31/10/2010 - 11:02

حماس.. وأولويات المرحلة./ أحمد الحيلة*

حماس.. وأولويات المرحلة./ أحمد الحيلة*
احتفلت بيروت في الأيام القليلة الماضية باستقبال آخر دفعة من أسراها المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، محرزة في ذلك انتصاراً استراتيجياً لصالح المقاومة الإسلامية في لبنان ولصالح المقاومة العربية عموماً. ففي الوقت الذي فشلت فيه الدبلوماسية العربية، واتفاقيات السلام المعقودة مع مصر، والأردن، والسلطة الفلسطينية في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والعرب، أثبتت المقاومة قدرتها على ذلك من منطق القوة والمنعة والغلبة على العدو الذي لا يعترف إلا بواقع القوة والأمر الواقع..

صفقة الأسرى مع حزب الله، جاءت لتؤكد من جديد بأن حرب تموز 2006 هي حرب انتصار للمقاومة وليس للاحتلال رغم حجم الدمار الذي خلفته ترسانة العدو..، فالاحتلال بعد أن فشل في القضاء على المقاومة في لبنان التي ازدادت قوة ومنعة أكثر من ذي قبل، فشل أيضاً في استرداد جندييه الأسيرين لدى حزب الله كهدف "معلن" للحرب، ورضخ مؤخراً إلى شروط المقاومة في لبنان بإطلاق كافة الأسرى الأحياء، وتسليم كافة الجثامين الطاهرة للشهداء اللبنانيين، والعرب، والفلسطينيين الذي جاؤوا إلى أرض فلسطين انطلاقاً من لبنان.

ما ينبغي قوله إن الزمن رغم تعقيداته الدولية والمحلية، ورغم تراجع وتشرذم الرسمية العربية إلا ممّن بقي على العهد وهم قلّة، هو زمن الانتصار لإرادة الشعوب المقاومة، وأن خيار المقاومة هو خيار العزة والغلبة والمنعة، وأن الاحتلال الإسرائيلي إلى تراجع رغم الهالة التي يتمتع بها، والدعم الذي يتلقاه من الإمبراطورية الأمريكية المنكسرة على ضفاف دجلة والفرات، بفعل المقاومة العراقية وتضحيات المخلصين من أبناء بغداد..

نحن الآن أمام مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة العربية، مرحلة بدأت تكتب أحرفها بمداد من دماء الشهداء الذين سطروا عز هذه الأمة وعنفوانها، وهذا في حد ذاته يلقي بثقل من المسؤولية المتعاظمة على عاتق حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق..، لأن هذه الحركات أصبحت مطالبة جماهيرياً الآن وأكثر من أي وقت مضى بتحمل مسؤوليات وطنية عجزت عن تحملها حكومات وجيوش عربية بأكملها، فالمقاومة في حقيقة الأمر باتت تعبر عن إرادة عميقة لشعوب المنطقة التواقة إلى الحرية وإلى الدفاع عن نفسها في مواجهة صلف وعنجهية الاحتلال الصهيوأمريكي.

ومن هنا فإن حركة حماس بما تمثله من جسر متقدم في مواجهة الاحتلال الصهيوني داخل فلسطين، مطالبة الآن بتحمل مسؤوليات أكثر من ذي قبل، خاصة بعدما تقلص هامش المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله بعد الإفراج عن كامل الأسرى اللبنانيين، وفي ظل الحديث عن إمكانية تخلي إسرائيل عن مزارع شبعا، بوضعها في عهدة الأمم المتحدة، لسحب الذرائع أمام حزب الله في أي مواجهة مفترضة مع الاحتلال الإسرائيلي. هذا لا يعني أن حماس ستكون وحيدة في الميدان فالاحتلال لا يؤمن مكره، وهو ما زال يضع سلاح حزب الله، وإيران، وسوريا تحت المجهر، ولكن سياسة سحب الذرائع أمام حزب الله، والمفاوضات السياسية التكتيكية مع سوريا، تملي على حركة حماس أن تمعن التفكير في خيارات أو في تكتيكات المواجهة مع الاحتلال قياساً على معطيات المرحلة.

