31/10/2010 - 11:02

جعجعة الانتخابات: جو بايدن يحبّ الحياة (وإسرائيل)../ د.أسعد أبو خليل*

جعجعة الانتخابات: جو بايدن يحبّ الحياة (وإسرائيل)../ د.أسعد أبو خليل*
لم تحقق وزارة الداخليّة ولا الجمعيّة اللبنانيّة الهزليّة من أجل ديموقراطيّة الانتخابات في تصريح مسؤول سعودي في الـ«نيويورك تايمز» عن إنفاق سعودي باهظ في هذه الانتخابات. لو كان المسؤول إيرانيّاً لانعقد مجلس الأمن على الفور، ولأصدر بان كي مون بياناً عنيف اللهجة، ولوصل مندوب إسرائيل في مجلس الأمن، تيري رود لارسن، إلى الرياض للتنسيق والتنديد.

لكن السعودية «غير شكل» ــ مثلما برّرت منى صليبا وجود أعلام سعوديّة في مهرجان انتخابي حريري بالقول إن السعوديّة تدعم لبنان، كما كان أنطوان لحد يقول إن إسرائيل تدعم لبنان.

ولجنة التحقيق (المملّة) في اغتيال الحريري أصبحت طرفاً هي الأخرى في الانتخابات، وارتأى أحدهم «تسريب» خبر بريء عن تورّط لحزب الله في الاغتيال لأن أعضاء في الحزب ـ على ذمة التسريب ـ ابتاعوا هواتف ولم يستعملوها بعد اغتيال الحريري (هل يصمد دليل كهذا في محكمة قراقوش؟).

لكنّ المتابع لأعمال التحقيق الدولي يلاحظ أن لائحة المتّهمين (من أوّل تقرير لميليس) باتت تضمّ: 1) النظام السوري. 2) الأحباش. 3) الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ الذي لمّحت نشرة عائلة الحريري اليوميّة إلى مسؤوليّته عن تفجير عين علق ذات مرّة. 4) أجهزة الأمن اللبنانيّة. 5) الجبهة الشعبيّة ـ القيادة العامة (أذكر أن رضوان السيّد قال لي بعد أشهر من اغتيال الحريري إن عائلته ـ أي آل الحريري ـ تتّهم أحمد جبريل «لأنه خبير متفجّرات». 6) حزب الله. وقد تتّهم اللجنة إيلي سكاف في الانتخابات المقبلة إذا حقّق نجاحاً ضد قائمة كسارات تيار المستقبل في زحلة.

أي أن كل خصم لسعد الحريري هو متهم رسميّاً بالضلوع في الجريمة، ويستطيع ميليس ـ الذي كان يجب أن يترشّح في الانتخابات النيابيّة لأنه يدلي بآراء تتعلق بتفاصيل السياسة اللبنانيّة وإن كان لم يحزم أمره بعد بالنسبة للمعركة المحتدمة في المتن ـ أن يضيف إلى قائمة المتّهمين من يشاء.

وجو بايدن دخل إلى المعمعة بإيعاز لا شك من فريق الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الذي يعمل بإدارة جيفري فيلتمان وبإشراف اللوبي الصهيوني الذي يتحمّس لثورة (حرّاس) الأرز أكثر من أبو أرز. وبايدن أعطى نصائح عن كيفيّة كسب «المتردّدين» في الانتخابات إلى رهط من قيادة 14 آذار، مع أنه كرّر (كما كان السفير السعودي يكرّر) أنه على مسافة واحدة من كلّ الأطراف ـ اللهم باستثناء تلك الأطراف التي تعادي إسرائيل في لبنان. (التقى زميل لي بايدن في حفل غداء في واشنطن. سألته: هل هو واحد من هؤلاء السيّاسيّين الذين ينتقدون إسرائيل في السرّ ويمدحونها في العلن؟ قال: لا، إنه سيّئ في السرّ والعلن. هذا الصهيوني معجب مثل كلّ الصهاينة بثورة (حرّاس) الأرز. صدفة. «صاءبت»).

