31/10/2010 - 11:02

أوباما على مشارف سنة "بائسة"../ جميل مطر

أوباما على مشارف سنة
شامت أميركي كبير كتــب يقول إن أوبــاما قبل عام مضى كان ملكاً متوجاً للعــالم بأسره. كان زعــيماً لتيارات تدعو لنهضة جديدة لليبرالية في الولايات المتحدة، وكان السياسي الأكثر شعبية وصاحب أقوى شخصية كاريزمية في العالم. يسأل الشامت الكبير سؤالا يردده آخرون غير شامتين بالــضرورة ولكنهم مذهــولون، يسألون جميعا كيف يمكن زعيماً وصل إلى هذه المكانة أن يسمح بتدني شعبيته من مشارف نسبة الثمانينات إلى46٪. أما الشامت الكبير فهو الكاتب المحافظ المتشدد شارل كروتهامر.

هي حقاً بلاد العجائب، هكذا يصف أميركا الكاتب اليساري المعروف ويليام ريفرز بيت. يقول بيت إن أحداثاً كبيرة حدثت في أميركا خلال الأعوام الاثني عشر الماضية ما كان يمكن أن تحدث مثيلاتها في أي دولة أخرى في مثل هذه المدة القصيرة نسبياً.

حدث في أميركا أن رئيسا له شعبية فائقة حوكم وأدين بسبب أنشطته الجنسية، ورئيسا آخر وصل إلى البيت الأبيض بعدد من أصوات الناخبين يقل كثيراً عن عدد الأصوات التي حصل عليها منافسه في ما اشتهر بفضيحة انتخابات ولاية فلوريدا. كان الخاسر آل غور، أما بوش الذي فاز بالخديعة والكذب فقد كافأه الشعب الأميركي بولاية ثانية ليقضي في البيت الأبيض ثماني سنوات رئيساً يحوطه الشك في أخلاقه وقدراته الذهنية.

وفي أميركا نجحت إدارة الرئيس بوش في أن تستخدم أسوأ يوم في التاريخ الأميركي المعاصر لتشرع قوانين وتخلق أجهزة تسمح لها بالتجسس على المواطنين واختراق خصوصياتهم وفضح حساباتهم المصرفية وهتك أسرارهم وأستارهم. في هذا البلد نفسه كادت سيدة أميركية أن تصل إلى منصب رئاسة الجمهورية محققة نصراً للمرأة الأميركية ومحطمة قيوداً وتقاليد عديدة، وخرج نائب رئيس جمهورية سابق يمتدح التعذيب والمعتقلات وتضييق الحريات ويدعو الحكومة إلى استخدام المزيد منها.

أما آخر حلقة في سلسلة الأحداث التي دفعت بالكاتب إلى وصف أميركا ببلد العجائب، فكانت عن انتخاب الشعب الأميركي رجلاً أسود رئيساً له. ونستطرد معه، ونضيف إلى مسلسل أحداثه حلقة تتحدث عن هذه «الضائقات» التي مر فيها هذا الزعيم الأسود وهي تجتمع الآن متراكمة، ولم يكتمل العام على الليلة المشهودة التي احتفلت فيها جماهير شيكاغو بباراك أوباما زعيماً لكل الإصلاحيين وكل الفقراء وكل الألوان غير البيضاء من بني البشر وكل المسلوبة حقوقهم. وكانت شعوب العالم في تلك الليلة شاهدة ومباركة.

[[[[

يسألون كما نسأل عن الأسباب والظروف التي هوت بهذه الشخصية الأسطورية من عليائها إلى واقع قاس ومرير.

حدث الكثير.. حدث مثلا، في رأيي على الأقل، أن قانون «الإبداع المتناقص» فعل مع أوباما ما فعله مع العديد من المبدعين عبر التاريخ، وأوباما أحد المبدعين بدون شك. سحر ملايين البشر بقدرة فريدة على الخطابة والفصاحة حتى شبهه بعض فلاسفة الغرب بشيشرون خطيب الرومان المفوه. لم تنطفئ جذوة إبداعه في الخطابة فخطابه في أوسلو وهو يستلم جائزة نوبل شاهد، ولكن لم يرتفع مستوى إبداعه في ملكات أخرى حسبت له خلال مراحل صعوده السياسي، كموهبة القيادة التي مارسها في أحياء الزنوج في ضواحي شيكاغو، وموهبة الفراسة في اختيار المعاونين، وهذه كشفت عن نفسها خلال المرحلة الانتخابية، لم يرتفع مستوى هذه المواهب وغيرها إلى مستوى موهبته في الخطابة والإقناع، بل تراجع وبرزت نقاط عجزه وقصوره.

