09/07/2008 - 16:28

"مفاعل" عــ48ـرب../ هاشم حمدان*

لا نعلم من هي "المجموعة المغاربية" التي ثارت ثائرتها لاقتحام موقع عــ48ـرب من قبل عصابة يمينية متطرفة، فقامت -المجموعة المغاربية- باقتحام 90 موقعا إسرائيليا. ولكننا نعلم أن موقع عــ48ـرب لا يزعج عصابات كهانا وحدها وإنما يزعج كثيرين من صهاينة وغيرهم.

نعلم أن عــ48ـرب يزعجهم لكونه لا يخلط بين أحمر الشفاه وبين دماء الشهداء، ولا يخلط بين أظفار غانية مطلية بماء الذهب وبين "مخالب" مناضلة تنشبها في عنق السجان، ولا يخلط بين أكف تتأذى من "أشواك الخس" وبين أكف حفرت فيها القيود أخاديد عميقة، تماما مثلما لا يخلط بين تطاول المسوخ و"الكاراكوزات" التي تنعق ليل نهار وتزاود صبحا ومساء وتخادع وتداهن، وبين كبرياء المناضلين الحقيقيين الذين يدفعون ثمن موافقهم بحكم موقعهم في صدارة النضال.

بعد تمهل، تحسبا لاحتمال أن تتكرر، نسوق هذا الكلام بعد عملية الاقتحام للموقع من قبل عصابة من الفاشيين "البراقشيين" (من باب "على نفسها جنت براقش"، وبراقش اسم كلبة..)، لكوننا نعلم ما الذي أزعجهم..

نعرف أن موقع عـــ48ـرب يزعجهم بما ينشره به وبما لا ينشره. لكونه يؤدي دورا ما، و لكونه لا يؤدي أدوارا أخرى معينة وغير معينة. لكونه يؤدي رسالة، إضافة لكونه "لا يحمل التمر إلى أهل البصرة" ولا "يبيع الماء في حارة السقايين" ولا "يتجه صوب الحج والناس راجعة" وفي الوقت نفسه لا "يكف عن ملاطمة المخرز بالكف".

لا يوجد في موقع عــ48ـرب مراسلون/ات ينبشون ويبحثون عن كل ما من شأنه أن يستنفر فضول المتصفح لمجرد إشباع فضوله برؤية ما يرهب رؤيته بدون أن يعني له شيئا ذا قيمة. كما لا يوجد مختصون بصرعات الموضة والأحذية وتصفيفات الشعر والاعتناء بالأظافر وأنواع العطور والمراهم والمساحيق، أو مختصون بالفضائح والانحرافات الجنسية وأمراض الجنون/ح الجنسي وكل ما من شأنه أن يؤجج غرائز بهيمية مريضة، أو كل ما يمكن أن يخدش حياء المتصفح.

ونعرف أنه يزعجهم بالقدر الذي ينشد فيه أماني ومصالح شعبنا، وبالقدر الذي يساهم فيه في صياغة الرأي العام الوطني المحلي، وبالقدر الذي يشكل فيه الرئة الإعلامية المتنفس لفعاليات الحركة الوطنية في الداخل وطروحاتها ونشاطاتها ومواقفها، وظروف عملها في الداخل، خاصة وأنها لا تعمل تحت سقف وطني توفره الدولة الوطنية أسوة بباقي الحركات الوطنية في شتى أقطار الدنيا، وإنما في ظروف تتراكم فيها أشكال ووسائل متعددة من القمع والملاحقة والاعتقال والحصار والتشويه والتأليب والتحريض والإغراء والإسقاط والتفتيت، وهي ظروف تتراكم فيها أيضا أسباب اليأس والتراجع والتنازل والتخاذل والتقاعس، ناهيك عن انعكاسات أية أزمة أو انتكاسة تحصل في أي بقعة من بقاع العالم العربي.