والانتخابات حفلة إعلاميّة تلفزيونيّة في المقام الأول، وهي تمدّ المشاهدين (والمشاهدات) بأمسيات تذكّر بليالي السمر الرمضانيّة. ولِحَظّنا في أميركا أن محطة «إم تي في» لا تصلنا حتى لا يتسنّى لنا مشاهدة زياد نجيم الذي قال في مقابلة أخيرة إنه معجب بـ«مسيرة» تشي غيفارا وإن كان يختلف معه على «الثورات» (مثل الذي يحب العصير وإن كان يكره الفواكه والخضر أو الذي يحب المطالعة ويكره الكتب أو الذي يستسيغ الرياضة لكن من دون مغادرة السرير)، وأكّد أنه مُحب للحياة وكاره للموت ـ خلافاً لعاشقي الموت بينكم، وهم كثر.

لكن لا مهرب من متابعة، وإن مصطنعة، للجعجعة الانتخابيّة وهي تلاحقك كيفما التفتّ. وإعلاميّو لبنان يكادون يفقدون صوابَهم نتيجة حماستهم وانحيازهم المفضوح: قلّة لا تستطيع أن «تحزر» أهواءهم: مثل سعيد الغريّب وجورج صليبي وسمر أبو خليل (أما رامي الأمين فهو حيادي في تلفزيون «الجديد» ومع شلّة الحريري في ملحق «النهار»). أما دوللي غانم فهي مُحبّبة (أو «حبّابة» كما يقولون في سوريا) حتى لو انحازت. شدا عمر قديرة لكن انحيازها الطائفي ـ والانحياز الطائفي والمذهبي جزء لا يتجزأ من أخبار «إل.بي.سي» ودعايتها ـ يظهر ملتهباً هذه الأيام.

لقد كانت في حلقة من «نهاركم سعيد» مع إبراهيم نجار عندما انتقل البث على الشاشة إلى سعدنايل لمّا احتجّ بعض الأهالي على اعتقال المتّهم بالعمالة لإسرائيل، زياد الحمصي. تطلّعت شدا نحو نجار وقالت بقرف شديد: ألا يؤدّي الاعتقال هذا إلى فتنة طائفيّة؟ تعجّب الوزير (الذي كان عضواً في المكتب السياسي الكتائبي أيام الحرب الأهليّة والقتل على الهويّة الذي ابتدعه حزب الكتائب الذي كان دائماً في خدمة لبنان و... إسرائيل) وذكّرها ـ الحق يُقال ـ أن المتهمين بالعمالة لإسرائيل هم من كل الطوائف.

اشمأزّت عمر لمشهد اعتقال الحمصي، لا ندري لماذا. تريدهم أن يُتركوا وشأنهم؟ أتريدُ أن يلحقهم عفو البطريرك حتى من دون محاكمة؟ لم يزل لبنان إلى اليوم يعاني من عدم اعتقال أنصار إسرائيل وأعوانها بيننا عبر السنوات والعقود: مثل المطران مبارك. يومها في أوائل تشرين الأول 1947 وقف النائب فريد الخازن في المجلس النيابي وطالب باعتقال المطران مبارك لمناصرته دولة إسرائيل ـ قبل إنشائها ـ ولمطالبته بتحويل لبنان إلى دولة مسيحيّة متحالفة مع الكيان الغاصب (راجع أعداد جريدة «النهار» في الأسبوع الأول من تشرين الأول 1947).

والطريف أن بعض المُناظرات تجرى على بعض الأقنية، مع أن المناظرات تقتضي وجود حَكَم. إيلي ناكوزي حكماً؟ نذكره يدير حملات إياد علاوي الانتخابيّة من على شاشة «العربيّة»، لكن الرجل لا يخفي تعاطفه القواتي. إيلي ناكوزي يسأل نائباً في كتلة عون: وهل كان بشير الجميل سيقبل بسلاح غير شرعي في لبنان؟ سلاح غير شرعي في لبنان؟ وهل كان سلاح النازي اللبناني الصغير ــ وهو سلاح إسرائيلي ــ سلاحاً شرعيّاً؟ ناكوزي بات حَكَم المناظرات في محطة صهر الملك فهد التي تتناغم مع الدعاية الصهيونيّة إلى درجة أن المواقع الصهيونيّة ومراكز الإعلام الإسرائيليّة تواظب اليوم على ترجمة تعليقات صحف آل سعود (وآل الحريري) وشاشاتهم. أو حتى مارسيل غانم الذي يسأل خصوم القوات باقتناع وحزم ويسأل حلفاء الحريري بابتسامة وخفة خشية الإحراج.

