31/10/2010 - 11:02

بعض إنجازات المقاومة../ عوني فرسخ

بعض إنجازات المقاومة../ عوني فرسخ
قطاع غزة اليوم، بما أحدثه من حراك في مشرق الوطن العربي ومغربه، وبما لقيه صمود مواطنيه الاسطوري، وثبات مقاومته وأدائها البطولي، من تضامن شعبي وتأييد أبرز مفكري ومثقفي الأمة العربية، أظهر عمق الشعور بوحدة المسيرة والمصير، المتجذر في وجدان وثقافة شعوب الامة العربية جميعا.

ولقد أعاد قطاع غزة لأمته العربية الاعتبار والتقدير في نظر العالم اجمع، وبما سيكون له انعكاسه الايجابي على النظرة للعرب افرادا وجماعة عند سائر الشعوب، خاصة نخبها الفكرية والسياسية والاعلامية. فضلا عن تأثيره النفسي لدى غالبية المواطنين العرب، بانتشالهم من حمأة اليأس والاحباط، بعد أن تأكد في قطاع العزة ما كانت قد فعلته المقاومة اللبنانية، من إسقاط جملة أساطير التفوق الصهيونية، وبخاصة قوة ردع الجيش الذي كان يقال إنه لا يقهر. فضلا عن تعزيز اليقين بأن المقاومة غدت صاحبة المبادرة الاستراتيجية في الاستجابة العربية للتحدي الامريكي الصهيوني.

ويكاد يجمع المحللون السياسيون والاعلاميون على أن قطاع غزة، بصمود مواطنيه وأداء مقاومته، فرض حضوراً عربياً غير مسبوق على الصعيد العالمي، يعيد للذاكرة ايام المجد العربي في ازهى سنوات الزمن الناصري. وهو حضور لصمود مواطني القطاع رجالا ونساء دور تاريخي فيه. ذلك لأنهم شكلوا على مدى ايام المحرقة ولياليها الحاضنة الشعبية للمقاومة. فضلا عن أنهم أظهروا قدرا عاليا من التكافل الاجتماعي، وأكدوا بما لا يدع مجالا للشك وحدة الموقف في مواجهة العدوان والقوى الدولية والاقليمية التي راهنت على انتفاضة جماهير القطاع ضد المقاومة، بفعل فظاعة المحرقة وتصعيد فعلها الاجرامي باستخدام احدث ما في الترسانة الامريكية من اسلحة الدمار الشامل، والتركيز بشكل متعمد على المدنيين، والمساجد والمدارس التي احتموا بها. لقد ارادوا بذلك استثارتهم ضد المقاومة. إلا انه على مدى ايام المحرقة، وكثرة اللقاءات التي اجرتها الفضائيات مع أمهات ثكالى فقدن فلذات أكبادهن، وبرغم مرارة ما صدر عنهن من إدانات للصامتين على المحرقة والمتخاذلين امام الضغوط الامريكية والصهيونية، لم يصدر عن اي أم ثكالى كلمة سوء واحدة بحق حماس، ولا حملتها احداهن المسؤولية. وفي مواقف ثكلى القطاع واجماع نسائه على الصمود، ما يؤكد عمق القناعة الشعبية في القطاع بصحة مواقف المقاومة، وعميق ايمان رجاله ونسائه بانها تعبر عن إرادتهم في الممانعة والصمود.

وفي انتفاضة أحرار العالم، وبخاصة مفكرو ومثقفو اوروبا والولايات المتحدة منهم، واليهود من هؤلاء على الأخص، انتصاراً لصمود مواطني القطاع وثبات المقاومة ما يؤشر لاعتبارهم الفصائل الفلسطينية ممثلة لحركة تحرر وطني تمارس حق المقاومة المشروع في القانون الدولي ضد احتلال وعدوان غير مشروعين، الأمر الذي يعني في التحليل الأخير أن أحرار العالم لم ينظروا للمقاومة، خاصة حماس، باعتبارها ارهابية وأسقطوا من اعتبارهم الاتهام غير الموضوعي الذي دأبت على ترديده أجهزة الحكم والاعلام الامريكية والاوروبية، وتلك السائرة في الركب الامريكي على مدى العالم.

