31/10/2010 - 11:02

"الجزيرة" تقلب معادلة أخرى بين العرب وبين إسرائيل../ حنين زعبي

إسرائيل تنفذ، والعرب يشكون. إسرائيل تخطط وتعرف مصالحها الاستراتيجية بدقة وبوضوح وبمثابرة، وتمضي في تحقيق أهدافها، والعرب يبكون ويستنكرون ويهددون. هذه معادلة أخرى، قلبتها فضائية الجزيرة. الجزيرة، تحدد معاييرها وتوضح أخلاقياتها، وتعرف دورها وتثابر عليه وتمضي في نجاحاتها، وإسرائيل ترتبك وتستنكر وتتوعد.

وفي استنكارات إسرائيل وتوعداتها المستمرة، كما في استنكارات وتوعدات العرب التقليدية –على الأقل نستطيع الآن أن نقول تقليدية-، يظهر ضعفها وقلة حيلتها، حتى لو هددت بعدم تمديد بطاقات الصحفيين للجزيرة العربية، وتصاريح الإقامة لطاقم الجزيرة باللغة الإنجليزية.

صحيح أن كعكة عيد الميلاد لسمير قنطار "عميد الأسرى" كما لقب من قبل وسائل الإعلام العربية، وصفة "البطل" التي أطلقت عليه، هي تعبيرات غير إعلامية، وتتجاوز المهنية الإعلامية، التي تعنى حصريا بالتغطية، الحوار والنقاش، إثارة القضايا، وفضح تجاوزات وانتهاكات وجرائم. وصحيح أن المهنية الإعلامية لا تحتفل بأحد، ولا تحتفل بإنجاز، لكنها تستطيع، وأحيانا لزاما عليها أن تغطي احتفالات، وأن تسلط الضوء على إنجازات.

لكن الصحيح أكثر، هو أن الجزيرة تغطي أحداثا دموية وجرائم وانتهاكات، تصرف إسرائيل جهدا ومالا ودبلوماسية، على سترها، ليس بأقل مما تصرفه على تنفيذها. وصحيح أكثر أن الجزيرة تحرص بذاتها على مهنيتها، ولا تخاف من مهنيتها، كما يخاف الصحفي الإسرائيلي من مهنية تفضح جرائم دولته وجيشها. والجزيرة تكتشف أخطاءها المهنية، والجزيرة تبادر في دراسة تجاوزات لميثاق أعدته بنفسها لنفسها، ولا تتردد في اتخاذ الإجراءات الملائمة. وصحيح أكثر أن صحفيي الجزيرة غير مستحوذين بمراقبة الصحفيين الإسرائيليين، ولا يرون ذلك جزءا من مهنيتهم الإعلامية. وصحيح أكثر أن علاقة صحفيي الجزيرة بالمكاتب الإعلامية في قطر أضعف بكثير من علاقة الصحفيين الإسرائيليين بمكاتبهم الصحفية الحكومية. وصحيح أكثر أن تغطية الجزيرة للصراع العربي- الإسرائيلي، تتناقض مع السياسة الرسمية لقطر تجاه إسرائيل، بينما تتحكم سياسات إسرائيل بكل الملامح الرئيسية للتغطية الإعلامية الإسرائيلية. وصحيح أكثر أن تعامل الإعلام الإسرائيلي مع الصراع لا يشكل مادة جذابة أو مهمة للجزيرة، بينما تشكل تغطية الجزيرة مادة جذابة ومهمة للإعلام الإسرائيلي.

باختصار اهتمام إسرائيل وشغفها بالجزيرة وقلقها منها، هو اهتمام وشغف وقلق من طرف واحد، فمتى يفهم "الحبيب"؟ ومتى يفهم العرب أنه بالإمكان نسخ هذه المعادلة إلى مستويات أخرى؟

وكلمة للصحفي الإسرائيلي: عندما "أغوت" الجزيرة نفسها، احتفلت بأسير محرر. لكن ما يغوي الصحافة الإسرائيلية هو الاحتفال بالقتل والعنف والدمار. فهل نسي أحد عناوين "معاريف" و"يديعوت أحرونوت" الداعية إلى محو القرى اللبنانية؟ هل نسي أحد دعواتهم إلى ملاحقة كل شيعي وجنوبي في لبنان؟ هل نسي أحد ملاحقة صحفيي إذاعة "ريشيت بيت"، بعض السياسيين وحتى الجنرالات، بأسئلة مستنكرة حول "إصرار" إسرائيل على إدخال الوقود ومواد الإغاثة لغزة؟ وحول تردد إسرائيل بقصف مدن الضفة؟ هل نسي أحد تساؤل ميري ريجيف الناطقة بإسم الجيش الإسرائيلي، قبل سنة أو أكثر، حول عدم تركيز الإعلام الإسرائيلي بما فيه الكفاية على القتلى اللبنانيين الذين "ينجح" الجيش الإسرائيلي بقتلهم ؟

الحقائق لا "تزعج" الإعلام الإسرائيلي: لم يكن لحقائق مثل القتل اليومي للفلسطينيين، وسرقة وطنهم وأراضيهم ومواردهم، ومطاردتهم وحصارهم، أن "تزعجكم"، وبالتالي لن "تزعجكم" أيضا حقيقة "تافهة" مفادها أن الجزيرة بدأت بفحص الموضوع، قبل أن تتوجه لها مرجعيتكم الحكومية الجديدة، داني سيمون، وأن الجزيرة لم ولن تعتذر لإسرائيل، وأن اعتذارات الجزيرة تقدم فقط لمشاهديها ولجمهورها.

وأخيرا: ليبدأ الإعلام الإسرائيلي بالتفكير أنه أخلف اعتذارات كثيرة، وأن الاحتفال بأسير محرر، يعقبه اعتذار، أما احتفاليات القتل والعنف والتدمير، فتعقبها أحكام أخرى.

التعليقات