وفي ظل تعقيدات الوضع الفلسطيني المنقسم على ذاته، وفي ظل تهدئة غير ناجزة في غزة، واستباحة للضفة الغربية..، يصبح المدخل والأولوية للمقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة أن تعمل على إعادة ترتيب أوراقها الداخلية استعداداً لمرحلة قادمة، لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، فالمنطقة الآن تعيش مرحلة انتقالية تترقب فيها ميلاد إدارة أمريكية جديدة، جمهورية كانت أم ديمقراطية..

وفي هذا الاتجاه، فإن أولويات الوضع الفلسطيني الداخلي، تتطلب التركيز والعمل على إنجاز المهام التالية:

• أولاً: التقدم بشكل حثيث نحو المصالحة الوطنية، وتسخير كل الإمكانات نحو ذلك كاستحقاق وطني عاجل، رغم وجود فيتو أمريكي يتقاطع مع رغبة "زعامات" في رام الله، من خلال تحريك الجماهير الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني، ودفع العديد من الدول العربية لإيجاد حالة ضاغطة باتجاه المصالحة الوطنية، فإذا كانت مصر غير قادرة على اعتراض الفيتو الأمريكي، فلا بأس بدفع قطر بحكم تجربتها السابقة مع لبنان، أو بدفع الجامعة العربية وأمينها العام السيد عمرو موسى لحمله على تفعيل ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية بتشجيع من دول عربية فاعلة وراغبة في رأب الصدع بين الأشقاء الفلسطينيين.

• ثانياً: استكمال إنجاز اتفاق التهدئة برفع الحصار كلياً، وبفتح كامل المعابر, وخاصة معبر رفح، قبل التوجه إلى حل مشكلة الأسرى وإنجاز صفقة الجندي جلعاد شاليط. لأن التخوف المشروع أن يعمد الاحتلال إلى التخلي عن استحقاقات التهدئة باستعادته للجندي الأسير، وبالتالي فإن ورقة التفاوض حول الجندي يجب أن تستعمل في الضغط من أجل رفع الحصار أولاً، ومن ثم لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

• ثالثاً: إنجاح صفقة الأسرى بالشروط الفلسطينية، فالاحتلال الذي دفع ثمناًَ كبيراً مقابل جثتين، عليه أن يدفع الثمن الأكبر مقابل الجندي جلعاد شاليط "الحي"، ومن حسن إدارة المفاوضات أن لا تستعجل المقاومة الفلسطينية من أمرها، فالاحتلال وتحديداً أولمرت بأمس الحاجة لإنجاز صفقة التبادل قبل رحيله عن رئاسة حزب كاديما وقبل وداعه لرئاسة الحكومة. وحتى لو لم يرد أولمرت أن يدفع الثمن فلا بأس في ذلك، لأن المقاومة الفلسطينية تصبح مطالبة في حينه أن تعمد إلى خطف المزيد من الجنود حتى يقتنع الاحتلال بأهمية إنجاز الصفقة ودفع الثمن، فالتراجع هنا محظور، لأن فلسطين بحاجة إلى أبنائها الذين يفنون زهرة شبابهم في سجون الاحتلال.

• رابعاً: استعداد المقاومة الفلسطينية، لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن يعتمدها الاحتلال ضد الضفة والقطاع، خاصة إذا فشلت التهدئة، ولم تنجح صفقة الجندي الأسير جلعاد شاليط، وذلك لأسباب متعلقة باضطراب الخارطة السياسية الحزبية في إسرائيل، وفي ظل حمى المنافسة بين الأحزاب التي قد تحاول الصعود بمزيد من التعنت والتعسف والقتل للفلسطينيين، وهذا بدوره بحاجة إلى إعادة النظر في واقع المقاومة في الضفة الغربية بكونها الساحة الأبرز والأقرب إلى قلب فلسطين.

التعليقات