31/10/2010 - 11:02

أهلاً بقداسة البابا، ولكن!../ زهير أندراوس

أهلاً بقداسة البابا، ولكن!../ زهير أندراوس
يقوم قداسة الحبر الأعظم، البابا بينيدكتوس السادس عشر بزيارة إلى الأراضي المقدسة، تشمل أيضاً الدولة العبرية وزيارة إلى مركز (ياد فاشيم) لضحايا المحرقة النازية، كما سيجتمع قداسته إلى كل من رئيس الوزراء الجديد، بنيامين نتنياهو، ورئيس الدولة العبرية، الثعلب الأبدي شيمعون بيريس.

ومن المفارقات العجيبة والغربية أنّ الزيارة تصادف ذكرى إحياء الشعب العربي الفلسطيني ذكرى النكبة التي حلّت به في العام 1948. علاوة على ذلك، فإنّ زيارة أعلى ممثل للكنسية الكاثوليكية في العالم، تستثني قطاع غزة، الذي تعرض لعدوان بربري وإجرامي من قبل آلة الحرب الإسرائيلية، والذي أدّى إلى استشهاد وجرح آلاف المدنيين الفلسطينيين العزل، أكثريتهم الساحقة من الأطفال، والمفارقة أيضاً أنّ قداسة البابا يقوم بهذه الزيارة في الوقت الذي يُعلن فيه القاضي الإسباني عن أنّه سيواصل النظر في الدعوى المقدمة ضد عدد من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لا نعرف ما هي الأسباب التي منعت قداسة البابا من زيارة قطاع غزة، المحاصر من قبل إسرائيل، منذ سنتين ونيّف، لا نعلم لماذا فضّل قداسته زيارة مخيم اللاجئين عايدة في الضفة الغربية المحتلة ولم يُكلّف نفسه عناء زيارة مخيمات اللاجئين الجديدة التي أقامها الفلسطينيون بعد الحرب الأخيرة التي شنتها الدولة العبرية.

قد يقول قائل إنّ قداسته لا يتدخل في السياسة، ولكن كيف يمكن أن نُفسّر لأنفسنا وللعالم برمته أنّ الحبر الأعظم سيجتمع إلى جزار قانا، شيمعون بيريس. وحسب المصادر الأجنبية، فإنّ بيريس نفسه هو الذي أقام الفرن الذري في ديمونا. وسيجتمع أيضاً إلى بنيامين نتنياهو، الذي يقول إنّ العرب في إسرائيل، وبضمنهم المسيحيون العرب، هم قنبلة ديمغرافية موقوتة، وهي المقولة التي تتماشى وتتماهى مع مطلبه من الفلسطينيين الاعتراف بالدولة العبرية كدولة لليهود فقط.

كنّا نتمنى على مساعدي ومستشاري قداسته أن يلفتوا انتباهه إلى أنّ الدولة العبرية ستستغل هذه الزيارة "الدينية" لدعم الدعاية الإسرائيلية الكاذبة في العالم. وفي هذا السياق نقتبس ما قالته مصادر إسرائيلية عالية المستوى بأنّ وزارة السياحة الإسرائيلية تعتزم استخدام زيارة البابا لدفع الدعاية الإسرائيلية، وسيشدد وزير السياحة، ميسيزنكوف، وهو من حزب المأفون الفاشي، أفيغدور ليبرمان، أمام الوزراء أنّه خلال الزيارة سيتم بث انطباع يدمج ما بين الحجيج المسيحي للديار المقدسة والسلام كعامل يعزز إسرائيل كبلاد مقدسة.

قداسة البابا، حسب البرنامج الذي وُضع للزيارة، سيقوم بزيارة إلى الضفة الغربية المحتلة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسيجتمع إلى رئيس سلطة رام الله المنقوصة، محمود عبّاس. في الحقيقة لم نفاجأ من أنّ رئيس السلطة المنقوصة لم يطالب الفاتيكان بأن يقوم قداسته بزيارة قطاع غزة للاطلاع على ما فعلته إسرائيل هناك قبل عدّة أشهر.

عبّاس لم يطرح هذا الموضوع من وجهة نظرنا المتواضعة، لأنّه لا يريد أن يصل قداسة البابا إلى غزة، "المسلوبة" من قبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولا يريد أن يجتمع الحبر الأعظم إلى "الانقلابيين" في غزة المحاصرة، وبهذا العمل يُكرس محمود عبّاس الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة، بين فتح وبين حماس، بين تيار المقاومة وبين تيار المفاوضات العبثية والانبطاحية مع الدولة العبرية.