ولقد أدانت منظمة العفو الدولية المحرقة الصهيونية واعتبرتها من جرائم الحرب، فيما تقدمت بوليفيا بالشكوى ضد “إسرائيل” أمام محكمة الجنايات الدولية، وذلك ما أبدت استعدادها لفعله أكثر من هيئة دولية من هيئات الدفاع عن حقوق الانسان واتحادات المحامين في اكثر من بلد أوروبي وامريكي لاتيني، ناهيك عن العربية منها. وفي هذا دلالة عدم صحة الادعاء بان “اسرائيل”، في حرب الارض المحروقة على قطاع غزة، مارست حقها في الدفاع عن النفس، فضلا عن تعرية العنصرية الصهيونية وفضح لاأخلاقية تبرير المحرقة عمن صدرت عنه وايا كانت دواعيه.

وهل لو كانت صواريخ المقاومة عبثية، وإطلاقها ضاراً بالقضية الفلسطينية ويخدم “اسرائيل”، لما هرولت وزيرة خارجيتها الى واشنطن لتوقع مع كوندوليزا رايس في ايام عملها الاخيرة على كتاب ضمانة امريكية لأمن “اسرائيل”؟ وهل لو كانت المحرقة الصهيونية حققت نجاحاً في المهمة التي كلفت بها من قبل الادارة الامريكية وادواتها الاقليمية تداعى رؤساء الدول الاوروبية الرئيسية الستة إلى “اجماع أوروبي”، يعيد الى الذاكرة الاجماع الذي أجهض طموح محمد علي لاقامة امبراطورية عربية عصرية. وكأن قطاع غزة بات امبراطورة عظيمة الجبروت يتطلب اتقاء خطرها فرض سيطرة أساطيل حلف الاطلسي على البحر الأحمر وشرقي المتوسط، وضبط موانىء المشرق العربي لمنع ما أسموه تهريب السلاح الذي يهدد أمن واستقرار وسلامة الدولة التي تمتلك سادس جيش في العالم من حيث عدته وعتاده، وتحتل موقعا متميزا في انتاج مختلف انواع الاسلحة وتصديرها، ولها من عمقها الأمريكي والأوروبي دفق دائم من أحدث أسلحة الدمار الشامل.

ومن انجازات صمود قطاع غزة وثبات مقاومته دور الحراك الشعبي العربي ما بين المحيط والخليج الذي استنهضته المقاومة، والغضب المكبوت الذي فجرته لدى جماهير الأمة، في المصالحة التي شهدتها قمة الكويت بين قادة مصر والسعودية وسوريا وقطر. وهي مصالحة بقدر ما أشاعته من ترحيب عربي عام، بقدر ما يساور كثيرين القلق على بقائها واستمرارها إن لم تعزز بتوافق فيما بين توجهات الأنظمة وما التقت عليه شعوب الأمة من اعتبار “اسرائيل” العدو الأولى بالمواجهة والتصدي، ولم تستكمل هذه المصالحة بالعمل على تحقيق التوافق الوطني داخل كل قطر، والقدر الأكبر من التكامل القومي على مختلف الأصعدة.

والجدير بالتنويه به والإبراز ما شهدته ايام المحرقة من التقاء غالبية فصائل المقاومة في المشاركة الميدانية، وما بدا جليا من تراجع ما بين هذه الفصائل من نزاعات وحسابات. بل وبدت وكأنها فصيل واحد تحركه وتوجهه قيادة واحدة ينفذ الجميع ما تقرره. الأمر الذي يعني أن صمود مواطني القطاع الاسطوري، وثبات مقاومته البطولي، قد ضبطا التناقضات فيما بين الفصائل ووضعاها على طريق العمل لتحقيق المصالحة والوحدة الملتزمة بالثوابت الوطنية، واعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية واجهزة العمل الوطني الفلسطيني كافة. وحجر الزاوية لتحقيق هذا الطموح العزيز إنما يكون بإعادة تشكيل المجلس الوطني بالانتخاب المباشر حيث امكن ذلك، وبانتخاب اللجنة التنفيذية للمنظمة من قبل المجلس المنتخب، واعادة تنقيح الميثاق الوطني مما لحقه من تشويه سنة 1996 نزولاً على الارادة الامريكية - الصهيونية.
"الخليج"

التعليقات