31/10/2010 - 11:02

السكيزوفرينيا النسوية عشية الانتخابات../ همّت زعبي*

السكيزوفرينيا النسوية عشية الانتخابات../ همّت زعبي*
تُجمع النسويات الفلسطينيات في إحداهن، وأنا إحداهن، أنهن وبنات شعبنا نعاني من القمع المتعدد. فنحن كنساء، مثل جميع نساء العالم، نعاني التمييز في عالم ذكوري، وكنساء فلسطينيات تحديدًا نعيش في مجتمع أبوي ذكوري يساهم في اضطهادنا والتمييز ضدنا على خلفية جندرية، وكبنات للأقلية الفلسطينية نعاني، مثل أبناء هذه الأقلية، الاضطهاد والتمييز في الدولة اليهودية. وعليه، فقد أخذنا على عاتقنا النضال من أجل رفع مكانة النساء الفلسطينيات ومحاربة الاضطهاد والتمييز بجميع أشكاله.

لا نختلف في تحليلنا لدور الدولة اليهودية في استمرار التمييز ضدنا، ونجمع على أن استمرار التمييز ضد أبناء شعبنا يعزز ويرسخ دونية النساء في مجتمعنا. وعلى الرغم من تعدد مجالات عملنا، نشدد على ضرورة مجابهة عنصرية الدولة اليهودية ضد أبناء وبنات شعبنا.

منذ سنوات وحتى الانتخابات البرلمانية القريبة، طالبت الناشطات النسويات وبشدة بزيادة تمثيل المرأة في السياسة المحلية والقطرية، المجالس المحلية البرلمان ولجنة المتابعة، كإحدى الآليات لمشاركتها الفعالة في صنع القرار وكرافعة لمكانة المرأة ومساواتها، وذلك إيمانا منهن بجدارة النساء وقدرتهن على تمثيل بنات وأبناء شعبنا في الحياة السياسية، وفي مواقع صنع القرار، ولكي تكون النساء اللواتي حقّقن انجازات سياسية قدوة ومثالا لأخريات. وكانت الناشطات النسويّات قد عيّرن الأحزاب الوطنية أن المرأة العربية الأولى التي دخلت الكنيست تنتمي لحزب صهيوني ولا ترتقي إلى تمثيل طموحاتهن، لا السياسية ولا الاجتماعية.

كذلك، أجمعنا نحن النسويات في الداخل الفلسطيني، كما في الأراضي المحتلة عام 67، على انه لا يمكن فصل العام عن الخاص، وأنه من المستحيل فصل السياسي عن الاجتماعي. بناءً على ذلك، شدّدنا على عدم تفضيل السياسي، بمفهومة الضيق الذي يتركز في حل سياسي لقضيتنا الفلسطينية، على التعامل مع القضايا الاجتماعية. وكنا السباقات للمطالبة في طرح حل شمولي للتعامل مع قضايا مجتمعنا السياسية والاجتماعية. رفعنا صوتنا عاليا ضد مطلب السياسيين تأجيل مطلبنا الصادق للمساواة بين الرجل والمرأة إلى حين حل القضية السياسية.

وها نحن الآن نمتحن صدق ادعاءاتنا ومطالبنا، وتُمتحن مواقفنا على ارض الواقع. فالتجمع الوطني الديمقراطي ولأول مرة في تاريخ شعبنا، يرشح امرأة في المكان الثالث والمضمون، ويأخذ الدور الريادي في حسم نقاش تحصين مكان مضمون لامرأة في قائمة مرشحيه. وقد عبّر التجمّع بذلك عن نضوجه الفكري واستعداده لطرح آليات ملموسة لتطبيق مشروعه السياسي والاجتماعي، خلافًا لأحزاب ترفع شعار المساواة الجندرية، من جهة، وتهاجم آلية التحصين من جهة أخرى.

لن تكون مرشحة التجمع- حنين زعبي- المرأة العربية الأولى التي تدخل البرلمان، ولكنها بالتأكيد ستكون النائبة العربية الأولى التي تمثل رؤية المرأة الوطنية الفلسطينية والمصالح السياسية والاجتماعية الحقيقية للفلسطينيين.

