31/10/2010 - 11:02

المستوطنون، حكام إسرائيل الحقيقيون../ إلياس سحاب

المستوطنون، حكام إسرائيل الحقيقيون../ إلياس سحاب
لم تكن فلسطين منذ اكتمال عملية السيطرة الاستعمارية الاستيطانية عليها، في حربي 1948 و 1967، لم تكن في يوم من الأيام في حالة من فظاعة التزاوج بين ذروة الاستفراد الكولونيالي الاستيطاني بها، وذروة التخلي العربي والدولي عنها، كما هي اليوم، سواء في ما يجري في قطاع غزة وحوله، أو في ما يجري في مسيرة استكمال تهويد القدس والضفة الغربية (القدس والخليل وسواهما).

إن ما يجري اليوم في القدس والخليل خاصة، تعبيراً عن حالة مستمرة بالزخم نفسه منذ عام 1948، ثم منذ عام 1967 في اندفاعة متجددة لم تتوقف أو يضعف زخمها واندفاعها منذ ذلك اليوم، يؤكد أن المستوطنين، كانوا وما زالوا الحكام الحقيقيين لإسرائيل، من وراء كل أشكال التنوع الحزبي بين يمين ويسار ووسط. بمعنى أن الحكم الحقيقي لدولة إسرائيل، منذ أن أقيمت في عام1948، ثم توسعت في عام 1967، ما زال بيد كاملي الإيمان بالعقيدة الصهيونية، بصفتها مشروعا استعماريا ـ استيطانيا، يستمد قوته من تحالف العقيدة العنصرية مع مطامع القوى الكبرى في هذه المنطقة من العالم.

وإلا فما معنى ما يحدث في أواخر عام 2008 في القدس وفي الخليل (إضافة الى مأساة حصار غزة وتجويعها)؟
ما معنى أن تبقى القدس العربية، منذ واحد وأربعين عاما، واقعة تحت احتلال لا يبدو فقط أزليا سرمديا أمام عيون الدول العربية كلها والمجتمع الدولي كله، بل تمارس فيها يومياً طوال هذه العقود الأربعة عملية منهجية لإفراغ البيوت العربية من سكانها حيا حيا، ثم بيتا بيتا، حتى الترحيل الكامل، أو الموت قهرا أمام البيت؟ وان تستكمل عملية التفريغ المنظم والمنهجي تلك، بعملية إحلال سكان يهود محل السكان العرب، في تناقض صارخ مع ما تنص عليه اتفاقيات جنيف من عدم السماح لقوة الاحتلال ان تجري أي تبديل أو تعديل في المناطق التي تحتلها، جغرافيا أو سكانيا أو ثقافيا؟

ما معنى ان تنتشر عملية التهويد هذه من القدس، الى سائر مدن وقرى ودساكر الضفة الغربية، بشكل منهجي ايضا ومثابر مثابرة يومية منذ أربعين عاما، حتى حادثة العمارة السكنية الاخيرة في الخليل؟

ها هي التمثيلية العبثية تتكرر أمامنا منذ أربعين عاما ونيف: يخرج المستوطنون سكاناً عرباً من مقر سكنهم الشرعي، ويحتلونه. وبعد ذلك، إما أن تغض الحكومة الطرف عما حدث، فيتحول "حقيقة سكانية جديدة" في الضفة الغربية المحتلة، أو أن تستكمل التمثيلية العبثية التي تقوم على دعاية عالمية لعدالة القانون في دولة اسرائيل، فتصدر المحكمة العليا حكما بإعادة المنزل من المستوطنين المحتلين الى أصحابه الشرعيين العرب.

هذا على صعيد الدعاية المحلية والدولية فقط، أما على صعيد الواقع، فالذي يحدث أن النفر المحدود من المستوطنين محتلي المنزل العربي، يستعينون بنفر أوسع من المستوطنين القابعين في الخليل وجوارها، لمنع تنفيذ الحكم القضائي بقوة العصيان، أمام تشجيع قوى الشرطة الاسرائيلية ومباركتها وتواطئها، التي تتفرج باسمة وسعيدة على مشهد انتصار قرصنة المستوطنين على شرعية ملكية السكان العرب لمنازلهم.

إنها تمثيلية عبثية تجري منذ ستين عاما في نواح معينة من فلسطين، ومنذ أربعين عاما في نواح اخرى (الضفة الغربية خصوصا)، وتتكشف عن معان كثيرة، أحدها مخاطبة الرأي العام الدولي بشأن الاستيطان، حتى اذا فكر في يوم من الأيام في الطلب الى دولة اسرائيل إزالة المستوطنات الكبرى والصغرى من الضفة الغربية المحتلة، تمهيدا لتنفيذ قرار إنشاء دولة فلسطينية تعيش الى جانب دولة اسرائيل، كان الجواب الاسرائيلي جاهزا: هذا بيت واحد في عمارة واحدة، يستحيل علينا إخراج المستوطنين المحتلين منه، لإعادته الى سكانه العرب الأصليين، فكيف تتوقعون منا إزالة كل المستوطنات الكبرى والصغرى، وإعادة الارض الى أصحابها الأصليين العرب؟

ونكتشف بين كواليس هذه المسرحية العبثية الطويلة المستمرة منذ أربعة عقود على الاقل، أن قسماً من المستوطنين الجدد في الضفة الغربية، ليسوا سوى المستوطنين السابقين في قطاع غزة، الذين أزيلت مستعمراتهم في إطار تنفيذ اتفاقية أوسلو. فإذا بالأيام تدور لتثبت لمن يريد أن يرى ويفهم، أن مستوطنات غزة لم تجر إزالتها إلا لسبب واحد هو أنها مستعمرات غير قابلة للاستمرار عمليا في محيط قطاع غزة، وان من الأفضل نقل حمولتها البشرية الاستيطانية، الى مستعمرات في الضفة الغربية، أكثر قابلية عملية للاستمرار، وأكثر ملاءمة للأساطير الدينية التي بنيت عليها العقيدة الصهيونية العنصرية.

يقول المفكر العربي المرموق عزمي بشارة، ان كل الشواهد تشير الى ان الحالة الراهنة في دولة اسرائيل ترفض حل الدولة الواحدة ذات القوميتين، وحل الدولتين الضامن لإخلاء كامل للضفة الغربية والقدس العربية من مظاهر التهويد، وتمتع جميع فلسطينيي الشتات بحق العودة كاملا غير منقوص.

وإذا صحت هذه الافتراضات، وهي صحيحة بنسبة مئة بالمئة، فإنه لا يبقى أمامنا عمليا في إطار الظروف الفلسطينية والعربية والدولية الراهنة، سوى تسوية مؤقتة مع دولة اسرائيل، كاملة التمسك بالعقيدة الصهيونية العنصرية بحذافيرها، دولة يحكمها المستوطنون ضمن إطار أحزاب اليمين واليسار والوسط، في حل مؤقت لصراع مستمر.
"السفير"

التعليقات