و«نهاركم سعيد» يتعامل مع الضيوف على أساس أن فريق الحريري ومن لفّ لفّه يمثّل نحو 90% من السكان في لبنان، وعلى أساس أن محمد عبد الحميد بيضون (ذا السجلّ الناصع في الوزارة) وأحمد الأسعد يمثّلان نحو 80% من شيعة لبنان ـ على أقل تقدير. الرأي والرأي الآخر بمقياس بيار الضاهر؟ لكن إيلي ماروني يمكن أن يستعيد مجد ميليشيات إسرائيل في لبنان: فقد دعا إلى اقتحام معاقل حزب الله في لبنان. إيلي ماروني مثال لعبارة هيغل عن التكرار الثاني للتاريخ. تستطيع أن تكتب سيناريو لبرنامج كوميدي عن اقتحام معاقل لحزب الله على يد عصابات بقيادة سامي ونديم الجميل وبدعم من إيلي ماروني ومرافقة من فريد حبيب. يذكر التاريخ أن «الرجل الخطير» قضى ـ بساعد أو بساعديْن ـ على حلم النازيّة اللبنانيّة.

والمناظرة بين عقاب صقر وحسن يعقوب تلخّص مواقف بعض اللبنانيّين المُتأفّفين. من يتعاطف مع أي منهما؟ وكيف يمكن أي مواطن أن يتعاطف مع أي منهما باستثناء من يتحزّب لهذه الطائفة أو تلك؟ هذا يتبع لهذا الزعيم وذاك يتبع لذاك الزعيم والاثنان غيّرا مواقفهما عبر السنوات من دون تفسير أو تسويغ.

لكن ظاهرة المرشّح وهو يلوّح بـ«ملفات» بوليسيّة أو قضائيّة ضد الخصم تطرح أسئلة مشروعة عن قدرة المواطن العادي على الحصول على تقارير أمنيّة ضد مواطن آخر. من أين لهم هذا؟ وصقر اختار يا عجبي أن يجد استشهاداً بموسى الصدر (الذي ينسى فريق الحريري أنه كان من أوثق حلفاء سوريا في لبنان) يوحي كأن الصدر يقبل فيه بوجود إسرائيل، وتناسى صقر أقوالاً كثيرة أخرى لموسى الصدر ضد إسرائيل. ويعقوب كان عام 2005 ينطق بما ينطق به صقر اليوم: كان آنذاك يُظهر نفسه كشيعي مستقل أو «وسطي» ــ تلك العبارة المُراوِغة. أي أن الطائفيّة مستشرية والاختيار هو بين هذه الطائفيّة أو تلك. كيف يمكن شعباً يقبل بمبدأ المحاسبة أن يقبل ويتقبّل الاستدارات والشقلبات؟ الجواب: إنها الطائفيّة، وهي تغفر أكثر من تقلّبات: كم من الجرائم والمجازر غَفَرت.

ثم تراهم كلهم ــ في الموالاة وفي المعارضة _ يؤكّدون أنهم تعرضوا للاضطهاد في حقبة السيطرة السوريّة. هل بقي واحد منهم لم يتعرّض للاضطهاد؟ وهل كان مضطهداً مَنْ عمل نائباً ووزيراً وقطباً وسفيراً وداعياً؟ وإذا كان نقولا فتوش وإيلي سكاف وروبير غانم وسامي الخطيب يزعمون أنهم تعرّضوا للاضطهاد في الحقبة السابقة، فمن كان محظيّاً إذاً؟ أريد جواباً، مثلما كانت فاتن حمامة تريد حلاً.

