18/11/2009 - 06:58

كلام صريح في قرار الرئيس../ يونس العموري*

كلام صريح في قرار الرئيس../ يونس العموري*
قد يكون اعلان الرئيس ابو مازن والقاضي بعدم رغبته بالترشح لولاية ثانية لإنتخابات الرئاسة الفلسطينية قد ألقى بالكرة بالملعب الأمريكي الإسرائيلي، إلا أنه بذات الوقت قد كشف عن المأزق الخطير الذي تعيشه مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية على مختلف توجهاتها واطيافها الفكرية والأيدلوجية.

هذا المأزق الذي أصبح أزمة في ظل الموقف الأمريكي من ما يسمى بالعملية السياسية الشرق أوسطية، وهنا تجد القيادة الفلسطينية ذاتها امام أزمة الفعل والتعاطي والمطروح سياسيا من قبل الحكومة الإسرائيلية حيث الإستمرار في تجاهل متطلبات وإستحقاقات العملية السياسية التسووية بعد أن أسقطت القيادة الفلسطينية كافة الخيارات الأخرى والمتاحة الممكنة في ظل غياب الإرادة الدولية وحتى الإقليمية لإجبار الدولة العبرية على الرضوخ لمتطلبات العدالة الدولية ولقرارات الشرعية الأممية.

والمنطق هنا يفرض نفسه ومن خلال معادلة بسيطة وبسيطة جدا، تلك المعادلة التي تقول إنه وفي حالة ان أبو مازن، وهو الذي يمثل رمز الفعل التسووي ما بين طرفي معادلة الصراع، قد بات على قناعة بفشل وإفشال فعل السلام، وإن هذا السلام في ظل القناعات الإسرائيلية وممارسات كافة دوائر تل أبيب لإفشال ما يسمى بالسلام المتناقض أصلا والتوجهات الإسرائيلية والتي لن تقبل بصناعة السلام على اسس العدالة والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.

اعتقد أن عزوف الرئيس محمود عباس عن الترشيح لرئاسة السلطة، يشكل فرصة تتيح للقيادات الفلسطينية إعادة النظر بشكل جذري في مكامن ضعفها وإخفاقاتها خلال الفترة الماضية، هذه الإخفاقات التي أدت الى الواقع الفلسطيني الراهن، حيث الإنقسام وتداعياته وضياع الفعل المؤثر على الأرض وفرض الحقائق على أساس سياسة الأمر الواقع، مما يعني أن ثمة خللا في منظومة الفعل القيادي وترتيب الأولويات ووضع الإستراتيجيات وفقا لطبائع ومعطيات المرحلة وتحديد البدائل المتناسبة وكل المراحل وفقا لقوانينها.

من الواضح أن موقف الرئيس الفلسطيني يفتح المجال، ويجب أن يفتح المجال، لإجراء مراجعة شاملة ونقدية يجب أن تنفذ إلى جذور الأسباب التي آلت إلى الحالة الراهنة للشعب الفلسطيني ولتمييع حقوقه الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف والتي رسختها القرارات والشرعية الدولية، والتي ساهمت اتفاقيات أوسلو، وما استتبعها من تداعيات جمة ومساومات مقيدة ووعود كاذبة ومراهنات تحوّلت إلى ارتهانات بذريعة انتهاج سياسات «واقعية».

وكل هذه العوامل دلّت على جهل ـ أو تجاهل ـ لما ينطوي عليه المشروع الإسرائيلي. وفي كلتي الحالتين فإن القيادة الفلسطينية مطالبة بمراجعة تؤول إلى تراجعها عمّا ارتضته من مكبّلات أدت إلى إفقادها بوصلة المقاومة من جهة، ولكونها مرجعية موثوقة للنضال من أجل التحرير. وفي هذا السياق اعتقد ان القيادة الفلسطينية مدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى لإسقاط الرهان وبشكل نهائي عن المفاوضات العبثية، وإلى تحقيق المصالحة الفلسطينية وإعادة تنظيم الحركة الوطنية الفلسطينية.

ولابد هنا من التوقف جديًا أمام المسؤولية والإعتراف علنًا ورسميًا بفشل النهج الراهن والبدء بإعادة ترتيب الحركة الوطنية الفلسطينية وإعادة طرح القضية الوطنية باعتبارها قضية تحرر وطني من استعمار كولونيالي لم تحلّ، ولا بدّ من توفير المقومات السياسية، المادية، الشعبية، والدبلوماسية للنضال ضد المشروع الكولونيالي الإسرائيلي ومن أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق حق العودة.

وفي هذا السياق، وكشرط لتحقيق هذا الهدف، لا بدّ من تحقيق المصالحة الوطنية، وأن يكون المدخل إلى هذه المصالحة، ليس الإنتخابات، بل تحقيق الوحدة الوطنية على أساس الوثائق الوطنية التي اتخذت في جلسات الحوار العديدة بين مختلف مركبات وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وهذا الطريق الأنجع في العمل المشترك لفك الحصار.

من هذا المنظور نستطيع أن نقول إن قرار عزوف الرئيس عباس عن الترشح يشكل إدانة واضحة وصريحة لمجمل السلوك الفلسطيني الرسمي، الأمر الذي يحتم على القيادات الفلسطينية فرصة للنفاذ ودراسة الأسباب الحقيقية التي آلت بدورها إلى الاستنتاجات التي دفعت الرئيس عباس إلى أخذه قرار عدم الترشح لمنصب رئاسة السلطة، بصرف النظر عن ماهية النتائج التي قد تكون متوقعة خلال الأيام القادمة، والتي نرى أن ثمة ضغوطا شعبية وجماهيرية تمارس على ابو مازن للعدول عن قراره، إلا أن المسألة الآن قد كشفت عن عمق الأزمة التي بات يعاني منها التشكيل القيادي الفلسطيني برمته، حيث المواقف الصادرة عن مجمل تشكيلات هذه القيادات لم ترتق لدرجة الفعل الصحيح لمواجهة المرحلة وتداعياتها.

التعليقات