07/06/2008 - 06:43

لبنان بعد الدوحة يواجه ثلاثة تحديات../ عصام نعمان*

لبنان بعد الدوحة يواجه ثلاثة تحديات../ عصام نعمان*
بات واضحاً أن مؤتمر الدوحة لم يعالج أسباب الأزمة اللبنانية بل داوى بعض مظاهرها. أسوأ مظاهر الأزمة انقطاع الحوار بين أطرافها السياسيين. أبرز إنجازات مؤتمر الدوحة وضع أطراف الأزمة مجدداً على سكة الحوار. وبعد استعادة الحوار بين الأطراف أمكن الاحتفال سريعاً بمن كان هؤلاء قد اتفقوا، قبل الذهاب إلى الدوحة، على انتخابه رئيساً للجمهورية: العماد ميشال سليمان.

فؤاد السنيورة لا يحظى بالإجماع أو بشبه الإجماع الذي يتمتع به الرئيس سليمان (118 من أصل 127 نائبا). فهو لم يُنتخب لتأليف الحكومة بل سمّي من طرف مؤيديه في البرلمان الذين يشكّلون فيه أكثرية بسيطة (68 نائباً)، ثم كُلف بذلك رسمياً من طرف رئيس الجمهورية.

السنيورة تعثّر في تأليف حكومته. مردّ ذلك إلى جملة أسباب ليس أقلها، ظاهراً، أن قوى الموالاة تتنازع فيما بينها المقاعد الوزارية المخصصة لها، ناهيك بتنازعها "الوظيفي" مع قوى المعارضة. ولأن مؤتمر الدوحة عالج المظاهر من دون الأسباب، فإن أيّ حادث أمني (غالباً ما يكون مفتعلاً) يتسبب في تعكير الحوار. هذا ما حدث أخيراً وأدى إلى قيام كتلة "تيار المستقبل"، أي الحريريين، بتجميد الاتصالات الرامية إلى تأليف الحكومة.

لعل تأليف الحكومة، أو عدم تأليفها، هو التحدي الأول الذي يواجه لبنان بعد مؤتمر الدوحة. ثمة من يعتقد أن فريقاً من قوى 14 آذار معادياً للمقاومة لا يهمه من اتفاق الدوحة إلا بنده الأول المتعلق بانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية. ذلك أن الانتقال إلى تنفيذ بنده الثاني المتعلق بتأليف حكومة وحدة وطنية يعني اشراك حزب الله وحليفه "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب العماد ميشال عون في السلطة. هذا الفريق، مدعوماً من إدارة بوش، يريد ابقاء حزب الله، وحتى العماد عون، خارج السلطة. لذلك فهو لا يتضرر من مسألة تعثر تأليف حكومة الوحدة الوطنية لأن السنيورة باقٍ في السلطة على رأس حكومته المنوط بها دستورياً تصريف الأعمال لحين تأليف حكومة جديدة.

حتى لو تألفت حكومة الوحدة الوطنية المرتجاة، فإن التحدي يبقى قائماً، ذلك أن إمكانية نجاح السنيورة في نسج فئة حاكمة جديدة حول معادلة تقاسم السلطة (16 مقعداً وزارياً للموالاة و11 للمعارضة و3 لرئيس الجمهورية) وجعلها قاعدة راسخة متّبعة طيلة عهد الرئيس سليمان ستثير حفيظة قوى المعارضة الديمقراطية واليسارية والإسلامية الشورية. فاتفاق الدوحة أبقاها عملياً خارج حكومة الوحدة الوطنية، كما أن قانون الانتخاب الذي جرى اعتماده يكرّس إقصاءها عن البرلمان أيضاً. ولا شك في أن انسلاخ هذه القوى المعارضة عن تحالف حزب الله والتيار الوطني الحرّ سيؤثر في وضعهما الانتخابي، لاسيما هذا الأخير.

ينشأ عن هذا الوضع المستجد احتمال قيام معارضة للحكومة الجديدة إذا ما نجح السنيورة في تأليفها ونسج فئة حاكمة حول معادلة تقاسم السلطة التي أرساها اتفاق الدوحة. ذلك أن رسوخ الفئة الحاكمة المفترض نشوؤها يقود إلى تجديد النظام السياسي الطائفي، وهو أمر تعارضه بشراسة جميع القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية.

التحدي الثاني الذي يواجه لبنان هو انكشاف ضعف "تيار المستقبل" الذي فقد سيطرته الأمنية على بيروت خلال المواجهات التي وقعت في النصف الأول من الشهر المنصرم. هذا الوضع المستجد سيؤدي إلى إنعاش القوى الإسلامية السلفية المتطرفة التي كانت تعرّضت إلى ضربة مؤلمة بعد تصفية وجودها في مخيم نهر البارد في العام الماضي. غني عن البيان أن عودة منظمات سلفية مثل "فتح الإسلام" الى الحراك والعمل ستضعها في مواجهة مع قوى الأمن والجيش، كما مع حزب الله. ذلك أن بعضاً من القوى السلفية مدعوم وموجّه من طرف قوى إقليمية ودولية معادية لحزب الله بدعوى أنه حزب "إرهابي"!

