31/10/2010 - 11:02

العرب بين أولبرايت وليفني../ محمد السعيد إدريس

العرب بين أولبرايت وليفني../ محمد السعيد إدريس

من حق مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أن تقدم النصح والإرشاد كما تريد للرئيس الأمريكي الجديد الذي سينتخبه الشعب الأمريكي في نهاية هذا العام، بل من واجبها أن تقوم بهذا العمل، فهذه مسؤولية وطنية، خصوصاً في ظل سياسات الكوارث التي تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية، لكن ليس من حق تسيبي ليفني وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” أن تقدم النصح للقيادات العربية لتعليمهم كيف لهم أن يعدلوا من سلوك وأفكار ورؤى شعوبهم، كي تصبح الشعوب بمستوى وعي القيادات، التي تفترض ليفني، أنها أضحت قادرة على تفهم وقبول السياسة “الإسرائيلية” والتعامل معها بالشكل الذي يريده “الإسرائيليون”.

نصائح أولبرايت قد نختلف أو نتفق معها، لكنها ليست موجهة إلينا نحن مباشرة، بل هي موجهة إلى الرئيس الأمريكي القادم، رغم ذلك فهي تمس مصالحنا العربية الاستراتيجية، بل والحيوية بعنف، وتكشف لنا عن واحدة من أهم الحقائق في السياسة الأمريكية وهي الاستمرارية والتوافق الوطني حول المصالح الاستراتيجية، والمصالح العليا منها على وجه الخصوص، بين الحزبين الكبيرين المتنافسين على السلطة في واشنطن: الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ولعل هذا ما دفع أولبرايت إلى إعداد ذلك الكتيب، شديد الأهمية، الذي حمل عنوان “مذكرة إلى الرئيس المنتخب”، فهي لا تدري من سيفوز بالرئاسة الجديدة، هل هو أحد المرشحين الديمقراطيين: هيلاري كلينتون وأوباما أم المرشح الجمهوري جون ماكين، لكن وعيها بالمسؤولية الوطنية واحترامها لها دفعها إلى أن تقدم النصيحة خالصة لوجه الوطن، الأمر الذي يحمل رسالة مهمة إلى العرب، سواء كانوا من القيادات أو كانوا شعوباً، وهي التريث في التفاؤل والمراهنة على حدوث تحول، ولا نقول تغييراً، له اعتباره في الخيارات السياسية والاستراتيجية للرئيس الأمريكي القادم، خصوصاً ما يتعلق بالقضايا الكبرى التي تهم العالم العربي.

ولعل نصيحة أولبرايت للرئيس الجديد في ما يتعلق بدعوة تقسيم العراق تكفي لتأكيد ذلك.

أولبرايت ترى أن الحل الأمريكي الأمثل للمعضلة العراقية هو التقسيم، أو على الأقل “السماح بانقسامه بمقدار كافٍ يتيح انشاء حيز للعيش للشيعة في الجنوب وللأكراد في الشمال وللسنة فيما بين الشيعة والأكراد”، وهي تبرر ذلك بأن “العراقيين قطعوا شوطاً نحو التقسيم”.

نصيحة، أقرب إلى الجريمة، تضاف إلى الكثير من الجرائم الأمريكية في العراق، لأن ما يهم الأمريكيين، سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين، هو تأمين السيطرة على العراق واخضاعه لنفوذهم، ولا يهم في ذلك إن كان موحداً أم مقسماً، ولا يهم إن كان التقسيم طبيعياً أم مصنوعاً وبأيد وسياسات أمريكية سبقت غزو العراق واحتلاله.

رغم ذلك، تبقى نصائح أولبرايت لرئيسها، أما نصائح ليفني فهي لنا نحن العرب، وبالتحديد القيادات العربية، حيث شاركت في أعمال “منتدى الدوحة الثامن للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة”، الذي أنهى أعماله يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة القطرية، فهي أرادت أن تتعامل من منطلق الأمر الواقع مع قبول القادة العرب لفرضية الشراكة مع “إسرائيل”، التي نصح بها الرئيس الأمريكي جورج بوش العرب في زيارته لبعض العواصم العربية في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما طالب العرب باتباع سياستين: الشراكة مع “إسرائيل” والعداء لإيران.

ما تريده ليفني هو تعميم ما يسمونه “ثقافة السلام” أي ثقافة الاستسلام ونبذ ثقافة المقاومة. ولأنهم يدركون أن وعي الشعوب هو الباقي فإنهم يريدون اغتياله وتحريفه، ولن يستقر لهم أمن من دون تحقيق هذا الهدف. هم يريدون الاستسلام الشعبي عبر تطويع الرأي العام العربي واخضاعه لشروط السلام “الإسرائيلي”.
"الخليج"

التعليقات