا شيئا عن نكبة 48..

كم أكتشف عبقرية هؤلاء الذين يرفعون الدين على أسنة الرماح.. ورؤوسهم التي تغطيها قراءتهم للآخر مغلفة بمحظورات تحت ستار "الحفاظ على مستقبل الدولة".. خذوا هذه الفكرة السخيفة التي يتفوه بها أكاديمي في حضرة شلومو غانور: "لازم نحافظ على يهودية الدولة حتى لو أرسلنا العرب إلى أي مكان في العالم!".. ثمة شيء غير صحي بالتأكيد في أكاديمية الرجل الفاقد لبوصلة العقل.. فحين يدعي من هو ضحية للنازية بأن لا مشكلة لديه في "التخلص" ( هكذا وببساطة) من ملايين البشر، فما من شك بأن قصته تتهاوى وتتداعى تماما حتى عند أكثر الراضخين للأمر الواقع في تمجيد قوة دولة إسرائيل..

مثير للضحك أن ترى صحفيا إسرائيليا يتحدث بلغة مشايخ المسلمين عن "الطلاق البائن".. وصار يرددها خلفه جوقة وجدت ضالتها في التعبير الفقهي الإسلامي معتقدة أنها بذلك تسوق بضاعتها أينما أرادت.. يقول نتنياهو كل شيء ما عدا أنه غير معني إلا بما يتلوه أصحاب الحماقات.. فمن "إمارة جنين" إلى "إمارة الخليل" ( دون البوح بوجود أم عدم وجود هؤلاء المعتوهين من المستوطنين) يراد للشعب الفلسطيني أن "يحكم نفسه بنفسه".. ولا ضير في أن " يتسول لهم بيريس ونتنياهو المال" ليعيشوا "سلاما اقتصاديا"..

ما الذي تلغيه عقول هؤلاء غير العقل البشري؟

أظن أنها تذهب إلى أبعد من مجرد إلغاء العقل.. فالبؤس البادي في النقب باسم "تحضير" سكانه وسرقة أراضيهم واضحة الأهداف.. ومحاولات اللعب على معاناة العرب من الدروز لتشكيل لوبي ضاغط لمصالح تعبيد شارع أو إيصال البنية التحتية إليهم، يحمل شيئا يدركه ليبرمان بدون شك.. فهو الأكثر معرفة تفاصيل العقل المافيوزي..

ثمة شيء أنقله من الغرب.. ربما لا يتابع طاقم "وزير الخارجية" ما يدور.. فمواطنو الغرب باتوا يرفعون شكاوى مثيرة للانتباه بحق ليبرمان.. فهذا الذي يُصدر أوامره للمطار والحدود البرية بالتشدد ومنع دخول البشر من الغرب بعد إخضاعهم لتحقيق مُذل ( من رجال سياسة وإعلام واقتصاد وطلبة علم يبحثون عن الحقيقة) صاروا يطالبون الآن حكوماتهم بما لا يُعجب "دولة اليهود".. فهل هؤلاء ضمن خانة من يريد أصحاب ليبرمان إدخالهم إلى السجون ليتعرفوا عن قرب عما تعنيه الصهيونية؟

نقلي ليس غريبا ولا عجيبا.. ومن يدعي العلمانية والديمقراطية بصمته المفضوح عليه أن يحرق كتبه وصحفه.. وإلا فلنسمع قليلا من أصوات غير تلك الأصوات التي تمجد الحاخامية باسم العلمانية!

ولا شك أن النكبة ستبقى في الذاكرة.. كما المفاتيح.. و"أرض الصبار" ومدن ما قبل الشتات والبيوت التي يعيش فيها مهاجر ما.. لتذكرهم قبل أن تذكر أصحابها الأصليون أنها ليست إلا نتيجة النكبة.. ويبقى أن نسأل " الرفاق" الشيوعيين: ما قولكم في الدولة الدينية؟

التعليقات