31/10/2010 - 11:02

الردع الصهيوني على حافة الهاوية../ فيصل جلول

الردع الصهيوني على حافة الهاوية../ فيصل جلول
يبدو رئيس الوزراء “الاسرائيلي” إيهود اولمرت كلاعب “بوكر” سيئ التدبير في لعبة تنهض على الرهان والمغامرة المحسوبة وتفترض دراية جديرة بحالة الخصوم النفسية. ذلك بأنه ما كاد يتوهم ويوهم مواطنيه بترميم قوة الردع “الاسرائيلية” عبر قصف موقع سوري “غامض” قرب نهر الفرات في سبتمبر /أيلول الماضي واغتيال القائد البارز في حزب الله عماد مغنية في شباط/ فبراير الماضي حتى تبدد الوهم خلال حرب الأيام الخمسة في جباليا. هكذا بدا في حرب غزة كمقامر متوتر الاعصاب يشتهي ربحا سريعا وحظا جيدا غير مدرك لعواقب رهانه على مسار لعبة تنطوي على مخاطر مصيرية بالنسبة له وربما لدولته.

وإذا كان من المبكر الحكم على النتائج النهائية لـ”حرب غزة” فمن السهل الحكم على بداياتها الدنيئة: وصول المدمرة “كول” لردع المقاومة اللبنانية ثم الاعلان عن “الشتاء الحار” وعن قوة نيران جهنمية ووعود بالقضاء التام على إدارة “حماس” وقطع دابر صواريخ القسام عبر عملية برية واسعة والتبشير بـ”محرقة” فلسطينية تعيد سلطة الرئيس محمود عباس الى القطاع.. الخ.

بينت الوقائع اللاحقة خلال زمن قياسي أن الشتاء الموعود لم يكمل يومه الخامس فيما حصدت “قوة النيران” أسراً بكاملها وبيوتا لمدنيين آمنين. اما صواريخ القسام فقد تجاوزت “سديروت” الى “عسقلان” وما بعدها وانتهت العملية البرية في جباليا بعد الصدام الأول المباشر مع مقاتلين وصفهم خالد مشعل ب”الأسود” الغاضبة، في حين خرجت “المحرقة” من ارشيف النازية لتصبح لعنة دولية على الغازي المرتبك. وبدلاً من أن تعود “السلطة” إلى غزة عادت حماس إلى الضفة وعاد الرئيس محمود عباس إلى موقعه الطبيعي منددا بالعدوان ومجمدا التفاوض.

من جهة أخرى لم تردع “كول” أحدا في لبنان وبخاصة المقاومة التي سيرت تظاهرة حاشدة في جنوب لبنان بمحاذاة الشريط الحدودي في خطوة بالغة التحدي للقوات “الاسرائيلية” المختبئة وراء دشم الباطون المسلح بالقرب من مستوطنة المطلة.

لا نعرف بعد تفاصيل الحسابات التي اعتمدها اولمرت قبل إطلاق عملية “الشتاء الساخن” في غزة. لكن ما نعرفه هو أن مشاهد المجزرة المروعة التي ارتكبها في جباليا حرمته من كل هوامش المناورة الممكنة. فقد فتحت مصر حدودها مع القطاع لمعالجة الجرحى في الظاهر وفك الحصار عمليا عن المقاومين. ونشرت المملكة العربية السعودية بيانا منسوبا الى مصدر مسؤول هو الاعنف ضد المحتل منذ وقت طويل ولعل الرد الاعلامي “الاسرائيلي” العنيف على البيان يفصح عن حجم الأذى الذي تسبب به.

وشهدت دمشق تظاهرة احتجاج مليونية غير مسبوقة في العاصمة السورية وانتشرت بيانات الشجب والادانة على تفاوت حدتها وحيادها في اربع بقاع الارض وأبرز المؤسسات الاقليمية والدولية فبدت “اسرائيل” معزولة تماما حتى من التأييد الامريكي الحماسي.

