31/10/2010 - 11:02

تهدئة مزروعة بالألغام../ د. جمال زحالقة

تهدئة مزروعة بالألغام../ د. جمال زحالقة
بعد مفاوضات مضنية ومعقدة، تم الاتفاق على التهدئة في قطاع غزة، ورافقت الإعلان عنها حملة تشكيك إسرائيلية بإمكانيات استمرارها، وفي مركزها رزمة تبريرات استباقية لتحميل الفلسطينيين مسؤولية انهيار التهدئة قبل أن تبدأ.

وفي الوقت الذي أعلن فيه عن التفاهم حول وقف إطلاق النار، أصدر المجلس الوزاري المصغّر أوامره للجيش الإسرائيلي بتكثيف الاستعدادات لاجتياح القطاع، وأوضح مسؤولون أن الصدام الشامل قادم لا محالة، وادعوا أن إسرائيل، بقبولها التهدئة، برأت ذمتها وفعلت كل ما تستطيع لمنع المواجهة، وهي لا تتحمل مسؤولية الحرب القادمة مهما كانت دموية.

رغم كثرة التهديدات، فقد أحجمت إسرائيل عن اجتياح قطاع غزة، لأنها مفزوعة من الثمن الذي قد تدفعه في مواجهة عسكرية شاملة مع المقاومة الفلسطينية. ولعلّ هذا الفزع من نتائج فشلها في الحرب على لبنان والذي جعلها تعمل ألف حساب قبل الدخول في حرب مع منظمات المقاومة. ذلك لا يعني أن القيادة الإسرائيلية أسقطت خيار المواجهة، بل قد تلجأ إليه مستقبلاً كما يردد كثرٌ في المؤسسة الأمنية والقيادة السياسية.

لقد جربت إسرائيل حرب الاستنزاف المفتوحة وفرضت حصاراً ومنعت المواد الأساسية عن غزة، ولم تحقق مآربها السياسية ولم تستطع وقف سقوط الصواريخ والقذائف على "سديروت"، رغم الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها وحملات الإرهاب والتدمير التي قامت بها. لم تنجح إسرائيل في كسر شوكة المقاومة ووصلت سياستها إلى باب موصود وكان عليها أن تختار إما التهدئة وإما المواجهة الشاملة، بعد أن حاولت جاهدة أن تتجنب هذين الخيارين.

إن التطور الجديد هو قبول إسرائيل للتهدئة بعد أن رفضتها مدة طويلة، وهي قبلت بها كخطوة تكتيكية وليس كخيار إستراتيجي طويل الأمد. من الناحية الفلسطينية التهدئة هي مصلحة وطنية خاصة وأنها مصحوبة بفتح معبر رفح ورفع الحصار ولو جزئيا ولو تدريجيا.

إن المطلوب فلسطينيا هو الانتقال بسرعة إلى حوار وطني واستثمار التهدئة كرافعة للحوار الوطني والمصالحة وإنهاء الانقسام المأساوي. إن التوصل إلى المصالحة الوطنية هو أمر ممكن وملح في نفس الوقت، خاصة بعد أن انهيار أوهام أنابوليس وعقم المراهنة على الدور الأمريكي والمفاوضات مع ليفني وأولمرط.

في موازاة ذلك يجب استغلال التهدئة للتوصل الى تفاهمات مصرية فلسطينية لفتح معبر رفح بشكل دائم وغير مشروط بالإملاءات الإسرائيلية. هذه مصلحة مصرية وفلسطينية مشتركة يمكن ترجمتها إلى ترتيبات حدودية بين الأشقاء لا دخل لإسرائيل بها.

قبلت إسرائيل بالتهدئة على مضض ووصفها أولمرط بأنها هشة، وهو يعرف تماماً ما يقول، فقد زرعتها حكومته بألغام قابلة للإنفجار في أي لحظة، فالتهدئة في المفهوم الإسرائيلي مرتبطة بقضية الجندي الأسير غلعاد شاليط وإسرائيل تحفظ لنفسها، من طرف واحد، الحد في ملاحقة كل من تعتقد هي أنه يخطط لعملية عسكرية ضدها، وهي ترفض وقف إطلاق النار في الضفة وتحذر من تهريب الأسلحة إلى القطاع وغير ذلك من ألغام تنذر بانهيار التهدئة كما حدث في السابق.

رغم هذا كله، فإن التهدئة هي إنجاز فلسطيني باعتراف معظم المراقبين، حتى في إسرائيل نفسها، ويجب توظيفها في خدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية. لقد فوتت القيادة الفلسطينية فرصة فضح الموقف الإسرائيلي المستمر منذ سنوات والرافض لوقف إطلاق النار، وآن الأوان لاستثمار التهدئة الحالية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.

التعليقات