شاءت ظروف أوباما أن يتولى الرئاسة والبلاد تطحنها أزمة مالية واقتصادية، ومع ذلك استطاع إقناع دافع الضرائب الأميركي بأن يتحمل تكاليف إنقاذ مصارف وشركات كبرى من الإفلاس، مقابل الشروع في تنفيذ برامج اجتماعية التزم بها في حملته الانتخابية. وفي نهاية العام كان الليبراليون من حلفائه يتهمونه بأنه بدعمه الشركات والمصارف خان الفقراء والقطاعات اليسارية التي حملته إلى السلطة، وكان المحافظون يتهمونه بأنه «يقود حملة صليبية متطرفة هدفها تركيع أميركا وإعلان إفلاسها».

وفي ظني أن التيارات اليمينية في الحزب الجمهوري وجماعات المحافظين الجدد لعبت الدور الحاسم في تشويه صورة أوباما، إذ جاءت حملتهم على درجة من الضراوة يقال إن أميركا لم تعرف مثيلا لها من قبل. استخدموا فيها أساليب جديدة، مثل حفلات الشاي التي تنعقد في شتى المدن الصغيرة، لبثّ أفكار مخربة كالقول مثلا بأن أوباما «عميل سري ومسلم وشيوعي مهمته تدمير الرأسمالية الأميركية عن طريق تدبير وقوع انهيار مالي». لم يأت هذا الاقتباس عفوياً أو متعمداً من صحافي مغمور ولم يصدر عن شخص غوغائي هدفه إثارة فتنة في حفل خطابي أو اجتماع سياسي، ولكنه صدر عن جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة في الانتخابات الأخيرة، أي عن رجل كان يمكن جدا أن يكون الآن في البيت الأبيض.

قرأت تعليقات شرسة في أعقاب الانفجار الذي وقع في الملابس الداخلية لعمر الفاروق عبد المطلب على مقربة من مطار ديترويت، قرأت أن أوباما يتعمد تسهيل عمليات الهجوم على أميركا ويرفض الاعتراف بأن التهديدات القائمة تصل إلى مستوى الحرب، ويخشى من أن العودة إلى استخدام تعبير الحرب يعرقل تنفيذ برامج إعادة بناء المجتمع الأميركي على أسس غير رأسمالية أو غير مسيحية.. «أوباما رجل اشتراكي لا يهتم بالحرب ضد الإرهاب، ومستعد لأن يضحي بأرواح الأميركيين في سبيل تطبيق الاشتراكية». أما صاحب هذا الاقتباس الشرس فكان رتشارد تشيني نائب الرئيس السابق، أي من رجل كان يمكنه هو الآخر أن يحتل المكتب البيضاوي لو أصيب الرئيس بمكروه.

[[[[

لا تقتصر الانتقادات العنيفة والشرسة على ممثلي اليمين السياسي والديني الأميركي إذ خرج قطاع كبير من الليبراليين ويسار الحزب الديموقراطي ليعلن أن أوباما خان عهوده التي قطعها على نفسه وبخاصة التزامه كسر شوكة جماعات الضغط الأميركية وإضعاف نفوذها في عملية صنع القرار في واشنطن. خان أوباما عهوده أو عجز عن الوفاء بها عندما خضع لضغوط شركات الأدوية والتأمين الصحي في قضية تطوير نظام الرعاية الصحية، وخضع لضغوط شركات السلاح والمؤسسة العسكرية عندما تهاون في قضية سحب قوات أميركا من الخارج.

ليس صحيحا أنه كان رخواً في التعامل مع «الإرهاب» كما يزعم قادة الجمهوريين، ففي عهده استخدمت بكثافة الطائرات بدون طيارين التي تضطلع بدور مشهود لا ينافسها فيه سلاح آخر في قتل المدنيين في باكستان وأفغانستان والآن في اليمن. وفي عهده وقعت أكبر زيادة في عدد القوات المحاربة في أفغانستان ونشبت حرب أميركية ثالثة في باكستان وتستعد إدارته لشن حرب جديدة في اليمن. هذا بالإضافة إلى أنه لم يغلق معتقل غوانتانامو كما وعد.

