31/10/2010 - 11:02

بعض النقاط على الحروف../ رشاد أبوشاور

بعض النقاط على الحروف../ رشاد أبوشاور
من عارضوا أوسلو، وحذّروا من نتائجه الكارثيّة، لم يكونوا ضاربي رمل، أو (مبصريّن)، أو كتبة (حجبة)، يدّلسون على جهلة دفعتهم الحاجة للجوء لما هو غير عقلاني للفكاك من ورطة تخنق حياتهم...

هؤلاء أنفسهم من عارضوا هيمنة واستبداد (حماس) على قطاع غزّة، ورأوا في فعلتها سرقة لتفويض الشعب لها في الانتخابات، وتخل عن أمانة وطنيّةً جليلة: إنهاء الفساد، واستئناف المقاومة بحيث تنتهي (السلطة) الوهميّة التي هي مصلحة ( إسرائيليّة) تماما!

لا قيادة السلطة التي تتغطّى بتاريخ (فتح)، وتراث المقاومة، وإطلاق رصاصة الثورة الفلسطينيّة المعاصرة، تراجعت بعد سلسلة الخيبات الثقيلة التي يسببها( شريك) السلام، ولا من انتخبهم الشعب في الضفّة والقطاع أنجزوا الأمانة، بل إنهم قفزوا على قطاع غزّة بقوّة السلاح، فانتصروا على أجهزة أمنيّة منخورة، فاسدة، مكروهة، لا يثق بها ألوف الشباب الذين انضموا إليها اضطرارا بسب البطالة التي تفشّت، واضطرتهم للالتحاق بأجهزة سيئة السمعة والوظيفة بحسب ما رسمته لها اتفاقات ( أوسلو)...

لا المناشدات، ولا العبارات العاطفيّة، ولا التذكير بالأخوّة، يمكن أن توقظ ضمائر من يقودون الطرفين المتصارعين، الذين يحرّضون ليل نهار، ويدّعون أنهم الأحرص على القضيّة الوطنيّة، وأنهم المؤتمنون الذين لا تنال منهم شبهة، ولا يزعزعهم فشل...

نحن نرى التبلّد الفكرّي، والعاطفي والأخلاقي وقد بات السمّة، وجلدة الوجه، وتقاطيعه، لدى منظري الطرفين، و(نجوم) الردح على الفضائيات، سواء من سرقوا تمثيل الشعب الفلسطيني وورطوه في أوسلو وضيّعوا الأرض والانتفاضتين، وتراث الثورة المعاصرة، أو هؤلاء الذين يمسكون بمفاتيح الجنّة، ويكّفرون أي معارض.

الطرفان، قيادة السلطة، وقيادة حماس، لا يؤمنان بالوحدة الوطنيّة، فلكّل منهما مشروعه. قيادة السلطة تستظّل بأشلاء حركة فتح الممزقّة المضيّعة، وتقود (فسائل) وهميّة، وتدّعي أنها قيادة منظمة التحرير الفلسطينيّة التي لم يبق من ميثاقها شيء، ولا من جيشها كتيبة، ولا من مؤسساتها عنوان، فما بالك بالبيت الذي يتحدثون عنه!هل المنظمة - رحمها الله- بيت الشعب الفلسطيني، وأين هو هذا البيت؟!

قيادة حماس لا تريد المنظمة، فهي ترى بأن فرصتها دانية في الهيمنة على الساحة الفلسطينيّة، لأنها لا ترى أمامها سوى سلطة فاشلة، فاسدة، متهالكة، وأجهزة تسترجل على شعبنا، وتستخذي عند قدمي الاحتلال الذي يستبيح نابلس وجنين وطولكرم ورام الله يوميّا، تحت بصر تلك الأجهزة!.

لم تقرأ قيادة حماس تاريخ الشعب الفلسطيني، ولا استوعبت ثقافة الشعب الفلسطيني ودرست خبراته، وتطور مراحل نضاله، فكأنما بدأ النضال الفلسطيني بها، وبمشاركتها في الانتفاضة الأولى!

هي تبرر لنفسها تكرار الخطاب السياسي لقيادة فتح وتوابعها، فهي مع دولة فلسطينيّة في ال67!! وهي تخوض الانتخابات تحت سقف ( أوسلو)، وهي مع التهدئة! وهي مع التفاوض في لندن (الدكتور أحمد يوسف)، وهي مع إرسال رسائل إلى قادة الكيان الصهيوني (الدكتور الشاعر نائب رئيس وزراء حكومة حماس)، وهي مع وضع مسألة الجندي شاليط فقط في يّد (الشقيقة) مصر (نفاق مفضوح لنظام كامب ديفد الذي يحاصر غزّة)!

في الضفة يطاردون المقاومين ومن أي فصيل، ولا سيّما الجهاد، ويضطهدون أعضاء حماس، ويلاحقون أعضاء كتائب الأقصى التي أعادت لفتح بعض حضورها ودورها وعافيتها!

حماس تغلق إذاعة (الشعب) الناطقة بلسان الجبهة الشعبيّة، ويتحرّش (رجال) وزارة الداخليّة والأجهزة الأمنيّة بأعضاء الجهاد الإسلامي، وحتى بالناشطات من الجهاد، ويوجهون لهن عبارات لا تليق برجال الله!
سقوط سياسي وأخلاقي للطرفين، والقائمة تطول لو سردنا (كّل) الممارسات...

