31/10/2010 - 11:02

حق مشروع، ولكن../ معن بشور*

حق مشروع، ولكن../ معن بشور*
بقدر ما اتسمت زيارة رئيس الاتحاد السويسري باسكال كوشبان إلى لبنان بهدوء راق، لم يواكبه صخب مرافق لهذا النوع من الزيارات، وبتواضع بعيد عن الاستعراضية التي تحيط بزيارة الكبار وحتى الصغار، وبترفع عن التوغل في تفاصيل الحياة الداخلية اللبنانية، قلّما لاحظناه مع زيارات "ضيوف" ثقلاء من الدرجة الثالثة أو الرابعة في بلادهم، فإن الرئيس السويسري قد أدلى خلالها بتصريحات كانت حتى وقت قريب ملك الاجتماعات المغلقة، والغرف السرية، وكواليس الأندية الدبلوماسية.

لقد أقرّ الرئيس السويسري مشكوراً بمشروعية حق العودة للفلسطينيين إلى بلادهم، لكنه استدرك بسرعة خاطر أو بتحضير مسبق – لا فرق – ليقول: غير أن العودة الكثيفة أمر غير قابل للتطبيق، وإن البديل من العودة هو التعويض ... وربما "التهجير" (وهو مصير ينتظر اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة وداخل فلسطين نفسها).

صحيح، أن الرئيس السويسري لم يشر إلى "التهجير" في كلامه، لكن من يرى التوتر الأمني ينتقل من مخيم فلسطيني إلى آخر، ويسمع التحريض ضد إخواننا الفلسطينيين يتجول من لسان سياسي إلى لسان آخر، يدرك أن التهجير يبقى الحل الأكثر واقعية بين عودة "مستحيلة التطبيق"، وتوطين تسكنه فتنة أو فتنة تسكن التوطين.
ما يستحق النقاش في تصريحات الرئيس السويسري – الذي أعلن عن عدم خوفه من زيارة لبنان – هو قوله "بلا واقعية العودة الكثيفة للفلسطينيين إلى ديارهم وبيوتهم وقراهم" حسب قوله.

أولاً: هل "هجرة" اليهود الصهاينة من أرجاء العالم، وعلى مدى قرن وأكثر إلى فلسطين، حيث يقطن شعب آخر، كانت "ممكنة التطبيق"، فيما عودة أصحاب الحق إلى بلادهم مستحيلة التطبيق؟

ثانياً: ألم يكن قدوم مليون مهاجر من الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينات "هجرة كثيفة" في عام واحد، 0 ومع ذلك تم استيعابها على أرض فلسطين المحتلة)، حتى تكون عودة الفلسطينيين الكثيفة اليوم غير قابلة للتطبيق؟

ثالثاً: هل مهمة المجتمع الدولي ومنظماته الدولية، بما فيها الاتحاد السويسري، مقر العديد من المنظمات الدولية، ولاسيّما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، هي أن تغيّر الواقع ليتلاءم مع حقوق البشر، أم أن تدعو إلى تكيّف الحق مع الواقع، عكس ما تشي به سنن التاريخ وشرائع الأرض والسماء؟

رابعاً: إذا كان المجتمع الدولي سيقرّ مبدأ أن القوة باتت بديلاً من الحق، ألا يعني ذلك دعوة صريحة لأصحاب الحقوق إلى أن يلجأوا إلى القوة للدفاع عن حقوقهم أو لاسترجاعها؟

خامساً: ماذا يفعل الرئيس السويسري بقرارات دولية، كالقرار 194 الصادر قبل ستين عاماً (11/12/1948)، والقاضي بحق العودة للفلسطينيين، بل القاضي بعدم اعتراف الأمم المتحدة "بالدولة" الصهيونية إذا لم تعترف بهذا القرار وبقرارات أخرى.

سادساً: ماذا يفعل الرئيس السويسري أيضاً بالدستور اللبناني، (وهو من أعرب عن سعادته بعودة العمل في المؤسسات الدستورية اللبنانية)، وهو الدستور الذي تضمنت مقدمته نصاً واضحاً برفض التوطين، بل أن بعض النواب يتجه اليوم إلى تعديل الدستور بحيث يتطلب إلغاء هذا النصّ إجماعاً نيابياً لبنانياً للتأكيد على مركزية هذا النص الرافض للتوطين لدى اللبنانيين؟

فإذا كان التوطين مرفوضاً بإجماع لبناني وفلسطيني وعربي، وإذا كان مشروع "الوطن البديل" يساوي "الخيانة" في أقطار عربية أخرى، وإذا كانت العودة غير قابلة للتطبيق، فنحن إذن أمام دعوة صريحة إلى التهجير .. والى إيجاد الأسباب الداعية لهذا التهجير، وهي أسباب ليست خافية على أحد.. .

وفي الأغلب، إن الرئيس السويسري ليس ضالعاً في مخططات صهيونية أو مؤيدة تسعى إلى شطب حق العودة، وهو كغيره من السياسيين، وبينهم فلسطينيون، يحاول أن يقدم صورة واقعية لمستقبل القضية الفلسطينية والحلول المتصلة بها.

وحق العودة لا يشكّل فقط جوهر هذه القضية، وحجر الزاوية في كل الحقوق الأخرى المتصلة بها، والبوصلة السليمة لكل السيناريوهات المرتبطة بحلها، بل إن التنازل عنه، والدعوة إلى شطبه، يشكّل تسليماً بكل جرائم الصهاينة ومجازرهم بحق الناس والأرض والسيادة والكرامة، بل يشكّل تشجيعاً لاستكمال مخططات "التهجير" الأخرى، أي "الترانسفير" التي ما زال أصحاب الرؤوس الحامية في الكيان الصهيوني يسعون إلى تنفيذها داخل فلسطين نفسها، خصوصاً فلسطين المغتصبة عام 1948.

لا شك أن المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم الرئيس السويسري، وعلى رأسهم الرئيس العماد ميشال سليمان، قد أبلغوا ضيفهم الكريم موقف لبنان من هذه القضية، وهو موقف أعلنه رئيس الجمهورية في خطاب القسم، ومن على منبر الأمم المتحدة، لكن مسألة حق العودة تستحق كذلك تحركاً شعبياً واسعاً، فلسطينياً وعربياً، إقليمياً ودولياً، سياسياً وقانونياً، لكي يصبح من ثوابت الحق الوطني والقومي والإنساني والأخلاقي.

فهل تنجح منتديات حق العودة المتنامية داخل الوطن وخارجه في تحقيق هذا الأمر؟ وهل يستطيع ملتقى عربي دولي لحق العودة كالذي سينعقد في دمشق، على غرار ملتقى القدس الدولي في اسطنبول قبل عام، أن يطلق آليات وديناميات وبرامج تحاصر كل الدعوات الصادرة من هنا أو هناك لشطب حق العودة؟!.

التعليقات