06/05/2008 - 07:19

أمريكا غير مستفيدة من وحدة الكوريتين../ عبد الإله بلقزيز

أمريكا غير مستفيدة من وحدة الكوريتين../ عبد الإله بلقزيز
قبل حوالي الخمسين عاماً، تعرضت كوريا لما تعرضت له ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية: التقسيم، كان سيناريو التقسيم واحداً في الملامح العامة دون التفاصيل: دخول الأمريكيين إلى جنوب كوريا كما دخلوا إلى غرب ألمانيا، ودخول الروس إلى شمال كوريا كما دخلوا الى شرق ألمانيا. ثم قيام دولتين على كل من قسمي الكيان المقسم والمقتسم، وارتباط كل منهما بالدولتين العظميين. وطبعاً بعد دمار وحمامات دم سقط فيها مئات الآلاف من القتلى دون رحمة.

كان التقسيم فصلاً من فصول حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين، أو هكذا يفترض أنه كان. وذلك أنها، يعني أن زوال هذه الحرب، منذ اثني عشر عاماً، ما عاد يبرر استمرار ظاهرة التقسيم تلك. وإذا كان هذا ما حصل فعلاً في ألمانيا، التي نجحت في استعادة وحدتها القومية والكيانية في خريف العام ،1991 فإن كوريا لم تشملها هذه "القاعدة" حتى اليوم، إذ ما فتئت ترزح تحت نير أحكام تقسيم مزق أوصالها الجغرافية والبشرية، وأفقدها إمكانية استعادة وحدتها، واستثمار تلك الوحدة في بناء مركز اقتصادي قوي.

من النافل القول إن قسماً كبيراً من المسؤولية في إخفاق الوحدة الكورية إنما يعود الى نظامي "سيئول" و"بيونغ يانغ"، وإصرارهما على الاحتفاظ بـ"ممتلكات" غنماها في حرب شبه الجزيرة الكورية في مطالع عقد الخمسينات. غير أن ذلك ليس كل الصورة، بل وجه واحد منها. أما الوجه الآخر الأهم، والذي يعنينا بيانه، فهو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في أن ترى هذه الوحدة الكورية مستعادة، لأنه، ببساطة، لا مصلحة استراتيجية لها في هذه الوحدة. وهذا ما يفسر لماذا تصر الإدارة الأمريكية على ألا يكون الحوار بين الكوريتين حواراً سياسياً، وعلى ألا يتجاوز إطار لمّ شمل العائلات التي مزقها التقسيم، ولماذا تشدد هذه الإدارة، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، على التهويل من خطر كوريا الشمالية وصواريخها على السلم والاستقرار في المنطقة والعالم، ساعية الى عزلها دولياً وتنمية مخاوف كوريا الجنوبية منها.

ثمة، في تقديرنا، عاملان رئيسيان يبرران الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون مستفيدة من إعادة توحيد كوريا، وبأنها ستظل تختلق العوائق والموانع أمام ذلك التوحيد. والعاملان ذيناك يتعلقان بما في عوائد التوحيد من آثار سلبية على المصالح الاقتصادية والعسكرية الأمريكية في المنطقة:

* العامل الأول متعلق بالخوف من قيام مركز اقتصادي قوي جديد ومستقل في آسيا، مسنود بقوة عسكرية كبرى تحميه وتحمي استقلاله، هي قوة كوريا الشمالية التي ستنضم الى القوة الاقتصادية الهائلة لكوريا الجنوبية. وليس للولايات المتحدة ضمانات بألا تكون كوريا الموحدة مستقلة عنها؛ بل ليست لديها حتى ضمانة بألا تكون قوة معادية لها في المستقبل، أو ذات علاقة بالصين أو روسيا، حتى وإن كانت هذه العلاقة من باب انجذابها إلى محيطها الجغرافي القريب، والمغري بسوقه الواسعة.

* أما العامل الثاني، فيتعلق بخوف الولايات المتحدة الأمريكية من فقدان موطئ قدم اقليمي مميز من الزاوية العسكرية الاستراتيجية، سمح لها، منذ قرابة نصف قرن، بأن تكون على مقربة من الصين ومن روسيا، وأن تراقب قدراتهما وتحركاتهما عن كثب. وهو فقدان لا يمكن أن يعوضه الموقعان الياباني والتايواني، خاصة بعد أن فتحت عودة هونغ كونغ وجزيرة ماكاو الى السيادة الصينية ملف سيادة الصين على تايوان.

ثمة من سيعترض على هذه الفرضية، التي اعتمدناها في التحليل، بالقول: ولماذا سمحت الولايات المتحدة بوحدة ألمانيا بعد انهيار "المعسكر الاشتراكي" على الرغم من أن ألمانيا أخطر اقتصادياً عليها من كوريا؟

سؤال مشروع ووجيه. وجوابنا عنه أن ذلك حصل لثلاثة أسباب: أولها أن إعادة توحيد ألمانيا هي الطريقة المثلى لإخراج روسيا من أوروبا على اعتبار أن موطئ قدمها في شرق ألمانيا هو مصدر نفوذها في شرق أوروبا. وثانيها أن توحيد ألمانيا لم يكن مطلباً ألمانياً فحسب، بل كان مطلباً أوروبياً أيضاً، وهو كلمة السرّ في إخراج مشروع "الاتحاد الأوروبي". وما كان في وسع واشنطن ان تفتح عليها جبهة أوروبا وهي الساعية الى وراثة نفوذ الاتحاد السوفييتي في شرقها ووسطها. أما ثالثها، فهو أن ألمانيا لا تمثل خطراً عسكرياً مثل كوريا لأنها منزوعة السلاح، ومجبرة على أن ترضخ للحماية العسكرية الأمريكية.

ولتلك الأسباب، لا تجوز مقارنة حالة ألمانيا مع حالة كوريا بوجود هذا الفارق.
"الخليج"

التعليقات