31/10/2010 - 11:02

تريليون../ ساطع نور الدين

تريليون../ ساطع نور الدين
الذين يضيعون في الأرقام إذا تجاوزت الألف، يواجهون بلا شك هذه الأيام مشكلة تواصل مع العالم المحيط بهم، الذي أصبح رقم التريليون من مفرداته اليومية الشائعة، بعدما كان حتى الأمس القريب مجرد كلمة وهمية ليس لها أي معنى أو قيمة، ولا تنطبق على المعايير الحسابية السائدة في عقول المليارات الستة أو السبعة من البشر .

كان قليلون يدركون أن التريليون يعادل ألف مليار . وكانت النخبة وحدها تستطيع أن تربط بين هذا الرقم الخيالي وبين الدولار الأميركي لتحصل على مرتبة رفيعة في أي مجتمع.

حساب الأصفار التي يحتويها هذا الرقم كان ولا يزال يحتاج إلى جهد استثنائي: 12 صفرا من ذلك الذي اكتشفه العرب يوما، وأحدثوا من خلاله نقلة نوعية في علوم الحساب، وما زالوا يفضلونه على غيره من الأرقام المكتشفة من قبل الحضارات السابقة.. أما تحويله إلى معطى اقتصادي فإنه لا يزال يتطلب الكثير من المعرفة والبراعة، وربما أيضا إلى إتقان بعض فنون السحر.

ويبدو أن التريليون هو الآن الإضافة الجديدة على قواميس لغة القرن الحادي والعشرين، بعدما احتل رقم المليار هذه المكانة في القرن العشرين، بينما اخترق القرن التاسع عشر الحاجز النفسي المتمثل بالمليون، فيما ظلت القرون السابقة تتعامل بما دون هذا الرقم الذي كان يشبه الحلم أو حتى الوهم، برغم أنه كان متداولا على نطاق ضيق جدا، يقتصر على دولة أو اثنتين، وعلى مجموعة صغيرة جدا من علماء الحساب.. لكنه كان يخضع لما يشبه التحريم من قبل الأديان التي لا تحب في العادة علوم الحياة وتفضل علوم الغيب.

اليوم خرج التريليون من ذلك الحصار، وبات يمثل حاصل أرقام اقتصادية فعلية في معظم الدول الكبرى، لا سيما في أميركا والصين واليابان والمانيا وروسيا وغيرها.. وصار التحليق مع ذلك الرقم أمرا مألوفا، إلى أن حصل السقوط الأميركي الاخير، الذي أعاد للتريليون سحره الخاص، وأكسب تداوله اليومي مغزى لم يكن يخطر في بال أحد من علماء الحساب أو الاقتصاد أو حتى السياسة: كان الرقم عنوان عظمة أميركا، فأصبح الآن مؤشرا لأفول تلك الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن قواعدها العسكرية ولا تشرق إلا على بعض إنجازاتها العلمية.

الأزمة المالية الراهنة في أميركا ليست مفهومة تماما بالنسبة إلى العامة، بالرغم من الادعاءات الكثيرة بأنها واضحة وسهلة جدا. لكن اللجوء إلى رقم التريليون يمكن أن يقربها من الأذهان : خسر الاقتصاد الأميركي حتى الآن ثلاثة تريليونات دولار من حجمه الإجمالي البالغ 12 تريليونا.

وهذا الرقم مرشح للارتفاع إلى ستة تريليونات خلال أقل من عام من الآن.. أما كيف ولماذا ومن المسؤول ومن سيدفع الثمن، فإن الأجوبة تدخل في باب التبصير، الذي يجعل البشرية كلها تتمنى لو أن هذا الرقم ظل وهميا، وترجو أن يتم سقوط الإمبراطورية الأميركية مختلفا عن ظهورها الذي استدعى حربين عالميتين وبضع حروب إقليمية راح ضحيتها ملايين البشر.
"السفير"

التعليقات