31/10/2010 - 11:02

الصراع الفلسطيني- الفلسطيني من منظور واقعي../ عوني فرسخ

الصراع الفلسطيني- الفلسطيني من منظور واقعي../ عوني فرسخ
الواقعية الحقة لا تكون بتسليط الضوء على بعض جوانب الواقع وانما هي النظرة الشمولية له بكل أبعاده، ودون ذلك قصور في الرؤية لا يؤدي الى إدراك موضوعي للواقع ولا استشراف علمي لاحتمالات تطوره.

وحين تقرأ وجهات النظر الشائعة حول الصراع المحتدم بين سلطتي رام الله وغزة، يتضح أنها في غالبيتها لا تعكس قراءة واقعية لمجريات الأمور ولا تقويماً موضوعياً يؤسس لقرارات صائبة. ذلك لأن ما يقال ويتردد لا يخرج في معظمه عن افتراضات ينظر إليها وكأنها حقائق مسلم بصحتها، مع أنها مسائل تقديرية قابلة للنقاش. وهذا ما أحاول الاجتهاد بإيضاحه في النقاط التالية:

* أولاً: حقاً إن الصراع محتدم بين أركان السلطة في رام الله وغزة، ولكن مضمونه غير قاصر على صلاحيات السلطتين، ولا على ادارة شؤون المواطنين في الضفة المحتلة والقطاع المحاصر، والذين لا يجاوزون 30% من الشعب العربي الفلسطيني. ذلك لأن موضوعه يتناول مجمل قضايا الصراع الذي فرض على شعب فلسطين وأمته العربية. وأن يكون واقع الصراع كذلك فإن من حق مختلف القوى الوطنية الفلسطينية في الشتات والأرض المحتلة سنة 1948 أن تؤخذ وجهات نظرها في الاعتبار.

* ثانياً: ليس أبعد عن الواقعية من تصوير الصراع وكأنه بين “فتح” و”حماس”، ذلك لأنه بين رموز “فتح” التاريخية وقواعدها قطاع غير يسير لما يزل وفياً لخيار التحرير والعودة الذي قامت على أساسه ولقيت القبول الشعبي لإعلانها الالتزام به. كما أن فريق أوسلو الذي يقوده الرئيس محمود عباس غير قاصر على الفتحاويين، وانما يضم رموزاً من فصائل أخرى وشخصيات وجدت في المفاوضات العبثية وعدم الممانعة في تقديم التنازلات المجانية ما يؤمن مصالحها الذاتية والفصائلية، وبالمقابل ليست “حماس” وحدها التي ترفض التفريط بالثوابت الوطنية، وإنما هي من بعض التيار الملتزم بالمقاومة خياراً استراتيجياً، والذي يضم قوى وشخصيات وطنية وقومية واسلامية، تعبر عن موقفها من الصراع الراهن برفضها الحصار الظالم على قطاع غزة، كما ترفض ضغوط النظام الرسمي العربي لقبول تسوية غير متكافئة والخضوع لشروط “الرباعية الدولية”.

* ثالثاً: ليس من حركة وطنية في التاريخ الحديث لم تعرف الانقسام بين الملتزمين بالثوابت والمستعدين للمساومة عليها، كما أنه ليس من حركة لم تعرف الصراع بين التيارين. وبالنسبة لشعبنا العربي فإنه منذ صدور وعد بلفور سنة 1917 انقسمت قواه السياسية بين المدركين أن الأمة في مواجهة استعمار استيطاني عنصري متحالف عضوياً مع قوى الهيمنة والاستغلال الدولية، في مقابل الذين لم يروا من الواقع المستجد سوى الخلل في موازين القوى لصالح التحالف الاستعماري - الصهيوني، فاعتمدوا مخاطبة طرفه الاستعماري سعياً لتسوية يحفظون بها مصالحهم الذاتية على حساب الثوابت الوطنية، التي والوا التنازل عن بعضها بحيث كادوا يسقطونها جميعها، من دون التنبه إلى أن الأمة في مواجهة استعمار استيطاني عنصري المعركة معه “مباراة صفرية” لا تحسم بالتنازلات المتبادلة. وحين يدور الصراع بين الملتزمين بالثوابت والمستعدين للتنازل عنها فإنه غير واقعي الزعم بأنه أضر بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني.

