31/10/2010 - 11:02

تقرير فينوغراد../ هاني المصري

تقرير فينوغراد../ هاني المصري
تمكّن ايهود أولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية من الإفلات، بعد صدور تقرير فينوغراد النهائي، وذلك أولاً وأساساً، لأن التقرير جاء أخفّ في انتقاداته له عمّا ورد في التقرير الأوّل.. وثانياً؛ لأنّ ايهود باراك زعيم حزب العمل يتجّه الى اتخاذ قرار بالبقاء في الحكومة، خلافاً للوعد الذي قطعه على نفسه بالانسحاب من الحكومة بعد صدور التقرير.. فحزب العمل إذا انسحب من الحكومة، تسقط فوراً، وتتجه إسرائيل لإجراء انتخابات مبكّرة.

إذاً، يستطيع أولمرت أن يبقى في الحكم، مؤقتاً، طالما ظلّ متفاهماً مع باراك.. وسيبقى الحال كذلك طالما اعتقد باراك أن فرط الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة سيحمل اليمين، واليمين الأكثر تطرفاً بزعامة بنيامين نتنياهو، الى الحكم، كما تشير الاستطلاعات.. في هذا السياق، رفض أولمرت، حتى الآن، الاستجابة لرغبة باراك بتقديم موعد الانتخابات عاماً واحداً، وأصرّ على إجرائها في موعدها في العام 2010، وأرسل رسالة واضحة له، بأنّه إذا أراد انتخابات مبكرة فلتكن بعد ثلاثة أشهر.. وهذه فترة غير كافية لباراك لتعزيز نفوذه وخلق فرصة جدية له بالفوز في الانتخابات المقبلة..

ما يهمّنا من صدور تقرير فينوغراد، هو مدى تأثيره على الصراع العربي - الاسرائيلي، والعلاقات الفلسطينية - الاسرائيلية، والدور الإسرائيلي في المنطقة.
وحتى نتعرّف على ذلك، علينا أن نتأمّل جيداً فقرتين في تقرير فينوغراد:
الفقرة الأولى التي تقول: "إنّ تنظيماً شبه عسكري يضمّ بضعة آلاف من رجال (حزب الله) واجه لأسابيع، أقوى جيش في الشرق الأوسط، يتمتع بتفوّق جوّي كامل ووسائل تقنية متطورة".

الفقرة الثانية جاء فيها: "وجدنا تقصيراً خطيراً وإخفاقات كبيرة في الاستعدادات واتخاذ القرارات وأداء القيادة العسكرية العليا".
وخلص التقرير الى أن "الجيش فشل وفوّت فرصة، ولم يحقّق النصر.. وهو خصوصاً يتحمّل مسؤولية الثغرات وحالات الخلل الأخرى".

تأسيساً على ما تقدّم، يحقّ للبنان، ويحقّ للمقاومة، ويحق لحزب الله، أن يفخروا، ويعلنوا أن التقرير يشكّل اعترافاً رسمياً إسرائيلياً بالهزيمة، والانتباه لما أشار إليه رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، بأن إخفاق القيادة الاسرائيلية في تحقيق أهدافها من الحرب، ترافق مع عدم استخلاص الدروس المناسبة والصحيحة من إحباط عدوانها، مؤكداً أن "استهدافات العدو تجاه لبنان ما زالت كما كانت، أي التحضير للاعتداء على لبنان في المستقبل".

إنّ إسرائيل وهي تعترف بهزيمتها في لبنان، تدرك أن ما حدث واعترافها بالهزيمة، سيلحقان أضراراً فادحة في نظرية الردع الإسرائيلية، ما يشجّع كل الشعوب والقوى والأطراف التي تعتبر إسرائيل وأهدافها العدوانية والتوسعية في فلسطين والمنطقة، خطراً على أهدافها ومصالحها وأدوارها، ما يشجعها على الصمود والمقاومة وتحدّي إسرائيل، ورفض شروطها وإملاءاتها..

