31/10/2010 - 11:02

أمريكا تستنسخ أساليب الاستعمار في الجزائر../ فيصل جلول

أمريكا تستنسخ أساليب الاستعمار في الجزائر../ فيصل جلول

عندما كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يقود حملة دولية ضد احتلال العراق كان وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد يشاهد مع القادة العسكريين في وزارته فيلماً سينمائياً فرنسياً بعنوان “معركة الجزائر” يروي تفاصيل سيطرة الجيش الفرنسي على العاصمة الجزائرية وتفكيك قواعد المقاومة بوسائل بربرية ومن بينها: التعذيب الجسدي والاغتيال الكيفي واعتقال الأقارب والانتقام منهم والاغتصاب والرشوة والضغط الأخلاقي على الزعماء المحليين من غير المنخرطين في المقاومة وإخفاء جثث الأسرى... إلخ.

وقد روى الجنرال بول أوساريس أحد أبرز القادة العسكريين الفرنسيين والمسؤول عن عمليات التعذيب في تلك الفترة تفاصيل ما جرى في كتابين (الأجهزة الخاصة) و(لم أقل كل شيء) يطفحان فظاعة وانحطاطاً أخلاقياً، مع الاشارة الى أن الرجل كان في تاريخ سابق قد نقل خلاصة تجاربه الدموية الى المخابرات الأمريكية خلال حرب فيتنام.

لم تدم ممانعة جاك شيراك لحرب العراق أكثر من سحابة صيف، وهي لم تحل في أي وقت دون تبادل الخبرات في قضايا الاحتلال ومكافحة المقاومة خصوصاً أن لفرنسا تاريخاً طويلاً في مجال الاستعمار وتجارب متنوعة في إخضاع الشعوب المستعمرة والسيطرة عليها.

هكذا، وعلى الرغم من انتقال شيراك ورامسفيلد الى دوائر الظل في باريس وواشنطن فإن تبادل الخبرات لم يتوقف بين البلدين وآخرها ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية في نشرتها غير العربية في 27 تموز/ بوليو الجاري عن مساع أمريكية لتطبيق الدروس الفرنسية في الجزائر على مدينة بعقوبة الواقعة في شمال شرق العراق.

فقد أكد الرائد الأمريكي كيفن رايان المكلف بالقضاء على المقاومة العراقية في بعقوبة أنه يطبق تعاليم الكاتب الفرنسي روجيه ترانكييه الواردة في كتابه “الحرب الحديثة”، والكاتب مقاتل سابق في حرب الجزائر. ويؤكد رايان أن الجيش الأمريكي قسم المدينة الى عدد من المستطيلات وزرع في كل مستطيل مجموعة من البؤر المشكلة من “مجالس الصحوة” ومؤيدي الاحتلال، وأنه يسيّر دوريات مكثفة ومنتظمة من منزل الى آخر تعد كل منها إضبارات معلوماتية عن السكان وأعمارهم وأعمالهم وآرائهم السياسية، وفي الوقت نفسه تسألهم عن حاجتهم للماء والكهرباء والعمل والخدمات الأخرى.

ويعتقد رايان أن الاستراتيجية الواردة في الكتاب اعتمدها الفرنسيون في معركة الجزائر، وحققت نتائج "باهرة" في بلد المليون شهيد، وهي تحقق نتائج مهمة في بعقوبة حيث تراجعت المقاومة، على ما يزعم، وأصبحت علاقة السكان بالمحتل وثيقة الى حد أن الجيش الأمريكي يتهيأ لإعادة إعمار مئات المنازل المهدمة بفعل الحرب.

ويخلص الضابط الأمريكي الى القول نقلاً عن ترانكييه إن شرط النجاح في حرب العراق يقوم على انتزاع تأييد السكان والطعن بصدقية المقاومة عبر تلبية حاجاتهم، ولا ينسى أن يلفت نظر محدثه الى أن الجيش الأمريكي يطبق الاستراتيجية الفرنسية من دون أن يمارس التعذيب الذي مارسه الفرنسيون في الجزائر، ولعله يأمل عبر هذه الإشارة بأن يصدقه الرأي العام، رغم فضيحة أبو غريب وفضائح غوانتانامو، متناسياً أن تقنيات التعذيب والترهيب كانت شرطاً حاسماً في نجاح الاستراتيجية المذكورة في الجزائر وبالتالي فإنها شرط حاسم لنجاحها في بعقوبة أيضاً.

وإذ تغيب المؤشرات إلى اعتماد المقاومة العراقية حصيلة تجارب المقاومة الجزائرية فإن ذلك مرده (ربما) لتشتت الأولى، وتعدد مصادر القرار في كنفها، وإصرار الطرف الأبرز فيها على قتال المحتل تحت راية العودة للنظام السابق، وفي إطار قواعد أيديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لا حاجة لفتحها، ناهيك عن تلك النزعة المستهجنة التي برزت مع الاحتلال والتي تقول بوجوب امتناع العرب عن التدخل في شؤون العراقيين.

ثمة من يفسر هذه النزعة بحساسية العراقيين ووطنيتهم الحادة إزاء نطق ابن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي باسمهم، وبوجوب رسم حدود وطنية للمقاومة العراقية، لكن ذلك على الرغم من أهميته كان يصب الماء في طاحونة العراقيين المتعاونين مع المحتل، والذين كانوا ومازالوا يطلقون العنان لحناجرهم ضد المتدخلين العرب من مناهضي الاحتلال في الشأن العراقي، مفترضين أنه شأن خاص بهم، وأن عراقيتهم تجيز لهم مباركة الاحتلال والانخراط في مشروعه الى أبد الدهر.

في بعقوبة يجرب الاحتلال حظه مع القبائل العراقية بوسائل استعمارية فرنسية نجحت في السيطرة على الجزائر العاصمة لمدة سنتين، لكنها أخفقت في إنقاذ المحتل الفرنسي من الهلاك، ما يعني أن مصير المحتل الأمريكي في بعقوبة لن يكون أفضل من مصير المحتل الفرنسي في الجزائر، وهذا درس آخر يهمله المحتل لغرض مفهوم، في حين يهمله المقاوم العراقي لغرض غير مفهوم.. حتى الآن على الأقل.
"الخليج"

التعليقات