وهل شمل الاضطهاد جلسات صفاء أنس بينهم وبين من تعاقب على إدارة الاستخبارات السوريّة في لبنان؟ ومصباح الأحدب يطلّ متحفّزاً رافعاً لواء السلفيّة: نجيب ميقاتي وقع ضحيّة خديعة أمام ناظريْه. ظنّ أنه حصل على مقعديْن في اللائحة لكنه يكتشف اليوم أنه بالكاد حصل على مقعده هو، لكن ميقاتي ـ الوسطي العزم ـ لا يرفض طلباً للأمير مقرن، والأمير مقرن يمون على أكثر من نصف لبنان، وحزب الله يختار أن يهادن المملكة التي، بالاشتراك مع إسرائيل، كانت نافذة في التآمر في لبنان منذ 2005، على الأقل. (صحافي أميركي تناول العشاء مع الأمير تركي أخيراً في نيويورك. سأله الصحافي ـ الذي روى لي الحديث ـ ما هذا الاهتمام والدور المتعاظم للسعوديّة في لبنان؟ أجابه تركي ضاحكاً: نحن هناك منذ 1945).

ثم من أتى بغسان الرحباني مرشحاً، ومن أين؟ هل يظن التيار الوطني الحرّ أن الحبّوب سيستحوذ على الصوت الفيروزي برمته لمجرّد الاسم؟ لكن الرحباني هذا ــ الباحث، مثل فناني اليوم وملكات جمال التفاح والبطيخ في الجبل، عن قضيّة ــ يحبّ البيئة ويستطيع أن يعبّر عن حبّه للبيئة في ساعة من الكلام الفارغ الذي لا معنى له. الكلّ يحب البيئة اليوم: سليمان فرنجية، مثلاً، يذكر موقعه على الإنترنت أنه يحبّ البيئة والصيد معاً. النشاط البيئي في الغرب بات مرتبطاً بمحاربة وحشيّة الرأسماليّة نفسها، لكن البيئويّة في بلادنا فارغة من المضمون الاقتصادي باستثناء شال ثورة (حرّاس) الأرز الذي يلفّه أكرم شهيّب على رقبته بمهارة. لكن ترشيح الرحباني هذا غير مفهوم: إذا كان القصد ترشيح ممثل عن الحقل الفني، فأبو سليم الطبل لا يزال حيّاً يرزق. وإسهام غسان الرحباني في السياسة سيوازي إسهام الـ«فور كاتس» في الموسيقى. الزعيم يقرّر، وهو يختار، والعامة تطيع.

وهناك مشاهد لا تُنسى. الماما معوّض بين الحضور فيما الابن ـ الذي تحبّه الماما حباً جماً ـ يخطب على المنابر. لكننا لم نعتد مشاهدة الابن معوّض خطيباً في الهواء الطلق. تعوّدناه خطيباً في صالون منزل الماما معوّض (التي تحبّه كثيراً). أو أن ترى وليد جنبلاط يرفع حدّة خطابه ثم يُخفضها، وإن لاحظ المرء أن خطابه يزداد حدّة بعد لقاءاته مع الملك عبد الله والأمير مقرن. إنها الغشاوة اللعينة التي حمّلها مسؤوليّة عقود تحالفه مع النظام السوري: الغشاوة تعمي البصر والبصيرة عند من يقع ضحيّتها.