ينجم عن صعود القوى السلفية المتطرفة احتمال قوي باصطفاف جديد للقوى السياسية المتصارعة، فالأحزاب المسيحية المعتدلة ستكون محرجة في تحالفها مع إدارة بوش أو من يحلّ محلها إذا ما استمرت واشنطن في دعم القوى السلفية بدعوى مناهضتها لحزب الله. بل إن القوى المسيحية عموماً ستجد نفسها أقرب إلى حزب الله منها إلى خصومه السلفيين لأنه لم يسبق لها أن عانت منه على الصعيدين الديني والاجتماعي.

أكثر من ذلك، فقد أكد الرئيس بشار الأسد في تصريح له أخيراً دعم بلاده لتسوية الأزمة اللبنانية في الدوحة. وأضاف أن دمشق كانت تخوّفت من تطور الأزمة إلى حرب أهلية تنعكس سلباً على سوريا. هذا الموقف وجد صدى ايجابياً له لدى الأوساط المسيحية اللبنانية التي تتحسب لاحتمال صعود القوى الإسلامية السلفية ولجوئها مجدداً إلى العنف.

التحدي الثالث الذي يواجه لبنان هو إعلان قائد المقاومة السيد حسن نصرالله في خطبته الأخيرة ضرورة تفعيل استراتيجية التحرير على مستوى المنطقة كلها في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني. صحيح أن الأطراف المتصارعة في لبنان لم تعلّق سلباً او إيجاباً على هذه الدعوة، ربما لانشغالها بمسألة تأليف الحكومة الجديدة، إلا أنها ستجد نفسها مضطرة إلى ذلك عاجلاً أو آجلا، فالسيد نصرالله يقود مقاومة فاعلة في لبنان هي في الواقع، مرتكز استراتيجية التحرير التي دعا إليها، فما هو دور هذه المقاومة في تفعيلها وكيف سينعكس ذلك على لبنان؟ إلى ذلك، فقد تجدد الحديث في "إسرائيل" عن احتمال توجيه ضربة إلى حزب الله في لبنان بديلاً للضربة التي تحث حكومة الكيان الصهيوني إدارة بوش على توجيهها إلى إيران. لعل المقصود من وراء الإشارة إلى هذا الاحتمال الضغط على سوريا وأمريكا في آن معاً، فالضغط على سوريا يهدف إلى حملها على وقف دعمها اللوجستي لحزب الله وحثها على مراجعة علاقاتها الاستراتيجية مع إيران. أما الضغط على أمريكا فيهدف إلى حملها على إعادة النظر في موقفها السلبي من دمشق على نحوٍ يؤدي إلى إعادة نفوذ سوريا إلى لبنان، خاصة إذا كان ثمنه مبادرة دمشق إلى الحدّ من نشاط حزب الله وربما إلى وقف دعمها اللوجستي له.

ثمة تطور آخر يمكن أن ينشأ عن احتمال تجدد الحرب بين "إسرائيل" وحزب الله وربما سوريا أيضاً هو عودة الاتصالات بين واشنطن ودمشق وبالتالي سعي الطرفين إلى تلافي الصدام "الإسرائيلي" السوري بالعمل على صوغ صفقة إقليمية متكاملة تتناول الجولان المحتل، ومزارع شبعا، واللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان، وتحالف سوريا مع إيران، والبرنامج النووي السوري المحتمل، والمحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة المرحوم رفيق الحريري. هذا التطور ضعيف الاحتمال لأن إدارة بوش توشك على الرحيل ولن يكون لديها النفوذ والوقت اللازمان لمباشرة مشروع سياسي ضخم بهذا الحجم والدلالات الاستراتيجية. بالعكس، يبدو من نبرة السيد حسن نصرالله القوية والواثقة، ومن مستوى العلاقات المتقدمة بين دمشق وطهران، أن الدافع إلى تفعيل استراتيجية التحرير على مستوى المنطقة ليس احتمال انعقاد صفقة بين "إسرائيل" وسوريا أو بين أمريكا وسوريا، بل احتمال استثمار دمشق وطهران وحزب الله و"حماس" لحال التراجع الأمريكي المطرد في المنطقة من أجل المزيد من الضغط على تل أبيب وواشنطن للحصول على مزيد من التراجعات في مختلف ميادين الصراع.

لا جدال في أن اتفاق الدوحة مفيد للبنان من حيث منحه فرصة للتنفس وتنفيس الاحتقان وتبديد التوتر وإرساء هدنة يراد لها أن تكون، نسبياً، مديدة. لكنه بإخفاقه في معالجة أسباب الأزمة المزمنة والمعقدة يبقي احتمالات الانفجار واردة ومتساوية مع احتمالات الانفراج.
"الخليج"

التعليقات