31/10/2010 - 11:02

حملة إقليمية لتحجيم “الدولة الكردية” المستقلة ../ فيصل جلول

حملة إقليمية لتحجيم “الدولة الكردية” المستقلة ../ فيصل جلول
عبّر الرئيس العراقي جلال الطالباني عن ذهوله من تأييد الرئيس السوري بشار الأسد للاجراءات التحضيرية التي تعتمدها تركيا في مجابهة حزب العمال الكردستاني المسلح. وقال إنه يستغرب كيف تؤيد دولة عربية غزواً أجنبياً لبلد عربي آخر! في اليوم التالي عبر رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني عن ذهول أقل في برنامج “حوار مفتوح”.. “لا اعرف لماذا يؤيد بشار الأسد هجوماً تركياً على أراضي دولة هو يقول إنها عربية”، ولعل ضمير الغائب “هو” يحرر البرزاني من “عروبة أراضي العراق” بحكم مقامه الرئاسي الكردي لكنه أيضاً لا يعترض عليه “مؤقتاً” إذ يعينه في الضغط على دمشق علها تتراجع عن الحملة التأديبية التركية ضد المقاتلين الأكراد.

وإذا كان رئيس العراق الكردي يجزم بأن العراق “العربي” لن يسلم “قطة” من كردستانه إلى الأتراك، فإن رئيس الإقليم الكردي يجزم أيضاً بأنه سيقاتل دفاعاً عن “سيادة” العراق “الفيدرالي” بوصفه “الاسم الحركي” للدولة الكردية المستقلة.

لايمكن للأكراد إقناع أحد بحرصهم على عروبة الأراضي العراقية، طالما أن إجراءاتهم في محافظات الشمال تذهب في الاتجاه المعاكس: منع تدريس اللغة العربية لمصلحة الإنجليزية.حظر العلم العراقي الرسمي بذريعة “بعثيته”، واعتماد علم كردي كان رمزاً للحركة الكردية الانفصالية. تطهير كردستان من العرب باستثناء المتبضعين. تطهير عرقي بطيء لعرب كركوك ناهيك عن تركمانها. توقيع عقود نفطية مع شركات أجنبية على الضد من رغبة الحكومة المركزية. استخدام وزارة الخارجية وما تبقى من أجهزة الدولة العراقية لتدعيم الانفصال الكردي. المطالبة بنقل قاعدة “انجرليك” الأمريكية من تركيا إلى كردستان. اعتبار قرار الكونجرس الأمريكي الأخير حول تقسيم العراق مطابقاً للدستور العراقي. استكمال بناء أجهزة الدولة الكردية: شرطة، جيش، إدارات، حكومة، برلمان، رئاسة ضمن هرمية سياسية متكاملة، واستدراج الدول العظمى لفتح سفارات متنكرة بتسميات قنصيلة وآخرها قنصيلة فرنسية كان برنار كوشنير قد تعهد لأصدقائه الأكراد بفتحها منذ تعيينه وزيرا للخارجية في بلاده... الخ.

لا يضير البرزاني أن تكون كردستان مستقلة تماماً ومتدثرة إلى حين بعباءة العراق العربي، سيما وأن المثلث السوري التركي الإيراني يحاصرها من كل الجهات ويعتبرها خطراً داهماً على الوحدة الوطنية في البلدان الثلاثة، لا بل يمكن للغطاء العراقي أن يكون فعالاً في حماية الدولة الكردية عبر الجامعة العربية التي تبدو اليوم مذهولة بدورها إزاء طلب العراق بحث التهديد التركي بالهجوم على محافظاته الشمالية.

وإذا كان عمرو موسى قد وجد صعوبة بالغة في اختيار العبارات الملائمة لبحث الطلب العراقي متعهدا بمناقشته في اجتماع مقبل لمجلس الجامعة، فإن موضوع البحث نفسه لا يخلو من الحيرة. ذلك أن عرب الجامعة مدعوون لرفض “غزو” أجنبي يهدد في الأصل قواعد حزب العمال الكردي المستقرة في دولة كردستان المنفصلة واقعيا عن العراق، والرافضة لتعليم لغة الجامعة العربية في الاراضي الكردية.

لا بأس من تخيل سيناريو نقاش هذا الطلب السوريالي. سيقول مندوب العراق وهو للمناسبة وزير الخارجية الكردي هوشيار زيباري إن الغزو التركي الأجنبي يهدد وحدة الأراضي العراقية. لن يجرؤ أي من المندوبين على سؤاله عن الغزو الامريكي الاجنبي الذي تسبب بتعيينه وزيراً للخارجية. ولن يجرؤ أحد على تذكيره بأن وحدة العراق مهددة بقرار التقسيم الصادر للتو عن الكونجرس الأمريكي بمسعى كردي، وأن أراضي البلد مهددة يومياً بتأسيس “الدولة الكردية” على أنقاض الدولة العراقية. لن يذهب زيباري إلى حد المطالبة بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك في مواجهة الأتراك، لكنه سيطالب بموقف عربي مناهض للغزو التركي العسكري لشمال العراق. لن يكون الرد على الطلب سهلاً فإن وافق المندوبون فهذا يعني أنهم يؤازرون حزب العمال الكردستاني الذي يسعى للانفصال عن تركيا، وإن رفضوا سيقول زيباري إن الجامعة تؤازر الترك ضد الكرد وإنها لا تعبأ بوحدة الأراضي العراقية. في نهاية المطاف قد يصدر بيان عن الجامعة يطالب بحل سلمي للمشكلة. لن يعبأ الأترك بالبيان طالما أنهم لا يعبأون بالمناشدات الأمريكية. سيهاجمون قواعد حزب العمال وستقف سوريا وإيران إلى جانبهم. وسيتلقى مشروع الدولة الكردية المستقلة ضربة قوية. سيطلب الأكراد الحماية من العراقيين العرب الذين قد لا يجدون أسباباً كافية لإنقاذهم. أما الولايات المتحدة الأمريكية فستكون في موقع لا تحسد عليه، فمن جهة لا يمكنها المغامرة بخسارة حليف تركي يضمن القسم الأعظم من إمداداتها العراقية، ومن جهة ثانية ستبدو عاجزة عن حماية الاكراد الذين يشكلون عمقاً استراتيجياً لمغامرتها الشرق أوسطية.

لقد أصاب مسعود البرزاني كبد الحقيقة عندما أكد ل”الجزيرة” أن تركيا ومن ورائها سوريا وإيران تريد القضاء على الدولة الكردية المستقلة على حدودها، وأنها تتذرع لهذه الغاية بقضية العمال الكردستاني لكنه نسي أو تناسى أن يضيف أن قرار الكونجرس بتقسيم العراق هو الذي دفع الأكراد نحو اختبار إقليمي للقوة قد لا تخرج منه قضيتهم سالمة. في هذه اللحظات الصعبة ربما يدرك الطالباني والبرزاني أنه يصعب ادعاء الحرص على وحدة الاراضي العراقية عبر الرئاسة في المنطقة الخضراء وتهديد هذه الوحدة عبر رئاسة الإقليم. في هذه اللحظات ربما على الحكماء الأكراد أن يدركوا أن الرقصة الكردية قد وصلت إلى طريق مسدود وأن من الصعب الرهان على استكراد صلاح الدين عبر التحالف مع أحفاد الغزاة الذين دمر ممالكهم في “أورشليم”.
"الخليج"

التعليقات