31/10/2009 - 09:29

تصوري يا شيرين../ رشاد أبوشاور

تصوري يا شيرين../ رشاد أبوشاور
العنوان مختصر، ولولا الإثقال على القارئ لجعلته هكذا: تصوري يا شيرين، ثمانية أعوام حتى سمحوا لنا بافتتاح مدرسة في الجفتلك، ومنذ 12 سنة ونحن نفاوضهم ولم يسمحوا لنا بشّق طريق، أو افتتاح مستشفى، في الأغوار.. يا شيرين!

أمّا شيرين فهي شيرين أبو عاقلة، مراسلة ( الجزيرة) في الضفّة الغربيّة، وأمّا الذي يشكو لها فكبير المفاوضين، رئيس دائرة المفاوضات، صاحب كتاب ( الحياة مفاوضات)، وإستراتيجية: المفاوضات ثمّ المفاوضات ثمّ المفاوضات...

يوم الأربعاء 28 الجاري، قدّمت قناة ( الجزيرة) ريبورتاجا أعدّته مراسلتها شيرين أبو عاقلة -أعيد بثّه صبيحة الخميس- من منطقة الأغوار الفلسطينيّة، الواقعة غربي نهر الأردن.

ثمّة بوابة يتحكّم بها الاحتلال، لا تُفتح للفلسطينيين، ويسمح فقط بعبور بعض الفلسطينيين الذين هم بقايا الصامدين في الأغوار.

ثمّة مستوطنة اسمها ( روغيه) عدد أفرادها 37 شخصا، وهؤلاء يستحوذون على البئر الارتوازية التي تقع في أرض ممتلكة لفلسطيني تتكوّن أسرته من 27 نفرا، وهو غير مسموح له بحفر بئر جديدة، وأغنامه تعاني من العطش والتعرّض لتقلبات الطقس، فقد حرمته قوّات جيش الاحتلال حتى من تظليل ألواح "الزينكو" على رؤوس أغنامه، واعتبروا أنها ( مُنشأة)، تضييقا عليه ( ليطفش) ويترك أرضه، ولكنه مع ذلك جعل من اسم ابنته الصغرى ( صمود) موقفا وعنوانا لتشبثه بأرضه.

نرى في الريبورتاج المصوّر ماسورة ماء تنقّط قطرات قليلة، في أوعية يضعها الفلسطيني ليجمع فيها النزر اليسير من الماء الذي لا يكفيه وأسرته، والقطيع الذي يعتاشون من إنتاجه!

مساحة الأغوار الفلسطينيّة تقرب من 20% من أرض الضفّة الغربيّة، وهي الآن مستحوذ على أغلبها، سواء من المستوطنين، أو (لضرورات) عسكريّة، أو لتبقى خاضعة للاحتلال إلى ما يسمّى بالحّل النهائي، وهي تعتبر منطقة ( حدوديّة) مع الأردن.

شيرين أبو عاقلة تختم الريبورتاج بلقاء مع كبير المفاوضين صائب عريقات، فيتدفق الرجل بالشكوى مّما يعانيه فلسطينيّو الأغوار من الاحتلال، وما يضعه أمامهم من صعوبات تضييقا عليهم، ويشكو لها: تصوري يا أخت شيرين: 8 سنوات ونحن نفاوضهم على مدرسة، حتى سمحوا لنا بافتتاح مدرسة في ( الجفتلك)!

تصوري يا أخت شيرين: منذ 12 سنة، ونحن نفاوضهم على شّق طريق ومستشفى للفلسطينيين في الأغوار، ومع ذلك لم يسمحوا لنا!

لم يشعر كبير المفاوضين بالحرج وهو يشكو للأخت شيرين وكأنها بان كيمون أمين عام الأمم المتحدة، متناسيا أنها، ونحن معها، وكل مشاهد عربي، يمكن أن نسأله: ولماذا تواصل المفاوضات 12 سنة لشّق طريق، وبناء مستشفى؟ هل أنت مقتنع بأنك ستصل إلى نتيجة من التفاوض ( معهم)؟ ومتى برأيك سيأذنون لك بفتح مستشفى وشّق طريق لفلسطينيي الأغوار؟ وكم مائة سنة تحتاج يا كبير المفاوضين لتقنعهم بإنصاف فلسطينيي الضفّة الغربيّة الذين يستهلك واحدهم ربع ما يستهلكه المستوطن من ماء هو ماء هؤلاء الفلسطينيين، كما كشفت تقارير محايدة لجهات تابعة للأمم المتحدة؟!

إذا كنت قضيت 8 سنوات تفاوضهم لافتتاح مدرسة لأبناء ( الجفتلك)، وتضيّع 12 سنة للطريق والمستشفى، فمتى إذا ستحقق لنا دولة بالمفاوضات والمزيد من المفاوضات؟ ألا تشعر بالحرج يا دكتور؟ أم تراك تعتبر أن المفاوضات هي مهنة لا مهنة لك غيرها، وأنها ( خياركم) الذي يضيّع الوقت على شعبنا، وخياره الذي لا خيار غيره؟!

أنت تعيش في أريحا، وأنا عشت في مخيمات أريحا يا دكتور، وأعرف أن أريحا لم تخسر مياهها، وأرضها التي تحيط بها، إلاّ بعد ( سلام أوسلو)، وأن الاستيطان وعمليات النهب استشرت في الأغوار بعد (سلام أوسلو).

ما دمت تشكو أمر الاحتلال لشيرين التي تعرف كّل شيء، هي التي تنقل لنا بالصوت والصورة مباشرة - مع زميلتها جيفارا، وكل المراسلين الشجعان في وطننا، بقيادة( الكابتن) وليد العمري - ما يجري لأرضنا وأهلنا، فلماذا تواصل التفاوض، ولماذا لا تستقيل بعد الفشل في فتح مستشفى وشّق طريق؟

ترى: كم تحتاج القدس من مفاوضات ومفاوضات يا دكتور صائب لإنقاذها، وهل ستنقذها المفاوضات بعد أنضيّعها سلام أوسلو؟! وهل سيبقى منها، ومن مدن الضفّة، وقراها ومياهها شيء للدولة الموعودة، وأنتم تفاوضون؟! أنتم فقط ستضيّعون كّل فلسطين، بعد أن ( سخرتم) كثيرا من شعار: تحرير كّل فلسطين!

التعليقات