31/10/2010 - 11:02

أفدح من الحرب "اليوم التالي" لوقفها../ د.عصام نعمان*

أفدح من الحرب
هل تشنّ أمريكا الحرب على إيران؟ وهل تشنّ “إسرائيل” الحرب على سوريا؟

سؤالان مطروحان في مواقع صنع القرار وأروقة السياسة ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام. والأجوبة المتاحة كثيرة، متعددة ومتفاوتة في التقدير أو التخمين.

بعضها يميل، بصورة عامة، إلى الظن بأن جورج بوش، ومن ورائه نائبه ديك تشيني وبقايا المحافظين الجدد، يميل إلى شنّ الحرب على إيران لأسباب عدّة أبرزها تكامل الجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية مركزية وخطرها الماثل على مصالح أمريكا النفطية وعلى امن “إسرائيل”، ناهيك عن خطرها الصاعق بعد اكتمال صناعتها النووية الحربية.

البعض الآخر يميل، بصورة قاطعة، إلى استبعاد الحرب بسبب “اليوم التالي”. ما اليوم التالي؟ إنه مجموعة المخاطر والكوارث والتحديات التي تنشأ عن الحرب عقب وقفها. فالحرب النظامية قد تستغرق أياماً أو أسابيع أو أشهراً، لكنها سرعان ما تستولد، فور وقفها، ردود فعل متعددة ومتشعبة ومتصاعدة ترتقي بمعدلات متسارعة إلى مستويات عالية من الصراعات والعمليات القتالية والفدائية الواسعة والمؤثرة. وماذا تكون النتيجة؟ يتحول الطرف المنتصر في الحرب طرفاً مستنزفاً، نازفاً، ومهزوماً بجميع المعايير.

عقدة “اليوم التالي” تستحوذ على عقل بوش وفريقه، ولعلها العامل الأول في لجمه عن شنّ الحرب على إيران. فالحرب النظامية في التاريخ المعاصر أضحت وبالاً على من يتعهدها ويشنّها ويستمر فيها.

ليس من الغلو القول إن الحرب النظامية أصبحت مكروهة ومهجورة بسبب دخول الشعوب على خط الصراع. فالحروب النظامية كانت مجزية طالما أطرافها دول لها جيوش وقوات مضبوطة ومنضبطة تقاتل وفق قواعد ومعايير متفق عليها ومجربة في حروب سالفة. لكن مع دخول الشعوب حمأة الصراعات من خلال تنظيمات المقاومة الأهلية الميدانية والمدنية، تغيّرت الظروف والمعطيات والنتائج. فحروب الشعب أصبحت أطول وأوسع وأخطر من الحروب النظامية، وآثارها المادية والسياسية أفدح وأبعد مدى.

في جميع حروب الشعب، صغيرتها وكبيرتها، خسرت الولايات المتحدة. خسرت في كوبا وفيتنام وكمبوديا ولبنان والصومال، وها هي تخسر في العراق. فهل تجرّب حظها في إيران؟

ما ينطبق على أمريكا ينطبق على “إسرائيل”. كسبت “إسرائيل” جميع حروبها النظامية ضد العرب، لكنها خسرت في نهاية المطاف حربها ضد لبنان العام 1982 وخسرت حربها مع المقاومة اللبنانية التي امتدت من 1983 لغاية 2000. ثم خسرت حربها النظامية ضد المقاومة ولبنان العام 2006. وليس من الغلو القول إن “إسرائيل” عجزت عن دحر المقاومة الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الأولى العام 2000 ولغاية الوقت الحاضر.

هل تعود أمريكا إلى اعتماد الحرب النظامية مع إيران، وتعود “إسرائيل” إلى اعتمادها مع سوريا؟

يبدو ان أمريكا، كما “إسرائيل”، استفادت من دروس حروبها النظامية الفاشلة وأجرت تعديلات جذرية في وسائل الحرب والغايات القصوى المرتجاة منها. ففي حرب تخليص الكويت من نظام صدام حسين العام1991 شنّت أمريكا حرباً جوية وصاروخية صاعقة على العراق دامت نحو أربعين يوما، استهدفت خلالها بنية البلد التحتية كلها من مصانع ومعامل وجسور وطرقات ومبانٍ وجامعات ومؤسسات تقانية وحتى مستشفيات ومراكز إسعاف. النتيجة؟ دمرت العراق إنسانا وعمرانا وأعادته عشرين سنة إلى الوراء.

