31/10/2010 - 11:02

الصواريخ وحدها لا تكفي../ فادي العلي*

الصواريخ وحدها لا تكفي../ فادي العلي*
قد نختلف فيما بيننا حول الكثير من التفاصيل الفلسطينية، لكننا نتفق جميعا من في السلطة ومن هو خارجها، ومن يعارض سياساتها، وحتى من لم يعترف بجدوى وجودها.. نتفق بأن هناك غضباً يجمعنا، وبأن هذا الدم يصرخ في وجوهنا قبل أن يصبح لعنةً على عالم انقسم بين متفرج ومتواطئ.. وكلاهما مذنب وإن اختلفت الدرجات والتسميات..

وانطلاقاً من هذا الواقع، لابد من الغوص في تفاصيل المشهد السياسي الفلسطيني بما يحمله من أحداثاً يومية باتت شبه اعتيادية، فرائحة الدم الفلسطيني لم تعد كافية لإثارة الغضب أكثر من عشرة دقائق في قلب المشاهد العربي، فالغضب بات سلعةً قديمة لا تلقى رواجاً ضمن المفاهيم الإجتماعية السائدة الآن، والتي نجحت بتحويل هذه المجتمعات إلى أسواق كبيرة تتم فيها كل أشكال البيع والشراء.. كما باتت طقوس الإستهلاك ثقافة سائدة، والإبتعاد عنها يخلق اتهاما حاسماً... بأنك رجعي الهوى.

فمنذ سنوات طويلة والإحتلال الإسرائيلي يمارس أشكالاً متعددة من القتل المعنوي والجسدي تجاه الوجود الفلسطيني على أرضه، كما اعتدنا بأن تتبع هذه الممارسات جملة من المواقف الفلسطينية، فالإدانة والشجب باتا موقفا ثابتاً للسلطة، والتوعد والنفير وعبارات الثأر والرد المزلزل.. صارت لغة روتينية لقوى المقاومة.. وبعد ذلك تتوالى الإتهامات بين الطرفين، فقوى المقاومة حافظت على اتهام متواصل في وجه السلطة بأنها لاتلقي بالاً لممارسات الإحتلال، وبأنها تكتفي بمواقف باهتة وتتجاهل الضرورة التي يمليها الواقع لكي تقوم بعملية مراجعة لنهجها السياسي المتمثل ) بمفاوضات حتى النصر..(.

أما الجهة الأخرى، أي السلطة.. فترى بأن هناك مراهقةً واضحة في مطالب المقاومة، فوقف المفاوضات برأيها يعطي الإحتلال ذريعةً جديدة تغطي فظائعه، وبأن الإحتلال استفاد كثيراً من الترويج ومن خلال حملة علاقات عامة ممنهجة، أنه لا يجد شريكاً فلسطينياً للتفاوض معه، وبضرورة توحيد القرار الفلسطيني كما السلاح تحت غطاء الشرعية التي اكتسبتها من صفحات وخرائط اتفاق أوسلو، كما أنها مرتبطة وملزمة باتفاقات لا تستطيع الخروج عنها أو مراجعتها، حتى لو أعلن الطرف الآخر، أي العدو ، موتها ورقياً وواقعياً..

في ظل هذه الجملة من المبررات وقع الشعب الفلسطيني في بحر من المتناقضات السياسية غير المتناهية، بل والتي أصبحت مترابطة بشكل تلقائي مع كل موجة جديدة من الإعتداءات الإسرائيلية المباشرة، فالتناقض الأبرز والأوضح كان من طرف حركة حماس من خلال سلطتها في غزة، فهي من جهة تطالب السلطة في رام الله باتخاذ حزمة من المواقف الفورية وعلى رأسها وقف عملية التفاوض مع الإحتلال كرد فعل طبيعي يفرضه واقع الدم الفلسطيني المراق بفعل الفاشية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته تتجاهل، وتتناسى، أي حركة حماس، بأنها ساهمت خلال الأشهر الماضية من خلال )) انتصاراتها وتحريرها الثاني للقطاع )) في جعل الواقع الفلسطيني أكثر هشاشة في وجه هذا العدوان، وبإهداء الذرائع على طبق من فضة للبعض الفلسطيني والعربي للهروب من عبء هذه القضية، وساهمت أيضاً في وضع القضية الفلسطينية بمجملها تحت رحمة التوظيف الدولي لهذا الإنقسام، كما تعفي حركة حماس نفسها من القيام بأي خطوة، لكنها تطالب الآخرين بها، فهي تطالب الرئيس عباس بتجميد المفاوضات من جهة، وهي تعلم تماما بحكم وجودها في هذه السلطة، بأن الأرضية السياسية التي قامت عليها هذه السلطة سواء في الضفة أو في غزة، هي ما يسمى بالعملية السلمية، والتي يشكل التفاوض واحداً من أبجدياتها، ومن هنا فإن قرارا بوقف التفاوض لايعني إلا إغلاقاً كاملاً لكل الأبواب.. وهذا لم يحدث حتى عندما تعمد الإحتلال إغلاق الأبواب وحتى منافذ التهوية على الشهيد ياسر عرفات داخل المقاطعة في رام الله.. واغتياله فيما بعد.

