31/10/2010 - 11:02

جنون الانتقام وسحب المواطنة.. والمستقيل../ د.جمال زحالقة

جنون الانتقام وسحب المواطنة.. والمستقيل../ د.جمال زحالقة
لا تتوقف حملة الملاحقة السياسية التي يتعرض لها التجمع والدكتور عزمي بشارة، ولا تتوقف المؤسسة الإسرائيلية عن استهداف بشارة.

مرة يلفقون ملفا أمنيا، ومرة يحاولون منع التجمع من خوض الانتخابات، ومرة من خلال استغلال الإعلام والصحافة، ومرة من خلال الوسواس الخناس الذي يثرثر بين الناس. الحملة التي نحن بصددها هي سلسلة قوانين أسميت بقوانين بشارة، هدفها المعلن هو الانتقام من بشارة بعد أن فشلت المؤسسة الإسرائيلية في مؤامرتها بتصفيته سياسيا وزجه في السجن بحيث لا يخرج منه. لقد جن جنونهم لأن مؤامرتهم لم تنجح في ضرب التجمع، الذي واجه التحدي بصلابة ومسؤولية، مستنفراً طاقات كوادره وأصدقائه وكل الغيورين على الحركة الوطنية.

مرت في الأشهر الماضية خمسة قوانين جديدة في إطار "قوانين بشارة", كان آخرها قانون سحب المواطنة، الذي فصلت بنوده خصيصاً لعزمي بشارة. وما من شك بأن المرحلة القادمة ستشهد محاولة للقيام بإجراءات سحب مواطنة بشارة بناء على القانون الجديد.

رئيس الليكود العالمي مثلاً توجه بالتماس إلى المحكمة العليا بهذا الشأن وأعلن أن منظمته أطلقت حملة ضد بشارة تدعو فيها إلى ملاحقته وسحب ومواطنته. إن سحب مواطنة أي إنسان هو فضيحة كبيرة لأي دولة، فالقانون الدولي يحرم بشكل قاطع ترك المواطن بلا مواطنة، ومع ذلك ليس لدينا أوهام حول القضاء الإسرائيلي ومدى التزامه ببنود صريحة وواضحة في القانون الدولي.

لم يأت هذا القانون لسحب مواطنة بشارة بسبب التهم التي وجهت له، فهي ما زالت شبهات لم تجر محاكمته عليها ولم تقدم ضده حتى لائحة اتهام. القانون الجديد لا يمس حتى الذين أدينوا في المحاكم الإسرائيلية بتهم خطيرة جداً، مثل قتل رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو حتى المشاركة في عمليات تفجيرية أدت إلى قتل العشرات. إذن الهدف هو بشارة الشخص وما يقوم به من دور وما يمثله من فكر وسياسة.

لقد جن جنونهم فعلاً من هذا الدور ومن هذا الفكر ومن هذه السياسة، فانبروا يسنون القانون تلو القانون للانتقام منه. هذه القوانين لا يمكن إلا أن تكون قوانين عنصرية، تدين إسرائيل فيها نفسها بنفسها، وتثبت ما قاله بشارة دائماً عن أن مواطنة العرب مشروطة ومنقوصة، وتكشف أهمية دور بشارة في فضح الانفصام والثنائية في الحالة الإسرائيلية: عنصرية في الداخل وصورة ديمقراطية في الخارج.
وأخيراً استقال اولمرط، واستقالته ستدخل حيز التنفيذ في مطلع الخريف القادم بعد انتخاب رئيس جديد لحزب كاديما، الذي يترأسه. لم تثر استقالة أولمرط زوبعة كبيرة، كالتي تثار عادة عن تقديم رئيس وزراء استقالته. من المعروف أن أولمرط أنهى حياته السياسية وبقي السؤال كيف سيتم ذلك وأولمرط أجاب عليه بإعلانه عدم نيته ترشيح نفسه في الانتخابات التمهيدية في حزب كاديما.

من الواضح أن السبب المباشر لهذه الاستقالة هو ملفات الفساد المالي التي تورط فيها أولمرط. لكن هذه الملفات لم تأت من فراغ ولها خلفيات سياسية تتعلق بفشله في الحرب على لبنان وبابتعاده عن بعض المواقف التقليدية لليمين الإسرائيلي.

لقد راهنت مجموعة من الأثرياء اليهود في الولايات المتحدة على إيهود أولمرط كحصان رابح في السياسة الإسرائيلية ومنحوه كميات ضخمة من الأموال، راهنوا عليه اعتماداً على تقييمهم لقدراته وتماهيهم مع مواقفه في الماضي. أولمرط خيب آمالهم بعد فشله في الحرب، وبعد أن طلع ببعض المواقف السياسية لم يتوقعوها منه خاصة بكل ما يتعلق بخطة الانفصال من جانب واحد من غزة. على هذا الأساس قرر من قرر منهم التخلص منه وفضح أمر فساده المالي.

أولمرط ليس الوحيد الذي تلقى أموالاً بشكل غير قانوني من يهود أمريكا، ولكنه الأول الذي قرر من منحه الأموال أن يشهد ضده ويقدم أدلة تدينه. بالمجمل فإن الخلفية السياسية لملفات أولمرط هو أن هيبته أصبحت في الحضيض، بعد فشله في الحرب، وكان من المفروض أن يلحق بشريكيه في الحرب، دان حلوتص، رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، وعمير بيرتص، وزير الأمن الإسرائيلي السابق. أولمرط هو ثعلب سياسي، وأستطاع المراوغة والإفلات من توصيات لجنة فينوغراد. حتى الثعالب السياسية، ليست قادرة على كل شيء وأولمرط اضطر إلى الاستقالة رغم مكره ودهائه السياسي.

ما يهمنا في الأمر أن تهم الفساد الموجهة لأولمرط هي تهم تافهة مقارنة بالتهم الحقيقية التي يجب أن توجه ضد أمثاله، فهو مسؤول مباشر عن قتل أكثر من ألف لبناني وأكثر من ألف فلسطيني، وهو مسؤول مباشر عن الحصار والتجويع وتدمير بنى تحتية في لبنان وغزة. لكن ما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية تعاقب على أتفه التهم وتمنح الأوسمة على ارتكاب الجرائم الكبرى.

التعليقات