31/10/2010 - 11:02

أين القيادة العربية؟../ د.سليم الحص*

أين القيادة العربية؟../ د.سليم الحص*
الأمة في حاجة إلى قيادة تقودها في النضال من أجل تحقيق أهدافها. ففي غياب القيادة لن تكون مبادرة في أي اتجاه. ستبقى الأمة في حال من الخمول، لا بل الدوران في إطار شواغل طارئة. أما قضايا التحرير والإصلاح والتغيير والتوحيد فتبقى عالقة. لا بل من دون قيادة فاعلة تبقى العروبة اسماً على غير مسمى. فالعروبة، بما هي تنسيق وتضامن، بما هي تطلع إلى اتحاد يفضي مع الأيام إلى الوحدة على المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية، تبقى جوفاء.

كانت للأمة العربية قيادة في شخص جمال عبدالناصر، كان قائداً للأمة في شعوبها ولكنه ما استطاع أن يقود الأمة بدولها وأنظمتها، كان يخاطب الشعوب العربية مباشرة، وكانت الجماهير تستجيب له بعفوية مشهودة، فالمواطن العربي كان يرى في جمال عبدالناصر تجسيداً لمواقفه وتطلعاته ورؤاه على المستوى القومي، ولكن الرجل لم يتمكن من تحقيق الكثير مما كان يسعى إليه في كنف التعقيدات والشدائد التي كانت تحيط بالعالم العربي في تلك الأيام، وبخاصة في مواجهة العدو الصهيوني والواقع الدولي الذي كانت تتجاذبه وتتحكم فيه قوى كبرى.

العالم العربي كان ولا يزال يفتقد القيادة الفاعلة. فالساحة الدولية تتنازعها محاور دولية وإقليمية. والأقطار العربية غدت موزعة بين هذه المحاور، المحاور تتبدل بين الحين والآخر مع تبدل موازين القوى. ففي وقت من الأوقات كانت قوى الاستقطاب مركزة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وكانت حركة عدم الانحياز محاولة لممارسة شيء من استقلالية التوجه من جانب بعض الدول الأصغر والأضعف. ولكن هذه الحركة، على جديتها ونبلها، لم تستطع أن تؤدي دوراً فاعلاً أو حاسماً في مجرى التطورات الدولية.

وبوجود محاور دولية ضاغطة تفقد الدول الملحقة بهذا الفريق أو ذاك فعلياً سيطرتها على سياستها الخارجية وأحياناً على مظان حيوية من سياساتها الداخلية. ففي مجال السياسة الخارجية كانت هذه الدول تسير إما في ركب الدول الاشتراكية والشيوعية أو في ركب الدول الرأسمالية التي يسيطر على اقتصاداتها القطاع الخاص. وفي السياسة الداخلية تسلك الدول الأصغر والأضعف الطريق الذي يمليه الأنموذج الشمولي الاستبدادي للحكم أو أنموذج الاحتكام إلى صناديق الاقتراع أقله في المظهر.

وما زالت اليوم تتحكم في مسار الساحة الدولية إلى حد بارز محاور دولية وإقليمية. ففي منطقتنا العربية نشكو من فرز أهل القرار بين قطب دولي هو أمريكا، وقطب إقليمي هو إيران. وفي واقع الحال فإن الفرز قائم بين محور أمريكا “إسرائيل” ومحور إيران- سوريا ومعه في بعض الحالات فئات داخلية مذهبية غالبة كما في العراق. ونحن على يقين من أن حلفاء الدولة العظمى، أمريكا، وبينهم قوى عربية وازنة مالياً واقتصادياً أو ديموغرافياً، لا يدركون أنهم من حيث يفيئون إلى المعسكر الأمريكي فإنهم في واقع الحال يعقدون الخناصر مع العدو الصهيوني. فالتلاحم بين أمريكا و”إسرائيل” وثيق وكامل على كل صعيد وبخاصة في ما يختص بقضايا الأمة العربية.