ومشهد جنبلاط وهو يقدّم لائحة الشوف كان معبّراً أيضاً. رمى بعض كلمات عامّة عن العروبة وعن فلسطين (والعروبة عند 14 آذار تعني ملك السعوديّة، وفلسطين تعني محمد دحلان) فيما كان جورج عدوان يجلس مبتسماً. محسن إبراهيم يخجل بدوره في «الحركة الوطنيّة» ويقدّم الاعتذارات عندما ينطق مرّة كل سنتيْن، فيما جورج عدوان يزهو بدوره في الحرب الأهليّة. لا أحد يسأله عن دوره في الحرب: عن «جبهة حراس الأرزة» (وهي غير تنظيم «حراس الأرز» السيّئ الذكر) التي كانت تنشر دعوات لقتل الشعب الفلسطيني على جدران الأشرفيّة والمناطق الشرقيّة من بيروت. جورج عدوان كان مثل غيره في بقايا «جبهة الحريّة والإنسان» يمثّل الخيار الإسرائيلي. جورج عدوان عانى (فعل ماض؟) من تَهَوُّك (والكلمة الأخيرة من سك عبد الله العلايلي في ترجمة صائبة لكلمة أجنبيّة) صهيوني عاناه أيضاً رفاقه في قيادة القوات اللبنانيّة. كان عضو قيادة في مجلس برئاسة أسوأ لبناني في تاريخ لبنان.

والطريف أن تاريخ القوات اللبنانيّة والكتائب يُكتب من جديد. يتحدّثون (في الفريقيْن حتى لا ننسى «بوسي» الأشقر) عن «مقاومة» ضد الغريب الفلسطيني والسوري. الأشقر لا يزال يزهو بمقاومة النازي اللبناني الصغير، ولا من يسائله عن زهوه بعمليّات التهجير العرقي والطائفي، وعن القتل على الهويّة وعن التحالف ــ الذيلي طبعاً ــ مع إسرائيل.

وأنصار المقاومة في لبنان اليوم متحالفون مع «بوسي» الأشقر ــ مثلما تحالفوا في الماضي مع إيلي حبيقة الذي أشرف على تعذيب حبيب الشرتوني (كذب أسعد الشفتري على قناة «الجزيرة» عندما نفى أن يكون الشرتوني قد تعرّض للتعذيب). أيظن الأشقر ومن بقي من ميليشيات العدو أنهم محوا هكذا بقرار انتخابي تاريخاً طويلاً من حروبهم الطائفيّة ضد لبنانيّين آخرين؟ هؤلاء الذين يزعمون أن حروبهم كانت ضد الغريب ماذا يفعلون بمجازرهم في «السبت الأسود» وفي حارة الغوارنة وفي النبعة وفي غيرهما من المناطق التي مارست فيها القوات اللبنانيّة حروبها الطائفيّة؟ ماذا سيفعلون بضخّهم المحموم مدى سنوات لأدب كراهية ضد الدروز والإسلام وبأسماء مستعارة؟ هل كانت قوات سمير جعجع تزمع مقاومة الغريب في حرب الجبل؟ والعربي هو أسوأ غريب، كانوا يقولون جهاراً فيما لم يُعَدّ الإسرائيلي غريباً.

وتحتار في أمر جان عبيد (الذي يقول إنه «صديق» للملك عبد الله ــ هو مثل كريم مروّة في مذكراته: صديق لكل من صافح يده). تراه ــ هذا الذي صمت في الأعوام الماضية ــ يجول على الشاشات محاولاً إقناعنا بوسطيّته. وهو لا ينفك عن توكيد حبه وإعجابه بسعد الحريري وأبيه من قبله. ويعيد كتابة تاريخه هو: يقول إنه كان يختلف أحياناً مع كمال جنبلاط. نسي أن يوضّح أنه اختلف معه لأن عبيد كان من مؤيّدي التدخّل السوري في لبنان عام 1976. ويقول إنه كان ضد القرار الحكيم لـ«الحركة الوطنية» في 1975 بعزل حزب الكتائب النازيّة. يضيف أن هذا العزل أدّى إلى انتخاب رئيسيْن للجمهوريّة من حزب الكتائب. لا يا جان عبيد. ليس هو العزل الذي نصّبهما في موقع الرئاسة: إسرائيل في اجتياحها هي التي نصّبتهما غيلة (واحد من الاثنيْن لم يتسنّ له الخدمة لظروف خارجة عن إرادة إسرائيل).