الأسلوب نفسه اعتمدته أمريكا مع العراق في حرب العام 2003 فقضت على ما تبقّى من بنيته التحتية وما كان قد أعاد ترميمها أو إنشاءها. وقلّدتها “إسرائيل” في حربها على لبنان العام الماضي، فدمرت أجزاء مهمة من بنيته التحتية من شماله إلى جنوبه، بل دمرت بلدات وقرى عن بكرة أبيها.

هكذا تبدّل أسلوب الحرب الأمريكية وغايتها. لم يعد كسر إرادة العدو لحمله على الاستسلام هو الغاية، كما في الحروب الكلاسيكية لغاية النصف الأول من القرن العشرين، بل بات تدمير العدو، إنساناً وعمراناً، وإعادته إلى الوراء بضع سنوات هو الغاية المطلوبة حتى لو بقيت إرادته، نظرياً، غير منكسرة.

هل في وسع أمريكا تدمير إيران، إنساناً وعمراناً؟ وهل في وسع “إسرائيل” تحقيق الغاية ذاتها في سوريا؟

إن الجواب عن هذين السؤالين يتوقف على حسابات سياسية واستراتيجية يقتضي أخذها في الاعتبار.

على الصعيد السياسي، تعاني الولايات المتحدة من كراهية متصاعدة لحكومتها ومصالحها في جميع أنحاء العالم، ولاسيما في عالم الإسلام حيث باتت متورطة في صراعات وحروب متفاوتة الشدّة وباهظة التكلفة. فهل تخاطر بحرب جديدة ضد إيران لتزداد الكراهية السياسية لها والتكلفة الاقتصادية عليها؟

على الصعيد الاستراتيجي، تتفوق الولايات المتحدة على إيران عسكرياً وتكنولوجياً. فقد حشدت أساطيلها البحرية بين البحر الأحمر وبحر العرب، وفي عدادها أربع حاملات طائرات، من بينها “نيميتز” ذات القدرات النووية، ناهيك بما تحتويه قواعدها العسكرية في المنطقة من طائرات قاذفة وصواريخ مدمّرة.

فوق ذلك، بنت أمريكا وأوروبا واليابان احتياطاً استراتيجياً من النفط يكفيها لمدة 18 شهراً. فهل هذا كله يكفي لتدمير إيران على غرار ما فعلته بالعراق، أي لإعادتها عشرة أعوام أو عشرين عاماً الى الوراء؟

يقتضي الإقرار، أولاً، بأن إيران غير العراق من حيث المساحة الجغرافية والتعداد البشري والقدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والموقع الاستراتيجي والتأثير المعنوي والسياسي. ثم إن إيران متقدمة جداً على صعيد الأسلحة الصاروخية، الدفاعية والهجومية، وقادرة تاليا على إلحاق الأذى والضرر بقوات أمريكا ومصالحها. وإذا كان في مقدور أمريكا تدمير قاعدة إيران الصناعية، بعضها او كلها، وجزء من منشآتها النووية المنظورة (مفاعل بوشهر) فإن في وسع إيران إلحاق الأذى بقواعد أمريكا العسكرية في المنطقة وبقطع أساطيلها البحرية، وبمصالحها النفطية؛ بالإضافة إلى قطع إمدادات النفط وزيادة أسعاره بمعدلات عالية جداً وبالتالي إعاقة الاقتصاد العالمي.

غير ان الأهم والأخطر من ذلك كله هو السؤال المفتاح: من يضمن ان تتمكن أمريكا من إخضاع إيران وإنهاء الأزمة في 18 شهراً؟ أليس درس العراق كافياً للاستنتاج بأن حرباً أمريكية على إيران قد تجرّ المنطقة كلها إلى أتون صراعات مدمرة قد تطول عشراً أو عشرين سنة؟ وهل تتكافأ النتيجة مع التكلفة الباهظة؟

ما ينطبق على أمريكا في حرب محتملة ضد إيران ينطبق الى حدّ بعيد على “إسرائيل” في حرب محتملة قد تشنها على سوريا من اجل استعادة هيبتها الردعية، كما أعلن وزير حربها الجديد ايهود باراك، ولمحاولة إنهاء المقاومة اللبنانية كما يحلم قادة العدو. فالتكلفة ستكون باهظة ولن تتكافأ مع الغاية المرتجاة، ذلك ان سوريا تمتلك ألوف الصواريخ القادرة على إصابة “إسرائيل” من أقصاها إلى أقصاها وإلحاق الأذى بإنسانها وعمرانها.

هل على نفسها ستجني براقش الأمريكية والصهيونية؟

"الخليج"

التعليقات