لو كان للأمة العربية قيادة قومية فاعلة لأغنت الأقطار العربية عن الانسياق وراء هذا الفريق الدولي أو ذاك، وبالتالي عن الانضواء تحت لواء هذا المحور الإقليمي أو الدولي أو ذاك. بعبارة موجزة، لو كانت للأمة العربية قيادتها القومية لكان لها خطها القومي المستقل دولياً، ولكان لها استتباعاً وزنها الفاعل ودورها الملموس في رسم خريطة التفاعلات على الساحة الدولية.

الإنصاف يقتضينا أن نقرّ بأن بعض الدول العربية كان لها دور في استيلاد حلول لقضايا عربية معينة، ولكن هذا الدور لم يرتقِ إلى مستوى التصدي لقضية العرب المركزية في فلسطين والتي يرتبط بها إلى مدى بعيد المصير القومي العربي. والمعروف أن أبرز الدول العربية التي لعبت أدواراً بناءة في هذا الإطار اثنتان على الأقل: هما المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية. ودور مصر مرتبط إلى حد ما بالوزن الخاص الذي تشغله على الساحة العربية إعلامياً وعلى صعيد المكانة التي تشغلها في جامعة الدول العربية التي تتخذ من العاصمة المصرية مقراً لها. ثم إنها أكبر الدول العربية سكاناً بلا منازع. وكان من الأدوار التي قامت بها مصر في الآونة الأخيرة خلال محنة غزة التوسط بين الأفرقاء الفلسطينيين وكذلك بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” وذلك لكون مصر الجهة العربية الوحيدة التي تستطيع التحدث إلى المسؤولين الصهاينة بوجود معاهدة سلام موقعة بين الجانبين. كذلك هي الأردن، ولكنها لم تقدم على خطوة في هذا الاتجاه.

أما المملكة العربية السعودية فقد درجت على التدخل في حل الإشكالات التي تنشأ بين أقطار عربية أو داخل أقطار عربية. وقد سجلت نجاحاً في بعض المبادرات المشهودة، لعل أبرزها اتفاق الطائف الذي أنهى حرباً داخلية بين اللبنانيين طال أمدها. وكان أخيراً الدور الذي قام به العاهل السعودي الملك عبدالله عبر الكلمة التي ألقاها في قمة الكويت والتي كان لها فعلها الحاسم في تحويل مسار المؤتمر نحو الإيجابية في البحث عن حلول للخلافات بين القادة العرب حول مقاربة مأساة غزة، فكانت المصالحة بين أقطاب عرب على هامش القمة. إلا أن التباينات عادت فطفت على السطح في صياغة البيان الختامي للقمة، فلم تأتِ ثمرة القمة على مستوى ما أوحت به المصالحة. وبقي النزاع بين الفريقين الفلسطينيين محتدماً للأسف الشديد. وبقي الخلاف حول آلية لإغاثة أهل غزة المنكوبين وإعادة إعمارها عالقاً ينتظر حلاً ربما بمبادرة من المملكة السعودية.

متى سيكون للأمة العربية قيادة فاعلة تأخذ بيدها على طريق التقدم والخلاص والوحدة؟ جمال عبدالناصر كان صدفة تاريخية، ولم يحالفه الحظ في تحقيق آمال الأمة الكبار. لا يجوز الرهان على صدفة أخرى تنجب قائداً يحالفه الحظ هذه المرة. الرهان لا بد من أن يكون معقوداً على تطوير الممارسة الديمقراطية في شتى الأقطار العربية، أملاً بأن تنجب الديمقراطية قادة يسوقون الأمة إلى حيث تحقق طموحاتها القومية. والمعوّل في هذا السبيل هو على نشوء ضغط على الطبقة السياسية الحاكمة في العالم العربي لاتخاذ قرار الإصلاح المنشود في إطلاق عملية التطوير الديمقراطي، علماً بأن هذا القرار لن يكون في مصلحة الطبقة الحاكمة التي قد يهمها الاستمرار في الاستئثار بالقرار. إلا أن الإعلام المرئي والمسموع أظهر أنه يقوم بدور فاعل في تنمية وعي الشعوب إلى ما يكتنز المستقبل في رحاب الحرية والديمقراطية من وعد.
"الخليج"

التعليقات