إنّ عبّاس من حيث يدري، يتجاهل الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا من قبل أصدقائه ايهود أولمرت وايهود باراك وتسيبي ليفني، فما ذنب الأطفال يا فخامة الرئيس؟ يتهمنا الإسرائيليون بأننّا نستغل الأطفال لتنفيذ الأعمال "الإرهابية"، وتأتي أنت وتتجاهلهم بعدم مطالبتك بأن يزور قداسة البابا قطاع غزة، بالفعل إنّه لأمر محير للغاية، ومثير للقلق والشكوك، إننّا "نحترم" إسرائيل، نعم "نحترم" إسرائيل، لأنّها تقوم بترتيب زيارة لكل مسؤول سياسي من جميع أصقاع العالم لمؤسسة (ياد فاشيم) لكي يروا بأم أعينهم ما فعله النازيون باليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وبالمقابل تصيبنا حالة من الغثيان عندما لا نعمل على ترتيب زيارة للحبر الأعظم إلى الشهداء الذين ما زال دمهم يغطي مساحات واسعة من القطاع.. لا نرتب زيارة للحبر الأعظم إلى إحدى المستشفيات في غزة ليرى عن كثب الأطفال الجرحى الذي أصيبوا بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً.. هؤلاء الأطفال في عمر الورود، ينتظرون بفارغ الصبر أن يقوم الأشقاء العرب، وفي مقدمتهم جمهورية مصر العربية، باستقبال هؤلاء المصابين لتلقي العلاج.

نحن نميل إلى الترجيح بأنّ إسرائيل مارست الضغوط الجمّة على قداسة البابا للامتناع عن زيارة غزة، ونحن نميل إلى الترجيح بأنّ عبّاس والزمرة المحيطة به، وافقوا على هذا الطرح لأسباب سياسية، متناسين عن سبق الإصرار والترصد أنّ محاولاتهم لتقسيم الشعب الفلسطيني سيكون مصيرها الفشل المحتوم، وسيُرسلها شعب الجبارين إلى مكانها الطبيعي حيث يليق بها.

وبطبيعة الحال، حاولت إسرائيل بواسطة جهاز الأمن العام (الشاباك) استغلال الزيارة لزرع الفتن والقلاقل بين أبناء الشعب الواحد في أراضي الـ48 عندما طالبت بعدم السماح للمسلمين بالمشاركة في القداس الاحتفالي الذي سيقيمه قداسته في جبل القفزة في الناصرة، بزعم أنّ المسلمين يشكلون خطراً أمنياً، هذه الوقاحة الإسرائيلية التي اجتازت جميع الحدود تندرج في إطار سياسة فرق تسد، التي تبنتها حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ إقامة الدولة العبرية في العام 1948 وفشلت فشلاً ذريعاً.

ومن العام إلى الخاص: قبيل زيارة البابا إلى الأرض المقدسة نشب خلاف عميق بين مدينتي حيفا والناصرة، حيث طالب مسيحيو حيفا العرب بأن يتم استقبال البابا في المدينة، فيما أصرت الناصرة على أن يكون الاستقبال في مدينة يسوع الناصري عليه السلام. في الحقيقة، المسألة لا تستحق أن نكتب عنها ولو كلمة واحدة، ولكن علينا من منطلق وطنيتنا أن نوجه السؤال إلى "القيادة" المسيحية في مناطق الـ48: أهذا ما يُشغل بالكم؟ لماذا لم تقوموا بتحضير وثيقة عن العنصرية الإسرائيلية ضد عرب الداخل؟ لماذا لم تتفقوا على قول الحقيقة لقداسته: إنّ الدولة العبرية لا تريد أن يبقى فيها لا مسلم ولا مسيحي، وأنّها تقترب بخطى حثيثة إلى نظام العزل العنصري، الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا؟

لا، لن نسمح لكائن من كان أن يعمل على توتير الأجواء بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني، إن كان عربياً أو أعجمياً، سنصد كل المتواطئين مع سياسات حكومة إسرائيل العنصرية، وسنصد المخططات الرهيبة التي تحاك في عدد من العواصم العربية للقضاء على ما تبقى من فلسطين. لا، يا سادتي، لن نسمح لكم بصلبنا، ولقداسة البابا نقول: أهلاً بك في الأرض المقدسة، ولكن عليك أن تعلم أنّ الأرض المقدسة، أرض السلام والمحبة، باتت أرض القتل الذي تمارسه الدولة العبرية، هذه الدولة التي تقومون أنتم الأوروبيون بدعمها وبتبرير جرائمها.

التعليقات