31/10/2010 - 11:02

الدولة النكبة وحق الولاء: أفكار حائرة../ نهلة عبدو*

الدولة النكبة وحق الولاء: أفكار حائرة../ نهلة عبدو*
ظن المتصفح/ة للصحف العربية والعبرية خلال ما يمكن تسميته بـِ «أسبوع القوانين» و»مشاريع القوانين» و»مقترحات القوانين»، ولأول وهلة، أنه/ا يقرأ/تقرأ ما مفاده: إن بعض، وربما أغلبية، النواب البرلمانيين الإسرائيليين عازمون على تقديم مشروع (أو مشاريع) قانون لتقرها الكنيست الإسرائيلية تقضي بحق مواطني الدولة من الفلسطينيين على أن يبقوا على ولائهم لهويتهم وقوميتهم وشعبهم وكذلك الحفاظ على ذاكرتهم، الفردية والجماعية التاريخية، في يوم (وكل أيام) التطهير العرقي الذي ألمَّ بهم منذ نشوء الدولة-النكبة. وأن لهم التصرف بهذا الحق كيفما يشاؤون، وأينما يشاؤون، ومتى يشاؤون.

ولكن يتضح فيما بعد أن النظر (أو الأمل) خوّان وأن القراءة كانت معكوسة. ونحن هنا بصدد مشروعين اثنين، أو ربما عدة مشاريع بعدد أيام الأسبوع (!)، كان قد أقر أحدهما نهائيا في ساعة متأخرة من يوم الإثنين الماضي، بتاريخ 25/5/2009. أما مشروع القانون الثاني فإنه ينتظر، أو لا ينتظر، دوره وسنأتي على ذكره لاحقا. وتبقى بقية المشاريع إلى أن تحين ساعتها! وللتذكير فقط، يظهر أن الدوله-النكبة تسهر ولوقت متأخر على مصلحه الشعب الفلسطيني!!

بالنسبة للقانون المقر من اللجنة الوزارية الخاصة فإنه يأتي بعكس ما يظن المتصفح أو أراد أن يظن! فهو قانون خاص بنا، نحن المواطنات والمواطنين الفلسطينيين، والذي يقر بسحب المواطنة ممن «خرق/ يخرق الولاء للدولة». أما معنى «الولاء» أو عدم الولاء هنا فإنه يتعلق بالذين قاموا أو حاولوا القيام بما يسمى بـ «عمل إرهابي» أو «المساعدة» أو تقديم دعم لـِ «عمل إرهابي»، أو «العضوية في تنظيم إرهابي.....». وكذلك ينص القانون على سحب مواطنة/»هوية» كل من يحمل جنسية «دولة معادية». وكان قطاع غزه شر البلية وما يبكي، فقد أعلن القانون الإسرائيلي قيام دولة جديدة أسمها قطاع غزة!

فاحذري يا أمي ويا أختي المواطنة.. يا من حالفك الحظ واقترنتِ بقريبك أو حبيبك من القطاع... فإن كان لديك القليل من هموم المواطنة فها هي الدولة توفيكِ المزيد من تلك الهموم!

قانون عجيب في صندوق/دولة العجائب: أكثر ما يثير الدهشة هو حال دولة يصنفها العالم المعولم بأنها راعية لقانون الديمقراطية. على خلاف كل جاراتها في الشرق الأوسط، التي تصنف بعديمة الديمقراطية، ولكن على أرض الواقع يفتقر مواطنو هذه الدولة «الديمقراطية جداً» الأصليون إلى أبسط حقوقهم الإنسانية. فابتهجي أيتها الدول العربية المجاورة إذ بعد أن كان يعتقد أو يأمل البعض أنك ومع مرور السنين لربما تتأثرين بالبعض ولو اليسير من هذه اليمقراطية – اليسيرة أصلاًً - خاب الظن وبَهت الأمل. وها نحن مواطنو هذه الدولة نُفاجَأ بتفشي عدوى اللا-ديمقراطية المقننة في المنطقة وتغلغلها في إسرائيل. مع أن هذا لا يعني أن الحال قبل الآن كان عال العال، إلا أن هذا التقنين العلني والصارخ في هذه المرحلة التاريخية بالذات له مدلولات أعمق بكثير مما يتوقع البعض.

