31/10/2010 - 11:02

أكذوبة البداية.. أكذوبة النهاية../ معن بشور

أكذوبة البداية.. أكذوبة النهاية../ معن بشور
تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ان تنهي ولايتها بما ابتدأت به من ادعاءات وأكاذيب ذات أغراض سياسية مكشوفة تنطوي جميعها في اطار غاية واحدة هي اخضاع دول العالم عموماً، ودول المنطقة خصوصاً، لهيمنتها الكاملة على مختلف المستويات.

فبعد أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي بررت بها واشنطن حربها الاحتلالية على العراق، وتدميرها الشامل لدولته، وسلبها الكامل لموارده، وتحطيمها المتواصل لمقدراته، يطلع علينا البيت الأبيض مباشرة، وعبر مستشاره للأمن القومي هادلي، ورئيس مخابراته المركزية هايدن، بمعلومات عن تعاون نووي سوري كوري شمالي هدفها الضغط على الدولتين الخارجتين عن نظام الهيمنة الأمريكية.

ولكن الفارق بين ظروف الأكذوبتين كبير، فتلك انطلقت فيما الرئيس بوش في بداية عهده، وفيما زخم أحداث 11 سبتمبر/أيلول المأساوية في أوجه، وفيما النظام الدولي في ذروة اختلاله لمصلحة القطبية الأحادية، وفيما الاقتصاد الأمريكي بلغ نمواً قياسياً في ناتجه القومي وفائض ميزانيته، وفيما القوات الأمريكية في افضل استعداداتها، عدداً وعدة وعتاداً، وفيما الظروف الاقليمية في قمة نضوجها لاستقبال حروب كتلك التي شنتها واشنطن ضد العراق وافغانستان.

أما اليوم، فالرئيس بوش يحقق تراجعاً قياسياً في شعبيته الأمريكية، وحربه على الإرهاب تتحول إلى عكس نتائجها في كل أنحاء العالم، والنظام الدولي بدأ في استعادة توازنه على نحو غير مسبوق، والاقتصاد الأمريكي مهدد بكساد لم تشهده الدولة الأغنى في العالم من قبل، والقوات الأمريكية تعاني من جراح جسيمة في بناها، وخسائر متصاعدة في عديدها وعدتها، وأزمات بنيوية في تكوينها، وتململات في صفوفها، فيما الظروف الاقليمية تواجه تحولات نوعية تتمثل بالصمود الاسطوري في فلسطين، وبالفشل "الإسرائيلي" غير المسبوق في لبنان، وتفكك العزيمة الأطلسية في أفغانستان، بانقلاب السحر الصومالي على الساحر الاثيوبي في القرن الإفريقي، وباتجاهات واضحة وحاسمة باتت تحكم الشارع العربي، بما يوحي بتأكيد على أن أي مغامرة عسكرية أمريكية أو "إسرائيلية" لن تكون غير محسوبة النتائج فحسب، بل انها ستكون بمثابة الشرارة التي ستحرق الهشيم الصهيوني والاستعماري في المنطقة الغاضبة المحتقنة.

ومن هنا، فما شهده الكونجرس قبل أيام من شهادات على وجود مفاعل نووي في سوريا بمساعدة كورية يؤكد ان بوش الابن ماض في لعبة الاثارة التي يحبها حتى النهاية، حتى لو كان الأمر برمته كذبة جديدة، فالكذبة الجديدة تنسي الناس الكذبة القديمة، والكذبة الأكثر حدة تجعل من الكذبة الجديدة كذبة قديمة.

واللافت في المسرحية "البوشية" الجديدة أنها جرت هذه المرة من دون حد أدنى من التنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يبدو أن مديرها الدكتور محمد البرادعي قد ضاق ذرعاً من استخدام وكالته واجهة ل"نزوات" الإدارة الأمريكية، بل من دون توافق حتى مع تل أبيب ذاتها التي لم تعد ترغب في ربط مصير كيانها المأزوم والمهدد في وجوده بسياسات فاشلة لادارة أمريكية راحلة.

فما الهدف إذن من شهادات هايدن وهادلي أمام الكونجرس؟

إن الهدف الرئيسي يكمن في تحقيق أمرين في آن: أولهما موجه إلى منطقتنا يسعى من خلاله إلى رفع معنويات "الحلفاء" وشد أزر المراهنين، وإذكاء أجواء التوتر وادامتها، أي تماماً كحال التهديدات المتلاحقة، والاستعراضات البحرية الحربية، ووضع لوائح بأسماء "المغضوب عليهم" من "رب" البيت الأبيض.

أما الهدف الثاني فهو تكبيل الرئيس الأمريكي المنتخب، أياً كان، جمهورياً أو ديمقراطياً، بملف يقيّد حركته واتصالاته لا سيما مع دمشق التي يتردد أن أطقم السياسة الخارجية للمرشحين الثلاثة للرئاسة الأمريكية (أوباما، كلينتون، ماكين) قد أجروا محادثات مع قيادتها في الأسابيع الماضية.

ففي ظل فتح ملف بخطورة "الملف النووي" المزعوم لسوريا، يصبح على الادارة الجديدة ان تبذل جهداً لاغلاقه أو لكشف لا صدقيته، أو أن تصبح موضع اتهام إذا تجاهلت الأمر برمته. وهكذا تكون إدارة بوش والمخططون لها من بقايا المحافظين الجدد، قد انتقموا منذ اللحظة الأولى من المرشحين الذين يتراوحون بين إدانة صريحة لسلوك إدارة بوش كما هو حال أوباما وكلينتون، وبين "إدانة ضمنية" هادئة كما هو حال جون ماكين.

وأيّاً تكن الأسباب المتصلة بتوقيت "الشهادتين" في الكونجرس، ومدى ارتباطهما بالحديث الأمريكي عن "صيف حار" في المنطقة، فإن النتيجة المباشرة لهما هي تذكير العرب والمسلمين وأحرار العالم بازدواجية المعايير الأمريكية ازاء الملف النووي حيث كل الدعم والتشجيع لترسانة "إسرائيلية" قائمة بالفعل، وحيث التهديد والتهويل لدول "مشتبه" في سعيها للحصول على برامج نووية، كما ان النتيجة السريعة الأخرى هي ارتفاع منسوب الدعم العربي لسوريا خصوصاً، بعد الاشارات الواضحة التي أعطتها استطلاعات جامعات ومؤسسات بحث أمريكية في دول عربية تصف واشنطن حكامها بالأصدقاء.
"الخليج"

التعليقات