ويزعجهم بالقدر الذي يتابع فيه قيادة الحركة الوطنية والحركة الأسيرة والناشطين السياسيين. ولعل ملاحقة ناشطي الحركات الوطنية والإسلامية والاعتقالات السياسية هي خير مثال على ذلك. ومن هنا فلا بد من ملاحظة أن الحرب التي تشن على الحركة الوطنية هي نفس الحرب التي تشن على منابرها الإعلامية، وعلى كافة الفلسطينيين في الداخل. وبعبارة أخرى هي حرب لا يمكن الفصل بين الأطراف المستهدفة فيها، فهي حرب واحدة وهي الحرب نفسها على الانتماء القومي لأبناء الداخل أهل البلاد الأصليين وعلى حقوقهم في العيش بكرامة على أرض وطنهم، وعلى تمسكهم بالثوابت التي يناضل من أجلها أبناء شعبنا، وعلى رأسها حق العودة للاجئين.

يزعجهم بالقدر الذي يبذل جهده في نقل "الإسرائيليات" في سياقها الصحيح، بدون الوقوع في فخ التحول إلى منبر إسرائيلي أو التناول الخاطئ لما ينشر في الإعلام الإسرائيلي أو الغوص في التفاصيل الجانبية. ويزعجهم بالقدر الذي ينطلق فيه من الانتماء القومي والأرضية القومية في معمعان المعركة على الحقوق، وفي سياق التفاعل والتواصل مع أبناء شعبنا وأمتنا، وذلك حتى لا يتحول حراك الجماهير الفلسطينية في الداخل إلى شأن إسرائيلي داخلي بامتياز يوفر لإسرائيل فرص التبجح بالديمقراطية، ويقذف بأبناء الداخل إلى مصير إسرائيلي أسود.

ويحرص في الوقت نفسه على عدم الانطلاق من موقع إسرائيلي في النظر إلى العالم العربي، كما يحرص على ألا يتم النظر إلى العالم العربي من تحت مظلة إسرائيلية، مثلما يفعل آخرون وخاصة في كيل الشتائم وشن الهجوم وصب الزيت على نيران التجاذبات الداخلية، من باب المزايدة أو خيلاء تسجيل المواقف أو عبثية حرق الجسور.

ويزعجهم بالقدر الذي ينحاز في الموقع إلى جانب أبناء شعبنا الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال، وبالقدر الذي ينحاز فيه إلى جانب من يمثل مصالح شعبنا في كفاحه لإحقاق حقوقه المشروعة، وبالقدر الذي يقف فيه بوجه التفريط في الحقوق الثابتة لشعبنا.

ويزعجهم بالقدر الذي يفتح ساحة المقالات للمقالة المحلية إلى جانب مقالات عدد من الأقلام العربية في الوطن العربي، والتي اكتوى أصحابها بحرقة الهم العربي، وحملوا شعلة أماني ومصالح أمتنا العربية وشعوبها على المستويين العام والخاص.

لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى كثيرة لا تستعصي على مخيلة القارئ المتابع للموقع، تعرض الموقع لعملية الاقتحام والتي تأتي في أعقاب محاولات كثيرة منذ عدة شهور.

بيد أن ما يثلج الصدر هو حجم التضامن مع الموقع، والذي يتضح من خلال رسائل التضامن والاتصالات التي وصلت الموقع، سواء من الداخل أو من الضفة الغربية وقطاع غزة، أو من أقطار الوطن العربي؛ سورية ولبنان ومصر والسودان والخليج وتونس والجزائر والمغرب والأردن وموريتانيا والسعودية والعراق وغيرها، أو من المتابعين العرب في عدد من الدول الأجنبية كإسبانيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا والبرازيل واستراليا، أو من متابعين جدد بدأوا بتصفح أرشيف الموقع في أعقاب التغطية الإعلامية الواسعة لنبأ اقتحام الموقع، سواء في الصحف والمواقع المحلية أم في الصحف والمواقع العربية.

لكل هؤلاء نتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان على تضامنهم وتغطيتهم الإعلامية للهجمة على الموقع، خاصة وأن رسائل التضامن كانت من الدفء، تماما كما كانت رسالة الاقتحام من الحقد، بحيث حملتنا على الاعتقاد، انطلاقا من سطوة الكلمة، بأن لدينا "مفاعل عــ48ـرب"!.. وليس موقعا بلون أحمر الشفاه..

التعليقات