على المستوى الإقليمي يطرح سؤال هام، وهو: لقد تحول قطاع غزة المحاصر-المعزول-المدمر، وبقدرة قادر صهيوني – وبمجرد شحطة قلم صهيوني أيضاً – إلى دولة ولكنها «دولة معادية».. فماذا أنتم فاعلون أو حتى قائلون؟ وربما يأتي الجواب سريعاً من أي مراقبٍ، أياً كان مستوى معرفته، وهو: للأسف.. لم تهتز له جل الأنظمة العربية حتى الآن، ربما لأنها لا تقرأ أو أنها ترفض أن تقرأ ما يجري على ساحتها وفي قلب قضيتها.

أما على المستوى العالمي «المعولم!»، وفي الوقت الذي لم تنجح فيه أمريكا ولا الإتحاد الأوروبي ولا بقية دول العالم بتصنيف قطاع غزة «دولة معادية» - بغض النظر عن مواقف الغرب (والبعض غير القليل من العرب) من حركة المقاومة الإسلامية – تتحفنا إسرائيل بنشوء دولة يحدها من الشمال والغرب حواجز وعسكر وإحتلال، ومن الشرق بحر ملغوم وممنوع من الإستعمال، ومن الجنوب رمال تحركها أجهزة المخابرات المصرية وتحت إمرة إسرائيل. ويعتقد بعضنا أن هذا ليس بالخبر الجديد إذ، وفي خضم الإنتفاضة الثانية، وعندما أخذت على عاتقها - بعد أحداث 11 أيلول – أن تكون الناطق الرسمي بإسم أمريكا، أعلنت إسرائيل أن قطاع غزة «كيان معادٍ». ولكن الآن ننتقل من النهج السياساتي إلى النهج التشريعي والتقنين العام.

في مواقع كثيرة وعند دراسة بعض القوانين والأنظمة في الدول الديمقراطية يعي طالب/ة العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية، أو غيرها من العلوم التي تعنى بتفسير وتنظيم علاقات البشر بين بعضهم أو بينهم وبين الدولة وبالذات إذا كان الحديث عن دولة تصنف نفسها أو يصنفها المجتمع الدولي بأنها ديمقراطية، تعي وجود منطق سياسي وأخلاقي كامن وراء سن قوانين معينة. ويدرك الطالب/ ة أن الحزب الأقوى والأكبر عددا يمكنه سن أي قانون يراه مناسبا، لمصلحته ومصلحة دولته، وبما يعزز النظام الديمقراطي ويجعله مقبولا على المُستَهدَف وكذلك على مكانة الدولة بين بقيه دول العالم وشعوبه. أما أن يسن قانون مبني في جوهره على تجريم شعب مواطن، وكذلك على استحداث دولة لم يسمع بها العالم من قبل فهذا ما لم يكن بوارد أي نوع من العلوم، لا القانونية ولا السياسية ولا البشرية ولا حتى علوم الغيب!

قضية هذا القانون ليست بسيطة، وهي لا تتعلق بفرد واحد ولا ببضعة أفراد فقط من مواطني الدولة الفلسطينيين. هذا القانون يجب أن يقض مضاجع كل المواطنين، الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، وكذلك كل الدول وبالذات العربية منها ممن يؤمنون بالديمقراطية وما تعنيه من حريات.