وسط هذه الظروف يمكن أن نتوقع بلا تردد كبير أن قوة الردع “الاسرائيلية” التي سقطت في حفرة عميقة إثر حرب لبنان الثانية عام ،2006 باتت تستقر اليوم في قاع الحفرة الامر الذي يمكن تبينه بوضوح في المشاهد التالية:

اولا: صار اكثر من ربع مليون “إسرائيلي” تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية، بالإضافة الى مليون آخر محرومين من الأمن والاستقرار النفسي في شمال البلاد خوفا من صواريخ المقاومة اللبنانية.

ثانيا: أضحت “إسرائيل” بحاجة لحماية عسكرية امريكية مباشرة بواسطة البوارج الحربية بدلاً من كونها قاعدة غربية لحماية المصالح الغربية في الشرق الاوسط.

ثالثا: باتت القوات “الاسرائيلية” محدودة الأثر في القتال البري في مجابهة مقاتلين مصممين وهو ما يمكن قياسه من خلال المعارك البرية في جنوب لبنان بالامس، واليوم على تخوم مخيم جباليا.

رابعا: تلقت منظومة الصوارخ الأمريكية المضادة للصواريخ “باتريوت” صفعة بادية جراء عجزها عن حماية المستوطنات والحقت أذى كبيرا بمزاعم “إسرائيل” عن فعالية هذه الشبكة في حماية المستوطنات بعد حرب لبنان.

خامسا: تأكد مرة أخرى أن الطيران الحربي والصواريخ البعيدة المدى ودبابات “الميركافا” لا تحقق نصرا في مجابهة مقاتلين مصرين على الدفاع عن انفسهم حتى الموت.

سادسا: يمكن للفشل “الاسرائيلي” في غزة أن يضعف من تأثير مناهضي المقاومة والممانعة في العالم العربي ويوسع اطار المؤيدين لخيارالقتال.

سابعا: من المنتظر أن تحدث حرب غزة هزة ارتدادية في “إسرائيل” بعد الهزة التأسيسية التي نجمت عن حرب لبنان مع ما يترتب عن ذلك من تصدع كبير في الوسط السياسي “الاسرائيلي”.

ولعل بوادر التصدع الأولى لم تتأخر في الظهور سواء عبر الاتهامات التي وجهت لأولمرت خلال جلسة الحكومة أواخر الأسبوع الماضي ورده عليها بالقول “أين كنتم منذ سبع سنوات عندما كانت صواريخ القسام قيد الاعداد والاطلاق” في حين بدا تهديد الغزاويين بـ”محرقة” مؤذياً إلى أبعد الحدود ليهود الشتات الذين اعتمدوا استراتيجية المحرقة في الدفاع عن انفسهم في مجابهة التيارات اللاسامية في أوروبا والغرب عموما.

أغلب الظن أن ذهنية المقامرة هي التي تقف خلف الرد “الاسرائيلي” على نهوض المقاومة في فلسطين ولبنان وهي التي حالت من دون الإفادة من درس بالغ الدلالة استخلصه أسحق رابين عن مفهوم الردع الجديد قبل توقيع اتفاق أوسلو إذ قال “كان جيشنا القوي يرهب العرب لأنه يحمل اليهم الموت إذا ما تجرأوا على شن حرب ضدنا أما اليوم فإننا نواجه عربا يطلبون الموت لهذا قررت التوقيع على اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية”.

في حرب غزة كما في حرب لبنان تلقت قوة الردع “الإسرائيلية” ضربة قاصمة ليس لأن المقاومين يتفوقون على العدو بسلاحهم وبتقنياتهم القتالية بل لأنهم لا يهابونه ولا يفرون من امام دباباته ويمطرون مستوطناته بصواريخ بدائية أو قديمة الصنع تزرع الرعب والخوف في صفوف قاطنيها وبالتالي تعيد ترتيب قواعد الصراع على أسس مختلفة نراها في جباليا كما شهدنا بوادرها في تفاهم ابريل/نيسان في لبنان عام 1996 وفي تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وصولاً إلى حرب تموز/يونيو عام 2006 وذلك كله على وقع هتاف شهير: من غزة لبيروت شعب واحد لا يموت.

"الخليج"

التعليقات