يعلن روبرت رايش أحد قادة الحزب الديموقراطي والوزير السابق لشؤون العمل والأستاذ الجامعي المرموق في معرض انتقاده لسياسات أوباما الاقتصادية والاجتماعية، أن مصارف أميركا عادت إلى ممارسة عاداتها الخبيثة التي كانت بين أسباب كارثة الكساد العالمي. عادت تراهن «بتهور ووحشية» وتكوّم الديون، وتحقق أرباحاً خرافية، ويحصل مديروها وكبار المسؤولين فيها على حوافز مثيرة لغضب الناس الذين تحملوا عبء تسديد ديونها، ويقول رايش إنه لا يذيع سراً عندما يعلن أن جماعات المصالح المصرفية أنفقت خلال عام واحد وهو العام الأول من ولاية أوباما، أكثر من 42 مليون دولار دخلت جيوب نواب وشيوخ أميركيين و344 مليون دولار على الاتصالات والأصدقاء وكل ما يدخل تحت بند حماية مصالح القطاع المصرفي.

ويختم رايش شهادته بالتحذير من أن الأزمة المالية ما زالت قائمة وأنها قد تشهد انفجارات أخرى قريبة لأن المصارف والشركات المالية الكبرى تأكدت من أن حكومة أوباما ستلجأ مرة أخرى لدافع الضرائب لإنقاذ «نظام رأسمالي متدهور سمعة وكفاءة».

[[[[

وفي الخارج، لم يكن حـظ أوباما أفضل. فقد خسرت أميركا نقاطاً إضافية في سباق القيادة الدولية بسبب الموقف المتردد والهزيل الذي اتخذه أوباما في كوبنهاغن. خرجت أميركا من كوبنهاغن تـحمل وصمة عار كونها الدولة الأعظم تلويثاً للبيئة، بالإضافة إلى الجهود التي بذلها أوباما خلال المؤتمر لتحميل الدول الصـاعدة، وبخاصة الهند والبرازيل والصين، مسؤولية خفض درجة التلوث والمساهمة في تكاليفه، علماً بأن المواطن الأميركي يبعث إلى الجو بما يتراوح بين أربعة إلى عـشرة أضعاف ما يبعث به المواطن الصيني أو الهـندي.

وكانت إساءة أوباما إلى الدول النامية بالغة حين استمر ينذرها بأنها سوف تغرق بعد سنوات قليلة، متجاهلا مسؤولية أميركا عن ارتفاع مستويات البحار والمحيـطات. المؤكد على كل حال هو أن أميركا بقيادة أوباما خرجت من كوبنهاغن بقدرة أقل على قيادة الحرب ضد تلوث البيئة وخرج أوباما شخصيا فاقدا جزءا من شعبية كان يتمتع بها في عالم البؤساء.

وخسر أوباما جانبا أعظم من شعبيته في الأوساط الشعبية في دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، خبا «الوهج الأوبامي» في استانبول وفي القاهرة كما في مدن وعواصم عربية وإسلامية كثيرة، هذا الوهج الذي كاد يصنع صورة أخرى لأميركا. عرف العرب، أن أوباما ليس أكثر من «نمر من صوت»، لا يخيف إرهابيين وعنصريين من نوع ليبرمان ونتنياهو، ويستهين به حكام مستبدون. كما عرفه قادة الصين وروسيا والبرازيل رجل دولة كلماته ساحرة وأعماله متواضعة.

[[[[

لن تكون سنة 2010 أفضل لأوباما من سنة 2009، هذا ما
كتبه خبراء مجلة الإيكونوميست البريطانية. الذين استخدموا كلمة «بائسة» كصفة لسنة 2010، وقدموا لدعم توقعاتهم أسباباً هي ضعف التحالف الذي حمل أوباما إلى البيت الأبيض، وهول التركة الرديئة التي خلفها له الرئيس بوش وإدارته، وشدة المقاومة التقليدية للتغيير في صفوف الشعب الأميركي وقادته، وخوف أميركا من أي شخص يطرح فكرة ضرورة تدخل أكبر من جانب الدولة أو قيود أوفر على فرص الفرد العادي.

أما الميزتان الأعظم لأوباما، وهما لون البشرة وفصاحة اللسان، فقد يثبتان خلال 2010 أنهما وإن كانا مبهرين إلا أنهما غير كافيين.
"السفير"

التعليقات