ففي هذه الفترة بالذات وإبان إنتخاب اوباما ومحاولاته لإعادة مسار «السلام» –أما شكل هذا السلام فلنتركه لمناسبة أخرى – إلى المنطقة ليتسنى له الإهتمام بقضاياه الكبرى (كالإقتصاد وإيران وغيرهما...).. تطلعنا دولة النكبة أن المقصود بدولتي المستقبل، هما: دولة إسرائيل، بكل ما استولت وتستولي عليه من أراض ومساحات، ودولة «فلسطين» بما تبقى لنا/ لكم من أرض بدون القدس وبدون «دولة غزة» وطبعا ليس قبل أن نسقط/ تسقطوا حق العودة! وهذا ما يعجز عن فهمه المنطق، ويستهجنه الشرع الدولى، وتخور تحته كل الأخلاقيات السياسية. فماذا أنتم بفاعلين يا دول العرب الكثيرة بعددها، الغنية بمصادرها واللاهثة وراء أمريكا؟!

مما لا شك فيه أن لهذا القانون/القضيه أبعادا أخرى خاصة ومحلية وتؤثر مباشرة على كل مواطن/ة عربي/ة فلسطيني/ة. فمنذ ما يزيد عن 61 عاما بقي الجزء الأكبر من هذا الشعب بعيدا عن أهله وأفراد عائلاته ممن هُجِّروا والتحفوا الأرض والخيمة في دول عربية مجاورة كسورية ولبنان. وهنا، وبعد أن أستثنى مصر والأردن - فهما دولتا جوار وصديقتان ويستثنيهما القانون الإسرائيلي من نعوت «دول العدو» – أستحضر قول أمي وجل أمهاتنا عندما فكرن: لا بأس، وبرغم منا، سنتنازل عن رؤية إخوتنا وأخواتنا وبقية عوائلنا المهجرين في لبنان وسوريا ونسكت على مضض حفاظا على مستقبل أبنائنا وبناتنا من سخط الدولة! وكان الله قد أخذ بيد أمي وبأيدي العديد من أمهاتنا قبل أن تتحول سياسات وممارسات الدولة إلى قوانين مجرمة.

ولكن، وبعد كل هذه السنين، وهذه الإنجازات المهمة لشعبنا وبالذات في نضاله من أجل البقاء في الوطن وحفاظه ليس فقط على هويته، بل وكذلك في دفاعه المستميت لتثبيت حق بقية شعبه بالعودة لا أظننا سنتخلى عن شعبنا وأهلنا في الشتات وبالذات في قطاع غزة المحتل.

ليس غريبا أن يكون قانون» الولاء للدولة» في صميم النظام العنصري والكولونيالي. إذ أن نظاما كهذا يعني، في جوهره، الحد من حرية الفرد ليس فقط في الفكر والكلمة بل كذلك في الحركة والتحرك. فقبل أن يتحول هذا المشروع إلى قانون كان هذا المشروع قد أخذ، وما زال، أشكالا عسكرية وسياساتية مختلفة وطُبِّق، وما يزال، على فلسطينيي الإحتلال عام 1967. فأهل القطاع ممنوعون من التواصل العائلي وزيارة أهاليهم في الضفة والعكس صحيح. وطلاب غزة «الدولة» ممنوعون من تكميل دراستهم العليا بحرية، وأطفال غزة «الدولة» المحتلة، وإن وُفِّقوا بمأوى يقيهم برد الشتاء القارس وشمس الصيف الحارقة، فإنهم يشحذون القلم والورقة ليخطوا عليها كلماتهم الأولى. ولا يختلف الوضع جذريا في الضفة المحتلة. فهم ممنوعون من التجوال بحرية في ذات الضفة، مع أو بدون تفتيش، ولكن بوجود مئات الحواجز.. وهذا هو الحال منذ سنين طويلة. وكان وما زال معظمنا يقول: ما أقسى الإحتلال! ولكن ماذا نسمي تقييد حركة المواطن – طبعا غير اليهودي- في إسرائيل «الديمقراطية»؟

وأخيرا وفيما يخص قانون «الولاء» أكرر عجبي على الدول العربية وغير المطبعة «رسميا» والتي استثنتها الدولة «الديمقراطية» من تصنيفات «الدول العدوة» وأتساءل: كيف أصبحت دول الخليج برمتها وبالذات المملكة العربية السعودية خارج هذه المعادلة؟ أي غزل خفي تحاكي به الدولة الصهيونية دول شمال أفريقيا – باستثناء «ليبيا العدوة»؟

