31/10/2010 - 11:02

البحث عن هوية الشعب../ مصطفى إبراهيم*

البحث عن هوية الشعب../ مصطفى إبراهيم*
سيجد الفلسطينيون أنفسهم منشغلين في البحث عن هويتهم، وسيكتب التاريخ أن حركتي فتح وحماس هما السبب في انشغالهم سنوات طويلة بالبحث عن هويتهم الوطنية في "دولتي" غزة ورام الله، والبحث عن روابطهم الثقافية والجغرافية وآفاقها، والعمل للارتباط من جديد جراء حال الانقسام السياسي والجغرافي بين طرفي الوطن المسلوب، وسيجدون أنفسهم منشغلين أيضاً بالهم الوطني العام.

وعلى رغم ما ألم بهم من مصائب وانقسام وانتكاسات، ستطرح عليهم الأسئلة، والعمل بشكل فوري للعودة إلى الوحدة الوطنية الديمقراطية، التي ينطلقون منها للخروج من الأزمة التي يعيشون تفاصيلها وهمومها يومياً، وستظل تطرح عليهم الأسئلة مجدداً في كل وقت وفي كل مرة يتطلب منهم أن يبدأوا من الصفر، وكأن قدرهم في فشل قياداتهم الذين فقدوا الرؤية والبوصلة بالتوصل إلى إستراتيجية وطنية تعيد بناء ما خسروه، وتعيد بناء روابطهم السياسية والثقافية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية.

وما انتقادات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس للدول العربية التي لم تفِ بالتزاماتها المالية للسلطة الفلسطينية عشية مؤتمر المانحين في لندن ما هي إلا تعميق لأزمة الفلسطينيين، ومحاولة شراء مواقف سياسية مقابل المال، وما تبقى لهم من حقوق، وصرف الأنظار عما يرسم لهم من الإدارة الأمريكية التي سيعرف رئيسها للرئيس عباس الدولة الفلسطينية وحدودها من جديد.

فالسلطة الفلسطينية التي ترددت في الذهاب وحضور اجتماع انابوليس الذي عقد في تشرين ثاني (نوفمبر) من العام 2007، وكان الابتزاز الأمريكي واضحا لقيادة السلطة الفلسطينية أنه في حال عدم حضروها لن يتم عقد مؤتمر باريس للدول المانحة الذي عقد في الخامس عشر من كانون أول (ديسمبر) من العام نفسه، الذي تعهدت الدول المانحة خلاله للسلطة بدفع مبلغ 7،7 مليار دولار، لم يصل إليها منه إلا القليل، ولن يصل إلا بعد دفع ثمن سياسي مقابل هذا المبلغ الكبير، وما دفع رايس إلى توجيه النقد إلى الدول العربية إلا مقدمة لذلك.

فإذا ما تأمل الفلسطينيون حالهم فإنهم سيجدون أنفسهم يعانون ليس من عجز في موازنتهم فقط، بل يعانون من انقسام وانكسارات، ووطن مقسم بسبب بعضهم، وبعض آخر صامت أو عاجز عن التقدم بخطوات تخلصهم من الحال السيئ، فالجزء "الصالح والمعتدل" الذي وعد منذ أكثر من عشرة أشهر بالمن والسلوى ما تزال حاله على ما هي عليه، لم يتغير شيء سوى استمرار الاستيطان.

أما الجزء "المتمرد" الذي يتشبث أصحابه بمشروعهم من دون التراجع خطوات تكسر حال الانقسام والشرذمة وضياع المشروع الوطني، ويتقدمون بنموذج صالح وعدوا الناس فيه بالإصلاح والتغيير والأمن والأمان، ويعاني سكانه الحصار الخانق والظالم، والفقر والبطالة والاحتكار وانعدام الحد الأدنى من الحياة، الاحتلال سبب رئيس فيه، وهم سبب أيضاً، من دون عمل شيء يعزز من صمود الناس الذين يعيشون كل يوم تفاصيل البؤس والشقاء والخوف والقلق من القادم المجهول.

سيبقى الفلسطينيين يعانون عجز الموازنة والفقر والبطالة والخوف والقلق، واستجداء تهدئة تدرس دولة الاحتلال منحها، وسيبقى الحصار مفروضاً على قطاع غزة والمعابر مغلقة، ولن ترفع حواجز أو تحد من غول الاستيطان المتعاظم، وسيطول انتظار الفلسطينيين في الوقوف أمام أبواب الدول المانحة، سواء الولايات المتحدة أو دول أوروبا أو الدول العربية الشقيقة التي سيصم قادتها أذانهم حتى من نقد "العمة رايس"، طالما بقوا على حال الانقسام.

فالفلسطينيون لن يخلعوا شوكهم إلا بأيديهم، ولن ينفعهم النقد الأمريكي للدول العربية للإيفاء بالتزاماتهم، ولن يفيدهم صرخات الاستجداء بالأشقاء العرب بالإيفاء بالتزاماتهم، وكسر الحصار، ولا والوعود الأوربية لسد العجز بالموازنة التي سيذهب جزء منها إلى جيوب من امتهنوا الاستجداء وانتظار الوعود بوهم الحل الموعود.

وعليهم العودة إلى روح الشعب الفياضة بالأحلام والآمال والحزن والآلام، وعليهم التكاتف مع بعضهم بعضا للتأسيس لخيارات الشعب المسلوب الحرية المنتظر منهم تخليصه من الانقسام، والنبش في الإبداع الحقيقي في مكنوناته الحقيقية التي فجرت الثورة الفلسطينية المعاصرة، والانتفاضتين الأولى والثانية، فإذا لم يفعلوا ذلك سيتحملون المسؤولية إذا ما ثار الشعب عليهم ليبرز هويته، لا هويتهم الحزبية والفصائلية الضيقة.

فالشعب لن ينتظر تبرير الانقسام والعجز في الموازنة وتنفيذ خارطة الطريق من طرف واحد، وانتظار الوعد بالحل نهاية العام، والسيطرة على القطاع بالقوة المسلحة، والحصار والفقر والبطالة والخوف من العدوان القادم، وعلى رغم الصعاب فالشعب هو من سيبحث عن هويته المهددة بالضياع، وسيأتي الفرح ويحطم الشعب من ساهموا ومازالوا في تعزيز الانقسام ومن كانوا سبباً في الانتكاسات والانكسارات التي حلت بمشروعهم الوطني.

التعليقات