وحتى ندرك مدى الأثر على نظرية الردع الإسرائيلية، يكفي أن نلاحظ "الانضباط الإسرائيلي"، الذي يظهر بعدم المبادرة بضرب المفاعل أو المفاعلات الإيرانية حتى الآن، قبل أن تحصل إيران على القنبلة النووية.. لو كانت إسرائيل، كما كانت في السابق، حين كانت يدها طويلة جداً، وتضرب في أيِّ مكان، مثلما فعلت في العراق (قصف المفاعل النووي العراقي)، وتونس (ضرب المقرات الفلسطينية)، وعينتيبي في اوغندا (لإنقاذ الطائرة المخطوفة). الآن إسرائيل تحسب حساباً دقيقاً للنتائج المترتبة على أية ضربة لإيران وسورية ولبنان، وهي نجحت جزئياً باستعادة بعض هيبة جيشها بضرب موقع سوري، أكدت سورية أنه غير مستخدم بأيِّ شيء..

لقد تأكّد في حرب لبنان الأخيرة، الاتجاه الاستراتيجي الجديد الذي ظهر، بأن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد قادرة على ضمان مصالحها ونفوذها وتحقيق استراتيجيتها، اعتماداً على أساليب سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية، أو على الدور الذي تقوم به إسرائيل كأداة للحفاظ على ضعف وتخلّف وتجزئة المنطقة العربية، وإنما أصبحت بحاجة الى تدخّل قواتها مباشرة، من خلال نشر القواعد وشنّ الحروب، وهذا من شأنه، على الأقل، أن يعيد النظر في الدور الاسرائيلي في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة والعالم بأسره.. فإسرائيل تجاوزت حدود القوّة، لدرجة أنها لم تعد تملك "الجيش الذي لا يُقهَر"، والقادر على الاحتفاظ دائماً بزمام المبادرة، وعلى إلحاق الهزائم بالآخرين بسرعة خاطفة، ودون تأثّر جبهته الداخلية..

إن اللافت للنظر في تقرير فينوغراد، بقسميه الأول والثاني؛ أنه لم يمسّ القضية الجوهرية، وهي قرار الحرب ومدى صحته أو بطلانه، حيث انطلق التقرير من تسليم مسبق بحق إسرائيل بشنّ الحروب متى شاءت.. كما لم يتطرق التقرير الى الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي، من خلال المجازر وضرب البنية التحتية والمؤسسات العامة والخاصة والجسور والمنازل، وكل شيء في لبنان، وهذا أمر متوقع، لأن إسرائيل تعامل نفسها، وتضعها الولايات المتحدة الأميركية، كدولة فوق القانون الدولي، يحقّ لها عدم الالتزام بالاتفاقيات والقرارات الدولية، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة، التي تضمن حماية وحقوق المدنيين أثناء الحروب، وتحت الاحتلال.. والشيء بالشيء يُذكَر؛ فالمحكمة الإسرائيلية العليا قرّرت منذ أيام، أن الحصار والعقوبات الجماعية والإجراءات التي نفذتها سلطات الاحتلال ضد قطاع غزة قانونية..

الاستنتاج الرئيسي من الحرب اللبنانية بعد صدور تقرير فينوغراد، أن إسرائيل أضعف الآن من أية فترة سابقة، وأنها مهزومة وجريحة، وهذا قد يدفعها الى شنّ حروب جديدة لاستعادة هيبة الردع الاسرائيلية، ولكنها ستفكر مراراً وجدياً قبل إقدامها على أيّة حرب جديدة، فشبح الهزيمة يلاحقها باستمرار.

لا يمكن إسقاط الخشية الإسرائيلية من الخسائر، من اجتياح كامل لقطاع غزة، وإعادة احتلاله مجدداً، كسبب من أهم الأسباب التي حالت حتى الآن، دون الاجتياح والاحتلال.
فأيّة قوة الآن، شعبية أو رسمية، عربية أو أجنبية، تستطيع أن تصمد وأن تنتصر وأن تهزم الجيش الاسرائيلي، المتفوق عسكرياً، إذا أخذت بأسباب النصر، وهي أسباب معروفة، ولمن يريد أن يعرفها، عليه أن يدرس تجربة حزب الله!!
"الأيام"

التعليقات