نعم جلنا يدرك الغزل الخفيف (أو الثقيل) بين ملك المغرب وتونس زين العابدين من ناحية وحكام إسرائيل من الناحية الأخرى، ولكن ماذا عن الجزائر أم المليون شهيد؟ كيف أصبحت دولة المقاومة هذه خارج التصنيف الإسرائيلي للدول العدوة والإرهابية؟ ما الدور الذي تلعبه إقتصاديات إسرائيل في سن مثل هذا القانون؟ لأي تطبيع تتوق وعلى حساب من؟ وأخيرا كيف لنا أن نفهم تضمين ايران وباكستان وأفغانستان- وهي ليست دولا عربية – في هذا القانون؟ هل هذا التضمين شكل من أشكال الإرضاء للنظام الأمريكي الحالي؟ أسئلة يصعب على القانون الدولي أن يفقهها وتحتار أمامه كل أخلاقيات المنطق!

أما فيما يخص قضية مشروع القانون الثاني، والذي وإن سُن فإنه سيحظر إحياء ذكرى التطهير العرقي «النكبة»، فإنه توليفة مستحدثة لما يمكن تسميته بـِ «قانون الممنوعات» وهذه كثيرة والحمد لله! فبحسب هذا المشروع يحظر إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، ويمنع «تنظيم أي نشاط جماهيري يعتبر قيام دولة إسرائيل كارثة» ويحدد عقوبة ثلاث سنوات سجن على المخالفين.

وهنا تكشف الدولة/ النكبة عن أنيابها وللمرة الأولى بعد الألف: لا وجود ولا قيمة للمواطن الأصلي وغير المستعمِر وغير المهاجِر؛ لا قيمة لوجوده أو لحريته في التعبير عن رأيه ولا قيمة لمشاعره ولا لذاكرته الشخصية أو الجماعية أو التاريخية.

أختي الفلسطينية المواطنة.. أخي الفلسطيني المواطن: إذا لم تكن/ تكوني قد حددت مشاعرك تجاه دولة إسرائيل «الديمقراطية جداً!!» فالرجاء التفكر، ملياً، بما يلقيه هذا القانون على كاهلك:
✶ إنسي أو تناسي عنصرية الدولة تجاهك في العمل و/أو التعليم و/أو الصحة و/أو حتى في مجال السياسة!
✶ إنسي و/أو تناسي سرقة أراضيك وتشريد أهلك والتضييق عليك على جميع المستويات!
✶ إنسي و/أو تناسي مشاعرك الوطنية وولاءك لأهلك ووطنك وأرضك وشعبك!
✶ فما الولاء للدولة إلا لمن نسي/ت أو تناسى/ت!
✶ وتذكر/ي: أن الدولة فقدت أخلاقها ومشاعرها وقيمها وتستجديك القيم والمشاعر.
تذكر/ي أن الدولة/ النكبة بحاجة لأن تطمئنها الضحية بأنها ليست بكارثة حلت عليك.
✶ تذكر/ي أن كل دولة ديمقراطية تحتفظ بحق الدفاع ليس عن نفسها فقط بل وعلى شكل «ديمقراطيتها» أيضا. وأن الدولة «الديمقراطية» التي تخاف على ذاتها من كلمة، فكر، مشاعر أو حركة مواطنيها، وبالذات أولئك الذين تطلق عليهم «أقلية إثنية»، لا تتعدى كونها كيانا مهزوزا الأساس. فما القوانين ولا التشريعات إلا أدوات تطمين وإضفاء شرعية قسرية لمن لا شرعية له.
لقد كتبت هذه المقالة قبل التعديل الأخير على مشاريع القوانين هذه. ولكن الأفكار المطروحة هنا ما زالت حائرة وتبحث عن أجوبة.

التعليقات