السلطة بدأت بغزّة أريحا أولاً، وحماس اكتفت بغزّة أولاً وأخيرا، والطرفان زجّا بقضيتنا وشعبنا أولاً وأخيرا في هذا المأزق القاتل، والذي إن لم يتّم تجاوزه والخرج منه بسرعة ف..على قضيتنا ، في المدى المنظور، السلام!

آن لنا أن نعلن ما بات شعبنا يردده في مجالسه وهو يرى هذا الانحطاط، من اغتيال على رمال شاطئ غزّة، إلى مطاردة عناصر من فتح إلى حّد اضطرارهم للهرب وتسليم أنفسهم للعدو الصهيوني الذي يلتقط الحدث فيعالج جراحهم و..يحقق معهم ويبتزهم! و..يبدي إنسانيته في مقابل وحشية الفلسطينيين الذين لا يرحمون بعضهم بعضا!

آن لنا أن نقول بالفم الملآن: أنتم يا قيادة السلطة، ويا قيادة حماس، لستم جناحي مقاومتنا، فبسببكما هوت قضيتنا من حالق، فألحقتما بشعبنا (الخزي) من انتسابكما له، وأنتما تتصارعان على السلطة ببرنامجيكما الفاشلين.
أنتم لن تحققوا الوحدة الوطنيّة لا في إطار المنظمة ولا في مؤسسات جديدة، فحتّى (مكّة) ، ووثيقة الأسرى لم تقرّبكما من بعضكما!

أنتم تتبادلون الاعتقالات في غزّة والضفّة، فأنتم متساوون سلوكا، وأخلاقا، وافتقادا للشعور بالمسؤوليّة الوطنيّة.
أنتم يا قيادة السلطة وحماس لا تحترمون الشعب الفلسطيني، وتتعاملان معه ك(دهماء)، ككميّة مهملة، فأنتم نصّبتم أنفسكم أوصياء بتفويض (وطني)، أو (إلهي)!

أنتم تعيشون حياتكم بتمام الراحة، بينما البطالة ، والفقر، والجوع، تفتك بشعبنا في الضفّة والقطاع...
أنتم منكم من ينفق على أربع زوجات، ويسوّغ لنفسه معاملتهن كحيوانات مهمتهن متعته ولذّته، ومنكم من ينفق على العشيقات وغيرهّن!
أنتم تمتلكون في العواصم العربيّة بيوتا فاخرة، بينما شعبنا يعيش في بيوت من خوف وقلق وتيه ...
أنتم المأزق، والمعضلة، والعائق، وليس لشعبنا إلاّ تجاوزكم، ولفظكم، فقد فشل مشروعاكما، وانكشفتم تماما بعد أن استنفدتم كافة الفرص التي منحها شعبنا لكم!.

ولأننا منذ البداية، قبل أوسلو، وقبل الهيمنة على غزّة وبعدها، رفعنا شعار المقاومة، وبشّرنا بها كمخرج من مأزق سلام الوهم والتيه وفساد السلطة وخرابها وترهلها، فإننا نرى، أنا وكثيرون، أنه لا سبيل لشعبنا سوى الانخراط في المقاومة، واستئناف الانتفاضة الشعبيّة التي ستكتسح الاحتلال والحصار والطرفين المتصارعين...
الطرف الثالث المنتظر، المخلّص، هو الطرف الأوّل والأخير: الشعب الفلسطيني، الذي لا بدّ أن ينفض هذين القيدين المعوّقين، وينطلق تاركا لهما الحضيض ليغرقا في عاره!

لا ليس كلاما قاسيّا هذا، فالملتحي الذي يسوق فلسطينيّتا عاريا، وهو يتباهى بأنه ينفّذ تعاليم الله، يتساوى مع من يرتدي الجينز ويطارد كتائب الأقصى في نابلس، ويحصي أنفاس أعضاء الجهاد في جنين، ويعتدي على أعضاء من حماس وغيرها، ويروّع الأمهات والزوجات والأطفال..

هذان ليسا مقاومين، إنهما جلوازان، جلاّدان، نقيضان للفدائي. هذان لا يمكن أن يكون مقاومين يذودان عن شعبنا.
هؤلاء مخدّرون، وهم بنظري أشبه بحشاشة حسن الصبّاح الذين وعدوا بجنّة على الأرض قبل السماء...
ولأن التغيير يبدأ بالفكرة ، فإنني أرى بأن (بعض) المثقفين الفلسطينيين يمكن أن يلعبوا دورا تثويريّا يبشّر بثورة في الثورة، وانتفاضة تنفض هذا العفن والطفح الجلدي في غزّة والضفّة...

انظروا كم أعاق هذان الطرفان مسيرة شعبنا، وكم ألحقا بنا من ألم!. ما الفرق بين ما يقترفونه وما يقترفه العدو؟ الفرق أن العدو عدو، أمّا هؤلاء فيدعون أنهم حماة القضيّة مع كّل ما يلحقونه بها من دمار!

هذه بعض النقاط على الحروف، ولا بدّ من وضع المزيد من النقاط على الحروف، فهاتان الحالتان لا قداسة لها، لأن فلسطين هي المقدسّة، والشعب هو الجدير بالاحترام والحّب، وفلسطين هي الأعلى والأبقى...

التعليقات