يدعم مجتمعنا الذكوري والأبوي، برجاله ونسائه، بمتديّنيه وعلمانييه، من كافة الديانات ومن كافة القرى والمدن العربية، ترشيح التجمع لحنين زعبي، ويوقع المئات على عريضة تأييد وصولها إلى الكنيست، بما تمثله من رؤية وطنية ونسوية. هذا الدعم، بحد ذاته، يثبت أننا على الطريق الصحيح، وأن المجهود الشاق الذي نبذله للمطالبة وللحصول على المساواة تجدي نفعاً، كما وتثبت الكثير من النسويات بدعمهن لحنين زعبي والوقوف إلى جانبها صدق وحقيقة مواقفهن النسوية، بدون الانخراط في صفوف حزب التجمّع ودعم طروحاته السياسية بالكامل.

من ناحية ثانية، استهجن مواقف بعض الناشطات النسويات والأطر النسوية، وأقف عاجزة عن فهمها. فعلى الرغم من مرور أشهر على ترشيح حنين زعبي للمقعد الثالث والمضمون في التجمع، وقبل بدء الحملة الانتخابية، لم تبارك بعض هذه الأطر هذا الترشيح الذي يعد الأول من نوعه، والذي يتجاوب مع أحد مطالبها الرئيسية والمركزية. واليوم، وفي خضم الحملة الانتخابية، نجد بعض من حملن وعملن ودعمن، على مدار سنوات، شعار تمثيل النساء في مواقع اتخاذ القرار تخترن مصالحهن الشخصية والحزبية وحساباتهن الضيقة لتصطففن وراء أحزابهن وتشاركن في التهجم على التجمع وتبادرن إلى مهاجمة مرشحته، باستعمال وترسيخ مفاهيم ذكورية، لطالما حاربنها قبل الانتخابات.

وهناك قضية مقاطعة بعض النسويات للانتخابات البرلمانية اللواتي يدعين، وبوجه حق، أن البرلمان الإسرائيلي لا يمثلنا كفلسطينيين في الداخل، وأن مشاركتنا فيه تعطي شرعية للدولة اليهودية. على الرغم من الاختلاف الجوهري والمبدئي بين هذا الموقف وبين الموقف الأول تبقى النتيجة واحدة. ففي غياب مشروع سياسي اجتماعي تكون فيه المقاطعة إحدى الآليات، وليس الهدف بعينه، تبقى نداءات المقاطعة عشوائية لا تطرح بديلا وإن كانت تعتمد على أساس أخلاقي. وهي بذلك، لا تشكِّل مجموعة ضغط، ولا تقوى على إحداث أي تغيير مرجو. لا بل إنها قد تأتي بنتائج سلبية لم يقصدها الداعون إلى المقاطعة، فالمقاطعون والمقاطعات بفعل الدوافع المذكورة أعلاه محسوبون على التيار الوطني والقومي، وهم إن صوتوا فسيدعمون بأصواتهم/ن التجمع الوطني الديمقراطي، مما يعني أن مقاطعتهم/ن اليوم قد ترضي ضمائرهم/ن ولكنها يمكن أن تضّر، دون قصد، مصالح أحزابنا الوطنية.

على المستوى النظري، إن مقاطعة النسويات للانتخابات التي ترشَح فيها، للمرة الأولى، امرأة عربية في حزب عربي وطني، تكرس الفكر الذكوري الذي يعطي أولوية للسياسة وللحيز العام على القضايا النسوية والنسائية والاجتماعية، وعلى المستوى العملي، تساهم النسويات بذلك في ضرب مطالبنا النسوية، ويشاركن في تعطيل بعض الانجازات النسوية.

وصول حنين زعبي كممثلة للنساء الفلسطينيات سيعود بالفائدة على جميع أبناء وبنات شعبنا، ويساهم، بدون شك، في إيصال وطرح مطالبنا النسوية داخل مجتمعنا ويساعدنا على مواجهة التهميش والتمييز والاضطهاد.

التعليقات