27/11/2023 - 13:58

الجميع معنيُّون بِهُدنة طويلة

هناك شرائح واسعة لا تثق بقيادة رئيس الحكومة ولا بشركائه وتطالب بمحاسبة المسؤولين فور توقف القتال. كذلك ما زال هناك أسرى ومحتجزون من المدنيين والعسكريين، وبلا شك أن ذويهم لن يهدأوا حتى إعادتهم.

الجميع معنيُّون بِهُدنة طويلة

حضور للقسام وسط غزة خلال تسليم أسرى إسرائيليين (الأناضول)

تجري اليوم، الإثنين، عملية تبادل الأسرى الرابعة وسط أجواء من التفاؤل بتمديد هذه الهدنة، بحيث تمتد بضعة أيام أخرى، ومن ثمّ تثبيت عملية وقف إطلاق النار لفترة أطول يقرِّرُ شروطها الفرقاء والضالعون في الصراع.

الفريقان المتحاربان في حالة من الإرهاق والتعب، لو كان رئيس الحكومة وأصحاب القرار في إسرائيل واثقين من تحقيق الأهداف التي وضعوها نصف أعينهم في بداية الحرب وهي استرداد الأسرى والرهائن من غير شروط، وتفكيك حماس لما سمعوا نصائح من أحد واستمروا في القتال، بل وكان جو بايدن حثّهم على رفض الهدنة، ولكن ما حدث على السَّاحة العسكرية هو فشل ذريع في المعايير العسكرية، لأنَّ القوي جدا إذا لم يحقق أهدافه المعلنة يعتبر مهزومًا، وإذا صمد الأقل في العديد والعتاد اعتبر منتصرًا لأنّه حرم القوي من تحقيق أهدافه.

الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين وتدمير البنية المدنية وحجب الكهرباء والماء والغذاء والدّواء عن أكثر من مليوني إنسان وترحيل أكثر من مليون منهم وملاحقتهم في مواقع الإيواء، شكّل الضغط الأساسي على المقاومة، هذه الأعداد الهائلة من الشهداء وتحويل المستشفيات إلى مسالخ بشرية بينما العالم كله يرى ويشاهد، كذلك الموقف العربي غير الحازم المكتفي بتصريحات رمادية ليس فيها حتى الغضب المشروع على محرقة المدنيين، إضافة إلى أنَّه ليس لدى المقاومة من سلاح سوى ما يجري تصنيعه تحت الأرض في مواجهة تسليح أميركا وبريطانيا وألمانيا وغيرها لجيش الاحتلال، ولهذا تحتاج المقاومة لربح وقت لإعادة ترميم قوتها، ومنح الناس فرصة لالتقاط الأنفاس.

من ناحية أخرى فإن أصحاب القرار في إسرائيل يريدون هدنة، فالمقاومة رغم كل الضَّربات ما زالت متماسكة ولديها قدرة على توجيه المزيد من الضربات الموجعة لجيش الاحتلال، وتحرّك حزب الله الذي صعّد من الاشتباك في الأيام الأخيرة وتوقّف عن إطلاق النار تزامنًا مع مقاومة غزة واشتعال الضفة الغربية، حيث بدأت تشكل تحدِّيًا عسكريًا مرشحًا للتصعيد.

إضافة إلى العبء الاقتصادي الكبير بسبب تجنيد مئات الآلاف، وإغلاق مناطق ورحيل أعداد كبيرة من بلداتهم الحدودية! ظهور بوادر تذمّر في صفوف الجيش، فقد أقيل ضابطان من بعدما تراجعا بسرّية كانا يقودانها في شمال غزة أمام ضربات المقاومة، ولأنَّ السرية لم تتلق الإسناد الذي تحتاجه خلال اشتباكها.

إضافة لهذا فإنَّ هناك شرائح واسعة لا تثق بقيادة رئيس الحكومة ولا بشركائه وتطالب بمحاسبة المسؤولين فور توقف القتال. كذلك ما زال هناك أسرى ومحتجزون من المدنيين والعسكريين، وبلا شك أن ذويهم لن يهدأوا حتى إعادتهم.

إضافة إلى هذا فتمديد الهدنة أصبح مطلبا للرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يقود إسرائيل في الواقع ويشارك في الحرب بصورة فعلية، وجنّد دولاً كبيرة وعربية وكذَبَ واعتبر كلَّ ما يقولونه في إسرائيل صحيحًا، ولكن ما لبث أن انكشف الكثير من الكذب، واهتزَّت مكانته لدى قطاع واسع من الأميركيين القادرين على الحيلولة دون عودته إلى البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة عام 2024.

لا شك أنَّ التحوُّل الكبير في الرأي العام العالمي لصالح الفلسطينيين، وإعلان دول سحب سفرائها وإعادة نظر في علاقاتها، والتلويح بإلغاء اتفاقات اقتصادية كما الأردن مثلاً، والغضب الذي يعم الشعب الأردني والشُّعوب العربية، والتهديدات بإغلاق باب المندب أمام السُّفن الإسرائيلية أو المتعاملة معها، والخشية من توسع الصراع ليتحوّل إلى صراع إقليمي يصعب جدًا التنبُّؤ إلى إين يمكن له أن يجر شعوب المنطقة كلها، إضافة إلى تنفيس بالون نتنياهو الذي يصرُّ على أن حماس هي داعش، فقد نفّسَت ادعاءاته ابتسامات الرّهائن الإسرائيليين أثناء تسليمهم للصليب الأحمر، وتلويحهم بأيديهم مودّعين لرجال المقاومة، وهذا ما يضعف ادعاءات نتنياهو أمام العالم. كل هذه الحقائق والتطورات تشكّل ضغطًا على الطّرفين للقبول بتمديد الهدنة وخصوصًا على الطرف الإسرائيلي الذي بات موقفه ضعيفًا جدًا بغير ما بدأ به الحرب.

هذا لا يعني أن الهدنة سوف تستمر حتمًا، فقد يبدأ الطيران غاراته بعد انتهاء هذه الهدنة بدقيقة واحدة، ليثبت أنَّه مصمم على القتال حتى تحقيق الأهداف المُعلنة، وقد يحاول تعزيز مواقعه، وطبعًا سيكون الرّد فوريًا من قبل المقاومة، وستواجه الوساطات بين المتحاربين عقبات كبيرة في عملية التفاوض للتوصُّل إلى هدنة طويلة الأمد، ولكل حادث حديث.

التعليقات