ومن جهة أخرى تتناسى أنها الآن على رأس السلطة في قطاع غزة وبأنها على عكس سلطة رام الله، غير مرتبطة بسلسلة إتفاقات والتزامات، فلماذا لا تعلن حلها للسلطة في غزة؟ ولماذا تمتنع عن إعلان حالة مقاومة كاملة على أرض القطاع على اعتبار أن قوات العدو لم تنسحب فعلياً من هذه الأرض )رغم احتفالنا بانسحابه(، وبأن تعلن و بشكل واضح بأن هذا القطاع كما الضفة مازال رازحاً تحت ظلم الإحتلال، ولأهلنا فيه حق المقاومة..

ولماذا هذا التشبث بالسلطة على الرغم من إدراكها بأنها وقعت بفخها؟ ولماذا تتطالب الرئيس عباس بالخروج من سجن سلطته على الرغم من وضوح مواقف هذا الرجل وخلفيته السياسية داخل مؤسسات منظمة التحرير، والتي جاهر تحت سقف مجالسها بميله للعمل الوطني السلمي.. وهذا مالم يخفه في طيات برنامجه الإنتخابي الذي أوصله إلى رأس السلطة.. على نقيض حركة حماس التي وصلت إلى السلطة على إيقاع برنامج المقاومة.

وبالطبع هذه الأسئلة لا تُعفي الرئيس عباس من تساؤلات تدور في أذهانِ الفلسطينيين صوب عملية التفاوض والتي يتبناها بالمطلق، وقد تكون أبسطها.. إلى متى يبقى الرهان قائماً على تحول ما يحمله هذا العدو لنا؟ وماهي النتيجة المرجوة سياسياً من الإلتصاق الكامل )بمراكز الإعتدال العربي( وهل سياسة الإنتظار التي تنتهجها السلطة كافية لخلق المناخ الدولي الذي يعترف بثوابتنا وحقوقنا كاملةً؟ ألا يتطلب ذلك موقفاً فلسطينياً حازماً يصل إلى صناع القرار في إسرائيل والعالم بأنه لا تفاوض ولا سلام تحت ضغط النار والاستيطان والتهويد؟

فإذا كان هناك من يرى بأن البقاء ضمن حلقة التسوية والتفاوض قدراً عربياً ودولياً لامناص منه، عندها يمكننا استحضار المئات من المشاهد والحقائق الموجودة على أرض الواقع في الضفة والقطاع والقدس، بعد قبول السلطة لهذا القدر، فإن دم الفلسطيني مازال نازفاً، وحواجز إذلاله قائمة، ،وأسراه يعيشون في إعدامٍ فعلي، والإستيطان يبتلع الأرض والإنسان معاً، لذا.. وبالاستناد للواقع فإن الإستمرار بهذا النهج لم يعد مجدياًٍ، وبات ثمنه باهظاً على الدم الفلسطيني، والمفارقة المؤلمة هنا، أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان في ظل عملية السلام هو أضعاف مايقع عليه من ويلات خلال فترات المواجهة العلنية.

وعليه، قد يكون على الرئيس عباس إعادة النظر في تطبيق ما يحمله من رؤى وقناعات، ولكونه الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني، فهو مطالب وطنياً بالانفتاح وبشكل أكبر على الآخر، سواء على شركائه في السلطة في غزة، أو على باقي الطبقة السياسية والإجتماعية، فجميعنا شركاء على هذه الأرض، وشركاء في تقرير المصير، فلا يحق لأيٍ كان، مهما عظمت قدراته الفصائلية وقوة حضوره العسكري والسياسي بأن يتجاهل أن الوطن هو الإطار الأكبر وهو الجامع أيضاً، وبأن قضايانا المصيرية كما همُنا الوطني وتفاصيله الدامية غير قابلة للتوظيف والإستخدام السياسي تحت راية خضراء أو صفراء، وإن مواجهة هذا العدوان قضية كبيرة لا تُختزل بإطلاق الصواريخ فقط، كما لا تكفي الإدانة، فما هو مطلوب استراتيجية فلسطينية، وجملة من تكتيكات جديدة تأخذ في حسبانها متغيرات الخريطة السياسية الفلسطينية، وحقيقة الواقع العربي القائم على المستويين الرسمي والشعبي، وقراءة المشهد الدولي والبناء عليه..

فليس قدراً على هذه القضية بأن تبقى أسيرة إما لغضبٍٍِ الحناجر أو إبتسامات المفاوضين...

التعليقات