12/10/2010 - 08:50

ماذا بعد شهر على قمة سرت؟../ هاني المصري

-

ماذا بعد شهر على قمة سرت؟../ هاني المصري
إن الفرصة الجديدة التي منحها قادة العرب في قمة سرت للإدارة الأميركية دليل جديد على العجز العربي، وأن العرب لا يملكون إرادتهم بأنفسهم، وأنهم يتمسكون بخيار المفاوضات كخيار وحيد إلى الأبد، رغم وصوله إلى حائط مسدود جراء التعنت الإسرائيلي.
 
فالقمة العربية تعرف جيداً، أن لا شهر ولا سنة ولا سنوات يمكن أن تغير حقيقة إسرائيل كدولة استعمارية - إجلائية استيطانية عنصرية، وأنها معادية للسلام، وتريد أن تفرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب. ولكن خلال شهر أو أكثر يمكن أن تنجح الإدارة الأميركية بإقناع حكومة نتنياهو بقبول التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان لمدة شهرين، مقابل إنجازات إستراتيجية كبرى تمنحها الإدارة الأميركية لإسرائيل؛ ما يجعل استئناف المفاوضات بدون تجميد الاستيطان أقل كلفة من الثمن الباهظ الذي سيترتب على تجميد الاستيطان لمدة ستين يوماً.
إذا كان قادة المستوطنين ينصحون نتنياهو بقبول العرض الأميركي، ونتنياهو سيقبل على الأرجح العرض بالنهاية، لأنه يستهدف من خلال المماطلة والتسويف والرفض؛ تحسين شروط العرض الأميركي، وضمان أن لا يخرج من "دلف تجميد الاستيطان الآن ليدخل تحت مزراب رسم الحدود خلال شهرين". في النهاية سيقبل نتنياهو العرض الأميركي بعد أن يطمئن إلى قدرته على إدخال مفاوضات الحدود في دهاليز التفاصيل والمماطلة، وضرورة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي عبر قائمة من الترتيبات الأمنية التي تقضي على أية إمكانية حقيقية لبناء دولة فلسطينية.
 
إن الأمن الإسرائيلي وفقا لما تطالب به الحكومات الإسرائيلية، يتطلب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للقدس (حتى الشرقية) أو لمعظمها على الأقل، وللأغوار والحدود مع الأردن خصوصا مع بروز خطر الصواريخ والجبهة الشرقية بعد صعود إيران وتهديدها لإسرائيل وإمكانية توسعها بالمنطقة، ويتطلب ذلك أيضا ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة والتي تقطع أوصال الضفة الغربية وتجعلها شظايا متناثرة، لأنها بحاجة إلى طرق وحماية وأمن ومساحة حيوية للتوسع والتكاثر الطبيعي، كما أن إسرائيل بحاجة إلى أن تكون الدولة الفلسطينية العتيدة منزوعة السلاح وممنوعة من عقد تحالفات تعتبرها إسرائيل معادية لها، ويجب أن تحتفظ إسرائيل بقواعد ونقاط عسكرية وأمنية للمراقبة والرصد داخل حدود الدولة، كما تريد إسرائيل أن تحتفظ بحقها بالمطاردة الساخنة داخل حدود الدولة بعد قيامها، لأنها لا تسمح ببروز أي احتمال لنشوء تهديد لإسرائيل من داخل الدولة الفلسطينية العتيدة.
 
تأسيساً على ما سبق، فإن المفاوضات حول الحدود لن تصل إلى اتفاق لا في شهرين ولا سنة أو سنتين، إلا إذا وجد المفاوض الفلسطيني الذي يقبل هذا الحل الإسرائيلي الذي يصفي القضية من مختلف جوانبها، وهذا مستبعد جداً.
 
إن الحل الإسرائيلي زاحف ولا ينتظر نتيجة المفاوضات بل جارٍ تطبيقه على قدم وساق منذ سنوات عديدة، في ظل المفاوضات وبدونها، بتوقيع اتفاق أو بدون توقيع، وذلك من خلال رفض عودة اللاجئين والإصرار على يهودية إسرائيل وإقرار قانون الولاء وغيره من القوانين التي تجعل التسوية التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية ابعد وابعد، ومن خلال استمرار تكثيف وتوسيع الاستيطان، واستكمال تهويد القدس وأسرلتها، واستكمال بناء جدار الضم والتوسع، وفك الارتباط والحصار عن قطاع غزة، والسلام الاقتصادي، وفرض استمرار التنسيق الأمني وتطبيق الالتزامات الفلسطينية في اتفاق أوسلو وملحقاته من جانب واحد.
 
إن خطورة المشاركة بالمفاوضات بدون ضمانات ومرجعيات، وفي سياق ما تقوم به إسرائيل على الأرض أنها تعطي شرعيةً للحل الإسرائيلي الزاحف على الأرض وتمكنه من التقدم بسرعة أكبر و تكاليف أقل.
في حال عدم قدرة سلطات الاحتلال على فرض التوقيع على اتفاق إطار انتقالي طويل الأمد متعدد المراحل يستمر تطبيقه لعشرات السنين، كما قال ليبرمان علناً ونتنياهو سراً؛ ستلجأ إسرائيل إلى الخطوات أحادية الجانب، مثل: توسيع نطاق وصلاحيات السلطة، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل زيارة شارون الاستفزازية إلى المسجد الأقصى، ثم تنفيذ إعادة انتشار القوات الإسرائيلية المحتلة من بعض البؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية المعزولة، بتنسيق مع السلطة أو بدون تنسيق، بحيث يكون هناك أمر واقع يمكن أن يجعل أي إعلان عن قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 عملياً إعلاناً عن قيام الدولة على الأراضي التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية.
 
إن أكذوبة إمكانية الاتفاق على الحدود أولاً، رغم أنها تفصل القضايا عن بعضها، مستحيلة التحقيق، وإذا تحققت فسيكون من خلال الاتفاق على عبارات عامة يفسرها كل طرف كما يريد، وبما يسمح لإسرائيل الاستمرار بالاستيطان في داخل الحدود المتفق ضمها لإسرائيل، حينها تبقى حدود الدولة الفلسطينية النهائية تحت رحمة الاتفاق المؤجل على القضايا الأخرى؛ ما يعني عملياً تصفيتها.
 
إن الخروج من المأزق، لا يكون بطرح بدائل مجتزَأة أو بدائل غير قادرين على تنفيذها، وإنما بطرح بديل إستراتيجي متكامل، يعرف أن الحل ليس على الأبواب، وأن المطلوب صمود ومقاومة شعبية شاملة، ويتطلب أيضاً وحدة وطنية، واستعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية، وتنشيط حركة التضامن الدولي، وملاحقة إسرائيل على جرائمها قانونياً، واللجوء إلى المؤسسات الدولية من أجل تفعيل دورها كخط إستراتيجي طويل الأمد، وليس مجرد ردة فعل مؤقتة تكتيكية!!!

التعليقات