31/10/2010 - 11:02

أوباما يَتَّبِع خطوات بوش!../ محمود مبارك*

أوباما يَتَّبِع خطوات بوش!../ محمود مبارك*
«أجل إننا نقدر»، كان هذا هو الشعار الذي تغنى به وردّده أنصار باراك أوباما يوم تنصيبه رئيساً، بعد أن استطاع صاحب الشعار أن يملأ به قلوبهم وعقولهم خلال فترته الانتخابية، في إشارة إلى مقدرة الشعب الأميركي على تغيير الأوضاع من سيئ إلى حسن!

وفي كل مرة ردّد أوباما شعاره الجذّاب خلال فترته الانتخابية، كان هناك وعد جريء يطلقه المرشح المفعم بالحماسة، على رغم علمه أن ليست كل الوعود يمكن الوفاء بها!

وإذا كان من المعلوم بداهةً عند أهل السياسة في واشنطن، أن نكث الوعد سجية سياسية قديمة، فإن ما أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل يومين، من عدم الوفاء بوعده الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية والقاضي بوضع حدٍ للمحاكمات العسكرية التي أنشأتها إدارة بوش لمعتقلي غوانتانامو، لا يعد أمراً مستغرباً البتة!

ذلك أن الوعود الانتخابية في السياسات الغربية عموماً، وفي الولايات المتحدة خصوصاً، لا تعدو كونها مجرد وعود انتخابية، ولا يترتب على نكثها أي جزاء قانوني، الأمر الذي جعل الكثير من السياسيين يطلقون وعوداً لمجرد الحصول على أصوات الناخبين، لا أكثر!

وباراك أوباما ليس استثناءً من هذا النوع. بل إنه ليس من المبالغة القول، إن نقض الوعد لأوباما أصبح سمة عامة في سياساته الجديدة تحت قاعدة «أجل إننا نقدر»! فلسان حاله يقول: نحن نقدر على إعطاء الوعود، ونحن نقدر على نقضها كذلك!

بيد أن تراجع أوباما عن تعهداته الانتخابية، سواءً المتعلقة منها بالسماح بنشر صور أساليب التعذيب التي قامت بها وزارة الدفاع الأميركية في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب، أو في وعده بالتحقيق في قضايا التعذيب ذاتها وملاحقة المتورطين في الإدارة السابقة، أو بإيقاف المحاكمات العسكرية، كما في هذا الوعد الذي نقض أخيراً، كل ذلك يضعه في الدائرة نفسها التي بدأ منها وانتهى إليها سلفه الرئيس جورج بوش! الأمر الذي يطرح تساؤلات حول أهلية انتخابه!

فإذا كان الناخب الأميركي أدلى بصوته لأوباما بناء على أساس وعوده الانتخابية، فإن نقض هذه الوعود ربما كان سبباً لإعادة النظر في بقائه في منصبه! ولو كان الأمر بيدي، لوضعت تشريعاً يقضي بوجوب إعادة ترشيح أي سياسي ينكث عهوده الانتخابية!

لكن الوضع في غوانتانامو ليس مجرد مسألة وعد أخلاقي أطلق خلال فترة انتخابية! وإنما هو مسألة قانونية دولية، كما أنه مسألة أخلاقية، في عصر عزّ فيه الالتزام بالقانون الدولي كما عزّ فيه الالتزام بالأخلاق العامة!

ولعل السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: كيف «يقدر» الرئيس أوباما على مواجهة ناخبيه بعد أربع سنوات ليقول لهم إنه لم يكن «قادراً» على الوفاء بتعهداته السابقة؟!

أم أن الزعيم الكاريزماتي سيكون «قادراً» على إقناع ناخبيه بوجهة نظره الجديدة، كما هو «قادر» اليوم على تغيير شعاراته الانتخابية التي كانت السبب في وصوله إلى البيت الأبيض!

ثم لو تمكن أوباما بمقدرة فذة من إقناع ناخبيه بوجهة نظره الجديدة، فبأي شكل أو بأية طريقة يستطيع أي محامٍ أن يحمل على عاتقه عبء الدفاع عن أي زعيم يعلن بلسانه، مخالفة هذه المحاكم العسكرية للقوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ثم يعود ويقرّها بنفسه!

ثم كيف يتسنى لمن وصف تاريخ معتقل غوانتانامو والمحاكم السرية بـ «الفصل الحزين» في تاريخ الولايات المتحدة أن يجدد كتابة ذلك الفصل الحزين بيديه؟! أم كيف يليق بمن أفنى فترته الانتخابية منتقداً سياسات إدارة سلفه، أن يتَّبعها حذو القُذة بالقُذة؟!

واقع الأمر أن نكوص الرئيس الأميركي عن وعده السابق بمنع المحاكمات العسكرية لمعتقلي غوانتانامو، يعد نقضاً رسمياً لوعد مسؤول، وكذباً متعمداً من زعيم بارز، إضافةً إلى كون هذا القرار يمثل مخالفة قانونية - دستورية ودولية!

يؤكد ذلك الاعتراض الذي لقيه هذا القرار من منظمات حقوقية دولية، منها على سبيل المثال لا الحصر، منظمة العفو الدولية وهيئات حقوق الإنسان، كما يؤكد ذلك أيضاً وصف مدير الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، لهذا القرار بأنه «مخالف للدستور الأميركي»!

المثير للسخرية هو أن المرشح أوباما كان قد عاب تلك المحاكم العسكرية حين قال «إن مجرد قبول مبدأ إنشاء المحاكم العسكرية لمعتقلي غوانتانامو، يُعدُّ أبلغ هجاء للنظام القضائي الأميركي، في أنه ليس أهلاً لاستيعاب ومحاكمة هؤلاء المتهمين»!

لا أحد يدري إن كان المرشح السابق يعني كل ما كان يهذي به، أم أن الرئيس «القادر على كل شيء» قد يكون «قادراً» كذلك على أن يحوّل «هجاء النظام القضائي» إلى مديح، وأن يغيّر «الفصل الحزين» إلى فصل مبتهج، بمجرد خلف وعود انتخابية!

ولكن، إذا كان خلف الوعد صفة ذميمة، لا تليق بأي إنسان، فضلاً عن زعيم دولة كبرى، فإن السؤال الذي يجب ألا يخفى على السيد أوباما هو: كيف يمكن لزعيم ينكث وعوده، أن يطلب من بقية زعماء العالم الالتزام بالمواثيق والوعود التي يطلقونها؟!

كما أن الأمر الذي يجب ألا يغيب عن ذهن باراك أوباما هذا اليوم تحديداً حين يلتقي رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو، ويطلب منه الوفاء بالتعهدات الإسرائيلية السابقة حول «حل الدولتين»، هو: هل سيكون أوباما «قادراً» على إجابة رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا ما نظر هذا الأخير إليه في العين قائلاً: أجل، إننا نقدر على نقض عهد «حل الدولتين»، كما فعلت في نقض عهودك الانتخابية؟!
"الحياة"

التعليقات