وإعلام الحريري يُروّج بحماسة لباسم السبع. كان رفيق الحريري يقول إنه لا يحيط نفسه إلا بخفيفي الظلّ. خفيفو الظلّ؟ من يفسّر وجود السبع في حلقة الحريري؟ أريد جواباً. ويخطب السبع هذه الأيام في جمهور بعيد عن الضاحية الجنوبيّة لكنه يقول إن جمهوره أتى من الضاحية الجنوبيّة: لعلّه تخفّى للقاء محبوبه. لا يفسّر لنا السبع سبب عدم احتضان هذا الجمهور له في الضاحية إذا كان حقاً قد جاء من الضاحية. والجمهور كبير. والسبع يقرأ خطبه على مهل وكأنه يقرأ جواهر أدبيّة أو فصوصاً من الحكم. والسبع يمثّل خياراً شيعياً حريرياً: لا يفهم آل الحريري كيف أن بعض الطوائف في لبنان لا تخضع لسلطتهم ولمالهم: يريدون من كل الطوائف والمنظمات المدنيّة ــ أو ما بقي مدنيّاً منها ـ أن يركع صاغراً على عتبة قريطم. باسم السبع ـ هذا الذي شبك يده بيد رستم غزالة ومشى في مسيرة تأييد ومبايعة لبشّار الأسد عام 2003 ــ والشيعة الحريريّون، يريد الأمير مقرن منهم أن يرِثوا على عجل من حزب الله وحركة أمل قيادة الطائفة في لبنان. لا يلحظ هؤلاء أن تبنّيهم ورعايتهم للفتنة المذهبيّة لا تساعد. الفتنة تصلّب الفرقة والاستقطاب في الفريقْين: تدعم زعامة تيّار الحريري، لكنها تدعم زعامة خصومه في الطوائف والمذاهب الأخرى.

يمكن الحكم على الإعلام الانتخابي بالقول إن إعلام الحريري نجح في وضع الخصم في موقع الدفاع عن النفس. والطرف الآخر يعترض على إصدار أكاذيب وشعارات مُحرّضة من الطرف الآخر وكأنه كان يتوقّع معركة نظيفة من فريق لعائلة لم تتسلّم الزعامة إلا عام 2000 عبر اكتشاف فائدة الحملات المذهبيّة والطائفيّة المبتذلة.

يعاني إعلام المعارضة من سذاجة ومن غباء. الإعلام العوني أذكى من غيره لكنه ينجرّ بسرعة إلى الدفاع عن النفس أمام ضربات الدعاية الحريريّة. أما إعلام حزب الله فهو يُدار وكأنه يتعامل فقط مع مناصرين للحزب في حسينيّة قرية جنوبيّة. شعاراته وعناوينه تبدو باهتة وقديمة: من عصر سبق عصر الإنترنت. وينسى أن هناك بين مشاهدي «المنار» من هم من غير المناصرين (والمناصرات).

لا يحاول «المنار» مخاطبة الجمهور الأوسع، وهذا سرّ نجاح إعلام 14 آذار الذي يتساوى مع شعارات التحالف السعودي ــ الإسرائيلي وأهدافه. الفريقان في لبنان يختبئان وراء التقيّة: لا يعترفان بأن الخلاف الأساسي ليس على سلاح حزب الله: الخلاف هو بين من يعتبر أن إسرائيل عدو تاريخي، ومَن لا يعتبر أن إسرائيل عدو (وإن لم يجاهر بذلك، مع أن كل كلامه وشعاراته وتحالفاته وممارساته لا تدع مجالاً للشك في نياته).

هذه انتخابات بين أطراف تمرّست في التكاذب، وإزاء الشعب المُنجرّ وراء حملات لا تستر توتّرات مذهبيّة وعنصريّة جيّاشة تنبع من إرادة مشاريع الأمير مقرن. من يستطيع أن يصوّت لمن جلس على مقعد نيابي مع تلك السيّدة التي أعدّت أطباقاً لشارون؟ من صافح تلك السيّدة اتسخت يداه إلى الأبد. ونصف لبنان أجمع على القسم الذي يشدّد على ضرورة أن يبقى اللبنانيّون منقسمين مسلمين ومسيحيّين، إلى أبد الآبدين. يا محسنات ومحسنين. مَلاّ وطن، تخمين.
"الأخبار"

التعليقات