06/10/2009 - 12:46

جولدستون وتداعياته.. نقطة نظام../ سمير زقوت*

جولدستون وتداعياته.. نقطة نظام../ سمير زقوت*
تتواصل تداعيات طلب ممثل منظمة التحرير تأجيل مناقشة تقرير لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي ريتشارد جولدستون عبر مندوب الباكستان كممثل للمجموعة الإسلامية في مجلس حقوق الإنسان. وأخذت هذه التداعيات تتواصل لتصبح ككرة الثلج المتدحرجة. ولكن التداعيات إذا ما استمرت على هذا النحو ستفوق بنتائجها الكارثية جريمة التأجيل نفسها، والتي لا تحتاج لكثير نقاش سواء لجهة مدى كارثيتها أو إثبات مسئولية السلطة عنها.

إن المتأمل في هذه التداعيات يقف على مجموعة من المفارقات الغريبة، فالمفارقة الأولى والتي كان لها وقع الصدمة على منظمات حقوق الإنسان،، والدول التي آزرت الحق وأحرار العالم، هي أن الضحية بدلاً من أن يسعى لمعاقبة المجرم شكل له درعاً حامياً يضمن له الإفلات من العقاب أو من مجرد الإدانة في القضية مثار البحث. وهذا أمر غير مسبوق وتأخذ تفسيراته أبعاداً مشوشة وقاسية لدرجة ينطبق عليها المثل القائل "عذر أقبح من ذنب"، والمقصود هنا بالتبريرات غير السلطوية التي تحيل الأمر إما لمصالح اقتصادية أو خوفاً من افتضاح دور بعض رموز السلطة في التحريض على مواصلة العدوان على غزة.

المفارقة الثانية هي حالة الارتباك التي وجدت السلطة بكل رموزها نفسها فيها، وظهر ذلك في الحالة غير المسبوقة من التخبط في التصريحات بين الاعتراف بدور السلطة في تأجيل النظر في مشروع القرار والتنصل منه. وربما كان تصريح حنا عميرة، الذي أشيع أنه يرأس لجنة تحقيق ستحقق في ملابسات ما جرى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث نفى الأخير تلقيه أي تكليف رسمي وأنه سمع بأمر اللجنة من وسائل الإعلام. والمفارقة هنا أنه ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني تجد سلطته المتنفذة نفسها تحت ضغط تبرير سلوكها، فهي لم تكن كذلك إبان أوسلو وما تلاها من اتفاقات، كما أنها لم تكن كذلك في طلبها تأجيل النظر في انتهاكات إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة في المؤتمر الوحيد الذي انعقد في عام 2000 لهذا الغرض تحت شعار إعطاء السلام فرصة.

المفارقة الثالثة أن إسرائيل حققت ولما تزل فوائد جمة لا تقف عند حدود حمايتها وإراحتها من عناء الدفاع عن النفس، بل هي تستغل الجدل الفلسطيني والسجالات المتواصلة لتنقض على ما تبقى من القدس وعلى رمزها الأول إسلامياً المسجد الأقصى المبارك في غفلة من الفلسطينيين باستثناء فلسطينيي 48، وبدلاً من تركيز الاهتمام على القدس ومحاولة لجم غلاة المتطرفين وقطع الطريق أمام ما يخطط من قضم وتهويد يطبق على القدس، والاستمرار في المتابعة الهادئة لقضية جولدستون وتقريره، نأبى إلا أن نسهّل على المحتل تحقيق مآربه.

المفارقة الرابعة وهي الأهم أن الأصوات بدأت ترتفع لتربط بين موقف السلطة وأثره على الحوار الوطني والوحدة، وأن ما جرى وجه ضربة للجهود المصرية لتحقيق المصالحة. وأنا أعتقد أن هذا الفهم المغلوط هو أخطر ما في التداعيات، إذ أن عدم التوحد يعني الاستمرار في إطلاق يد السلطة في ظل الانقسام. وعبثاً يحاول من يحاول إزاحة المتنفذين عن سدة القرار أو سحب الاعتراف الدولي بتمثيلهم للشعب. وعليه فإن ما جرى فيما يتعلق بتقرير جولدستون يجب أن يشكل دافعاً يحفز على الإسراع في التوحد للحد من تفرد القيادة المتنفذة والحيلولة دون ارتكاب جرائم بحق الشعب والقضية على شاكلة ما جرى في مجلس حقوق الإنسان. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ولأول مرة يمكن لفلسطيني أن يلجم القيادة السياسية لمنظمة التحرير سيما وأن الواقع على الأرض يفرض هذا النوع من التوازن، والجريمة أن يستمر أبو مازن في التهرب من الوحدة وأن تواصل حماس استمراء الأمر والسماح باستمراره.

عليه فإن المضي قدماً في الضغط لمحاسبة المسئول عن قرار سحب مشروع قرار بتبني توصيات جولدستون أمر لا مناص منه وهو مطلب وطني يرقي إلى مستوى الضرورة، ولكن ذلك لا يجب أن يجعلنا في غفلة مما يجري في القدس، أو اتخاذه ذريعة لتأخير التوحد، أو الالتفات إلى المحاسبة وترك واجب العمل من الآن للحد من التداعيات السلبية لقرار السلطة والعمل على تأمين طرح مشروع القرار فيما يتعلق بتقرير لجنة جولدستون وضمان حصوله على الأغلبية وإلا فإن الجميع يتحمل المسئولية ولن تقتصر على سلطة رام الله.

التعليقات