31/10/2010 - 11:02

الأبرتهايد يبدأ في تل أبيب../ د.أمنون راز*

الأبرتهايد يبدأ في تل أبيب../ د.أمنون راز*
حقنت الانتخابات الأخيرة لبلدية تل أبيب إبرة منشطة للدوائر التي تسمى بـ"اليسار"، والتي يقف أمامها فجأة هدف صريح، أكثر من أي شيء آخر: طريقة لقبولها في داخل الإجماع. وينتصب فجأة مرشح مناسب، شخص يحمل رسالة مدنية وبيئية واجتماعية، ويحظى بدعم إعلامي واسع. وهو رمز لما يبحثون عنه: لطيف ومتواضع يقود دراجة هوائية ومثقف واجتماعي. ورغم أنه شيوعي إلا أنه ليس راديكاليا، وهو من أنماط المقاهي التل أبيبية. ويمثل حلم الطيبين: حداش- جبهة ديمقراطية للسلام والمساواة- بدون عرب..

ولكن لم يشر هذا الحدث في نهاية المطاف إلا على "فقاعية تل أبيب"، وليس على النجاح النسبي لحداش/ الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، حيث لم يفز حنين في الانتخابات.

وفي الواقع فإن هذا الانتصار اللحظي، الاعتراف والدعم الإعلامي، فقد كشف فقط عن جوهر اليسار التل أبيبي المنفصل عن أي سياق. لا يوجد من ينكر على دوف حنين التزامه الاجتماعي ونشاطه لسنوات طويلة، إلا أنه لا شيء يعكس الواقع أكثر من حقيقة أن ممثل الحزب الشيوعي ترشح على رأس قائمة لليهود فقط في الانتخابات البلدية، بينما يتنافس هو نفسه مع حزب عربي تم تشكيله من قبل ممثلي الجبهة الديمقراطية والتجمع الوطني الديمقراطي.

وفي ساعة الاختبار، قرر ممثل الحركة، التي تضع التعايش في مركز مبادئها والتي تتهم خصومها بأنهم يعارضون التعايش، الترشح على رأس قائمة يهودية فقط، وقرر بشكل تام تحديد الهوية الجمعية كيهودية فقط، وذلك في قائمة تعتبر نفسها مدنية.

لقد تم الأخذ بالحسبان اعتبارات لها وزن كبير، الرغبة بالاتحاد مع عناصر من أحياء جنوب تل أبيب الذين يتماثلون، يمكن القول بشكل طبيعي، مع اليمين. بيد أن المسائل الاجتماعية حسمت في نهاية المطاف حقيقة أن الفصل يبدأ من تل أبيب، وهي تبدأ من الجبهة الديمقراطية التي يتنافس مؤيدوها في المدينة الواحدة بقائمتين؛ واحدة لليهود وأخرى للعرب، وذلك تحت اسم مصطلح "المواطنة". وحنين الذي وصل الكنيست بأصوات العرب رفضهم في لحظة الحقيقة، واتهم مؤيدوه العرب بأنهم "قوميون".

لم يكن هناك تعبير أكثر وقاحة من ماهية "ليبرالية" العلمانيين التل أبيبيين الذين صوتوا لحنين. هذه هي الليبرالية المشتقة من حقيقة أن تل أبيب هي مدينة لا يوجد فيها عرب تقريبا، ليس لأنهم منعوا من ذلك، وإنما لأنه لا يوجد إطار اجتماعي على استعداد لإتاحة ذلك. فاليسار الليبرالي التل أبيبي يؤيد حل الدولتين (وعلى هذا الأساس أيد طرد العرب من سكان غزة والذين عاشوا في ظروف مزرية حتى اتفاق أوسلو)، ولكنه لا يطرح حتى السؤال كيف تكون مدينة كبيرة في إسرائيل خالية من 20% من السكان. حتى الطلاب الذين يتعلمون في المدينة غير موجودين فيها، فهم لا يشاركون ولا يتم استدعاؤهم للمناسبات المتحضرة في المدينة، في النشاطات اليسارية فيها.

ليس السؤال، في نظري، هو التحالف الذي عقد مع عضو الليكود. وإنما السؤال هو ما معنى ذلك في هذا السياق. والمغزى الواضح هو أن أعضاء الجبهة الديمقراطية اليهود تركوا رفاقهم العرب حيث لا يحتاجونهم من أجل الحصول على قوة سياسية. لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأن دوف حنين لن يترشح على المستوى القومي فقط، إذا لمس أن لديه احتمالات قوية للفوز.

لقد أثبتت الجبهة الديمقراطية بشكل واضح إلى أي مدى حديثها عن حزب يهودي – عربي هو بدون رصيد. فالجبهة هي حزب عربي لديه عدد من المؤيدين اليهود على المستوى القطري، وعلى المستوى المحلي فإن الكثير من هؤلاء اليهود يؤيدون الانفصال عن العرب. والوحيدون من بين الذين يدعمون الجبهة هم أولئك اليهود الذين فضلوا التصويت لقائمة عربية رغم تأييدهم لحنين.

وهكذا، وتحت الغطاء الليبرالي واللغة المدنية الجميلة تستخدم تلك الدوائر نفسها كحاجز ينفي إمكانية البديل من أجل نيل الإعجاب. وينتج أن الحفاظ على تل أبيب المدنية كمدينة يهودية قومية هو ما يوفر لها صورة ليبرالية يسارية هي الصرعة الجبهوية.

شيء مفزع أن ندرك أن الابرتهايد يبدأ من الجبهة الديمقراطية، والأسوأ هو إدراك أن قادة الجبهة العرب يتقبلون هذا الإطار أيضا. كان هناك من يدعي أن عدد المنتسبين العرب لـ"كاديما" هو كبير، ولكن على ضوء هذه الأمور يطرح السؤال ما هو الفرق؟ تشجيع ركوب الدراجة الهوائية في تل أبيب؟!..

التعليقات