31/10/2010 - 11:02

العربي إذ ينتظر "غودو" الأمريكي../ فيصل جلول

العربي إذ ينتظر
تدور في "إسرائيل" هذه الايام مسرحية هزلية لا يبذل أصحابها جهداً يذكر لإخراجها بطريقة لائقة وهي تطال رئيس الوزراء ايهود اولمرت الذي يتعرض لحملة تشنيع غير مسبوقة جراء تلقيه رشى من رجل اعمال يهودي مقيم في الولايات المتحدة الامريكية. وتفيد الانباء الواردة من تل أبيب بأن الرجل ظل يرشو اولمرت طيلة عقد ونصف العقد وقد خطر له أن يكشف النقاب عن الرشاوى عندما اكتشف أن المفاوضات السورية "الإسرائيلية" حول الجولان تحرز تقدما ملحوظا وبما انه ينتمي إلى التيار المؤمن بدولة "إسرائيل" الكبرى من الفرات إلى النيل، وبالتالي من المناهضين للتخلي عن الجولان فقد ارتأى هو أو من يقف خلفه أن يقطع الطريق على هذه السيرورة عبر الاطاحة برئيس الوزراء المرتشي، ما يعني أن الأمر لا يتصل بمبدأ الرشوة وانما بالدفاع عن بقاء الاحتلال جاثما على أرض سورية محتلة.

وتبدو المهزلة "الإسرائيلية" فاقعة إذا ما لاحظنا أن سقوط أولمرت سيتم بسبب الجولان في حين أنه كان يجب أن يسقط بسبب هزيمته في حرب لبنان وهي الأخطر، ذلك أن هذا الحدث الأول من نوعه يكاد أن يكون مصيرياً بالنسبة للدولة العبرية التي عاشت من دون الجولان منذ تأسيسها في العام 1948 وحتى العام 1967 في حين تسري شكوك جدية حول قدرتها على البقاء على قيد الحياة بعد الهزيمة اللبنانية.

والجدير بالذكر أن سلاح الرشوة استخدم في مناسبات سابقة وفي ظروف مماثلة، فقد تعرض رئيس الوزراء السابق ارييل شارون لفضيحة مالية عشية انسحابه من غزة عام 2005. وفي العام 1977 أطاحت فضيحة مالية برئيس الوزراء الراحل اسحق رابين الذي عبّر عن رغبته في تحقيق السلام مع العرب وبعث برسائل سرية جدية بهذا المعنى. وما كاد حبر رسائله يجف حتى اندلعت بوجهه قضية شهيرة مفادها ان زوجته تحتفظ بحساب شخصي يحتوي على 75 ألف دولار وليس مسجلاً في مصلحة الضرائب، فكان أن خسر رابين وصعد إلى الحكم التيار الأكثر تطرفاً في "إسرائيل" ممثلاً برئيس الوزراء السابق والارهابي الشهير مناحيم بيغن.

والبادي في هذا السياق انه عندما يخفق الفساد في وضع حد لمبادرة تعيد للعرب اراضيهم المحتلة يتم اللجوء إلى الاغتيال فقد عاد رابين مجدداً إلى الحكم في مطالع التسعينيات وخاض مفاوضات سرية مع ياسر عرفات انتهت بتوقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 وبادر خلال السنوات التالية حتى اغتياله إلى تقديم تنازلات جدية للفلسطينيين ناهيك عن وعده المشهور للسوريين بالانسحاب الشامل من هضبة الجولان المحتل.

وكان رابين يفاوض ليس لأسباب أخلاقية وليس انطلاقا من عشقه للسلام، وإنما لأنه أدرك كما يقول في احد تصريحاته ان "إسرائيل" كانت تخيف بجيشها العرب والفلسطينيين الذين كانوا يخشون الموت في القتال مع هذا الجيش، في حين أن الجيل الجديد من المقاومين يطلب الموت من أجل تحرير أرضه، ما يعني ان قوة "إسرائيل" العسكرية لم تعد قادرة على ردع المعنيين وتخويفهم، وبالتالي فقدت وظيفتها الاساسية. وحتى لا تغامر "إسرائيل" بوجودها نفسه كان عليها ان تفاوض، لكن العين التي كان يرى فيها رابين لم تكن مشابهة لمعارضيه الذين عيروه بالهروب امام العرب ضمن حملة تحريض غير مسبوقة أدت إلى أن يبادر شاب صهيوني من أصل يمني إلى اغتياله في العام 1995.

لا يمكن للمرء أن يحزن على مصير اولمرت ورابين وشارون وغيرهم من القادة الصهاينة الذين اهرقوا دماء عربية غزيرة وتسببوا في تعطيل تقدمنا وتنميتنا وبلوغ اهدافنا المشروعة بمصير أفضل كما لا يمكن أن نحزن على مصير قادة الولايات المتحدة خارج الحكم فالحزن واجب على بؤسنا السياسي وسذاجتنا المتمثلة بانتظار العدالة من اعدائنا وخصومنا وبالتالي ربط قضايانا بالاجندات الانتخابية والسياسية في "إسرائيل" والولايات المتحدة الامريكية.

لقد انتظرنا كنيدي ونيكسون وجونسون وكارتر وريغن وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وننتظر اليوم اوباما وكنا نأمل أن يضغط هؤلاء على زعماء "إسرائيل" كي تعيد حقوقنا فكانوا يضغطون على زعمائنا ويحملوننا المرة تلو المرة على التراجع والانتظار من دون جدوى فكنا ومازلنا كمن ينتظر "غودو" بطل مسرحية صموئيل بيكيت الذي لا يأتي أبداً.

حتى لا نموت مللاً من الانتظار وحتى لا نورث قضايانا إلى الاجيال القادمة من بعدنا، يجدر بنا أن نكف عن ضبط ايقاعنا السياسي على التوقيت الامريكي "الإسرائيلي"، وأن نراهن على انفسنا في لحظة رشد ووعي جديد، وبالتالي أن نعقد العزم على حركات المقاومة الناجحة في لبنان وفلسطين والعراق التي تمكنت بوسائلها المتواضعة وفي وقت قصير من تحقيق انجازات باهرة فاجأت اصحاب القرار على المسرح الدولي من دون أن تفاجئنا نحن المعنيين بقضايا الاحتلال والحقوق المسلوبة أولاً وأخيراً. هل يعقل أن ينجح بضعة آلاف من المقاتلين العرب في ردع الوحش "الاسرائيلي" في غزة وفي جنوب لبنان. هل يعقل أن ينجح بضعة آلاف آخرين في بلاد الرافدين في تحطيم هيبة القوة العظمى في العالم فيما القسم الاكبر من طاقات الأمة العربية معطل في قاعة الانتظار ومبرمج للبحث عن تقدم في "أنابولس" أو عن لفتة "إسرائيلية" "كريمة" لرفع الحواجز العسكرية من طرقات وقرى الضفة الغربية؟ في مسرحية بيكيت الشهيرة لا يأتي "غودو" أبداً والمشكلة ليست عنده وإنما عند المنتظرين، أي عندنا نحن الذين فطروا على الانتظار إلى حد الامتعاض من انتصارات غزة وبغداد وجنوب لبنان.. يا للفاجعة.
"الخليج"

التعليقات