31/10/2010 - 11:02

حرب نفسية قاصرة../ فيصل جلول

حرب نفسية قاصرة../ فيصل جلول
ينسب إلى الماريشال النازي إيروين رومل قوله إن “القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم”، وهذا ليس بعيداً عن تأكيد “صن تزاو” المفكر العسكري الصيني إذ يرى أن أعلى درجات المهارة تكمن في “تحطيم مقاومة العدو دون قتال“، وصنفت دائرة “الحرب النفسية” في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية هذا النوع من الأقوال في سياق الحرب النفسية ومن بين أهدافها ”تحطيم قيم وأخلاقيات العدو ، وإرباك رؤيته السياسية، وتحطيم معتقداته ومثله والتلويح له بالدروس التي عليه أن يؤمن بها، وغسل دماغه وزرع بذور الفرقة في صفوفه.. الخ”.

لم تكف “إسرائيل” منذ تأسيسها عن اعتماد هذه الإستراتيجية في مواجهة العرب وقد نجحت جزئيا قبل يونيو/ حزيران عام 1967، وازداد تأثيرها بعد حرب الأيام الستة إلى حد أن إذاعة الكيان الصهيوني صارت المصدر الإعلامي الأول للعرب الباحثين عن خلفيات الصراع.

ولعل من آثار السيطرة “الإسرائيلية” على عقول العرب في تلك الفترة أن شطراً كبيراً من اللبنانيين اعتقدوا بشعار “قوة لبنان في ضعفه” أي في الامتناع عن مغالبة “إسرائيل” التي كانت تتبجح بعد حرب حزيران بالقول: أما لبنان فيمكننا احتلاله بفرقة الجيش الموسيقية.

كان لا بد من معارك وحروب طويلة حتى ينحسر أو يضعف تأثير الحرب النفسية على الرأي العام العربي عموما، واللبناني بصورة خاصة، وكانت حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 علامة بارزة في هذا الاتجاه وصولا إلى حرب يوليو/ تموز عام 2006 التي وجهت ضربة قاصمة للتأثير “الإسرائيلي” النفسي على الرأي العام العربي.

وقد ترافق ذلك مع فشل صهيوني ذريع في إطلاق فضائية باللغة العربية لا بل يمكن القول إن “السحر انقلب على الساحر” إذ أفادت استطلاعات عبرية أن الرأي العام في الكيان يصدق زعيم المقاومة اللبنانية أكثر من قادته.

بيد أن تل أبيب لم ترفع الراية البيضاء في حرب السيطرة على “العقول قبل الأبدان” فقد ناورت بعد حرب تموز 2006 بوسائل مختلفة من بينها تعيين إيهود باراك وزيرا للدفاع وهو الذي وشم يديه بدماء قادة فلسطينيين في بيروت عام 1973 وعرف بغدره “الناجح” لرموز فلسطينية عديدة فضلا عن مشاركته في حروب “إسرائيل” المتتالية على العرب، وتمتعه بثقة العاملين تحت قيادته وصولا إلى إدارته حرب غزة أواخر العام 2008 وبدايات العام 2009 بطريقة حازت رضا القسم الأكبر من مواطنيه لطابعها الثأري والتدميري وليس لإنجازات الحرب على أرض المعركة.

واستخدمت “إسرائيل” أيضا المناورات العسكرية الشاملة المترافقة مع تغطية إعلامية غير مسبوقة وكشفت النقاب عن قرب امتلاكها أسلحة جديدة من بينها القبة الحديدية المضادة للصواريخ وتدريع “الميركافا” وقرب الحصول على جيل أمريكي جديد من الطائرات القاذفة التي تصل إلى مسافات بعيدة مع التلميح باستخدامها لضرب المفاعلات النووية الإيرانية.

ولا تكف السلطات الصهيونية منذ حرب تموز عن تحريك قواتها الحربية على الحدود اللبنانية والسورية والفلسطينية والتلويح بالحرب هنا وهناك وهنالك، والواضح أن هذه الاستعدادات المستمرة منذ حرب تموز 2006 كانت تمهد دائماً لضربة عسكرية جزئية على الجبهات الثلاث فقد مهدت لقصف “المفاعل النووي” السوري المزعوم في 9 سبتمبر/ أيلول عام 2007، ومهدت لاغتيال القائد العسكري اللبناني عماد مغنية في 12 فبراير/ شباط عام 2008، وفي الاعتداء على غزة نهاية العام نفسه، وأخيراً في اغتيال القائد العسكري الفلسطيني محمود المبحوح مطلع العام الجاري.

وفي كل مرة كان باراك يهدد بالحرب في حال الرد على هذه الاعتداءات، وكأنه يريد رسم قاعدة جديدة للمجابهة مفادها أن “إسرائيل” قادرة على خوض حرب جزئية وضربة استباقية واغتيال القادة الكبار، وأن الطرف الآخر عاجز عن الرد خوفاً من حرب تدميرية على غرار حربي غزة ولبنان وبذلك تستعيد “إسرائيل” ثقة مواطنيها وتبرر أمام عسكرييها إيقاع المناورات الحربية المستمرة، وتنهك الرأي العام العربي جراء تراكم الصفعات التي لم يتم الرد عليها .



الراجح أن باراك يستفيد في استراتيجيته الحربية من الضغوط الدولية المستمرة على إيران، ومن انشغال المقاومة اللبنانية والفلسطينية في استكمال الاستعدادات للحرب المقبلة، ومن الانشغال السوري في تغيير استراتيجية الجيش القتالية، بالمقابل يبدو أن الوقت المتاح أمام باراك ليس طويلاً، ذلك أن الجبهات اللبنانية والفلسطينية والسورية ما عاد بوسعها أن تتحمل المزيد من الضربات الجزئية والاغتيالات.

والراجح أيضاً أن باراك يعرف أكثر من أي مسؤول “إسرائيلي” آخر أن مناوراته الحربية المعطوفة على حرب نفسية أخفقت في السيطرة على “عقول” المقاومين قبل “أبدانهم” وبما أن هؤلاء سيخوضون الحرب المقبلة فإن نتيجتها لن تكون أفضل من حربي غزة ولبنان إن لم تكن أسوأ منها. ولعل هذا الإدراك هو الذي حمله في مؤتمر هرتزلياً الأخير على طلب المفاوضات مع دمشق للإفادة من ترميم ثقة الرأي العام “الإسرائيلي” بالمؤسسة العسكرية، وتجنب انكشاف آخر في أي حرب مقبلة في مواجهة المقاومة.

في هذا السياق يبدو أن السؤال عن توقيت الحرب المقبلة ليس دقيقا ما دامت الحرب النفسية قائمة والاستعدادات العسكرية شاملة، وبالتالي ما عاد أمام الطرفين سوى المباشرة بإطلاق النار أو التفاوض الجدي حول الجولان لتجنب الحرب.
"الخليج"

التعليقات