* رابعاً: غير واقعي بالمرة، ولا هو موضوعي بتاتاً، الادعاء بأن “اسرائيل” وجدت في الانقسام الفلسطيني ذريعة لعدم الوصول للتسوية، ذلك لأن الانقسام موضوع الشكوى المتأتي عن سيطرة “حماس” على قطاع غزة انما يعود لحزيران / يونيو2007 أي أنه لم يجاوز عاماً وثلاثة شهور، في حين انقضت خمسة عشر عاماً على توقيع اتفاق أوسلو دون أن تفي “اسرائيل” بأي من التزاماتها بموجبه، أو يجري التوصل لأي تسوية برغم توالي المفاوضات وتقديم التنازلات المجانية خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وذلك إنما هو النتاج الطبيعي لعجز المفاوض الفلسطيني عن استثمار صعود المقاومة في فلسطين ولبنان، وما هو ثابت من أنه بات بالإمكان انتزاع الحقوق الوطنية إن جرت مواجهة العدو بالإرادة الفاعلة، كما جرى بالانسحاب من جنوب لبنان ثم من قطاع غزة، وليس مثال صفقة تحرير الأسرى التي أبرمها حزب الله قبل شهور ببعيد.

* خامساً: ليس الصراع بين شركاء المسيرة مرفوضاً بشكل مطلق، ولا هو ضار بالمصالح الوطنية دائماً، وإنما هو مقبول، بل ومطلوب، حين يكون بين الملتزمين بالثوابت الوطنية والمفرطين بها. وفي تاريخنا العربي ما يدل على أن أعظم انجازات الأمة في النصف الثاني للقرن العشرين إنما تحققت في الزمن الذي بلغت فيه الصراعات العربية - العربية أشدها. وهذا ما يوثقه د. أحمد يوسف أحمد في دراسة استطلاعية لسنوات 1945 - 1981 صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية سنة ،1988 فهو يقول (ص 116) “إن فترة المد القومي الواقعة بين منتصف الخمسينات وهزيمة 1967 كانت أكثر فترات التطور العربي المعاصر ازدهاراً من حيث الروح القومية، والانجازات التي تمت في مجالات التحرر من الاستعمار وصد محاولاته للعودة في ثوب الأحلاف العسكرية المرتبطة به، وتغيير خارطة النظم السياسية العربية الى الأفضل، ومحاولة بث مفاهيم العدالة الاجتماعية في النضال القومي العربي، وربط الجماهير العربية بهذا النضال على نحو ليس له مثيل. وهي في الوقت نفسه أكثر مراحل هذا التطور العربي المعاصر صراعا”.

* سادساً: نسبت صحيفة “هآرتس” لمصدر رسمي مصري لم تذكره قوله إن الرئيس مبارك كان يستطيع أن يطلب من ياسر عرفات أن يوقع فيفعل، ولكنه اليوم لا يستطيع تحقيق ذلك مع أن محمود عباس مستعد للتوقيع ولكن ليس لديه الصلاحيات التي كانت لعرفات لدى الجمهور الفلسطيني، ولا سيما بعد الشرخ مع “حماس”. وحين تؤخذ في الحسبان طروحات أبي مازن في حوار فضائية “العربية” معه ثم مع “هارتس” مؤخراً يبدو جلياً أن الشرخ مع “حماس” كان منتجاً بتعطيله التسوية وفق طروحات الرئيس عباس، وبالتالي يغدو الحكم على الصراع الدائر بين سلطتي رام الله وغزة ومناصري كل منهما فلسطينيا وعربياً رهناً بمدى نجاح أو فشل حوار الفصائل الفلسطينية في تأكيد الالتزام بكامل الحقوق الوطنية في مواجهة مخطط تصفيتها بقرار رسمي عربي.

والسؤال الأخير: هل ان قيادة حماس، التي عقدت اتفاق “تهدئة” مع العدو الصهيوني لتؤمن بعض احتياجات القطاع والتخفيف من معاناة مواطنيها، لديها الاستعداد للانفتاح على رفاق المسيرة والمصير في القطاع، وحصر الجدل السياسي حول الثوابت الوطنية والانتباه لخطورة محاولة فرض رؤاها الاجتماعية واجتهاداتها في تفسير وفهم النصوص من الكتاب والسنة على جمهور، متعدد الرؤى والقناعات، والتصرف من منطلق ادراك أن الجميع شركاء مسيرة ومصير في مواجهة الاحتلال والحصار، باعتبار أن انفتاحها على مختلف القوى سبيل تحصين جبهتها الداخلية وتعزيز قدراتها في مواجهة نذر الضغوط الرسمية العربية التي تلوح في الأفق؟
"الخليج"

التعليقات