31/10/2010 - 11:02

حنين زعبي ليست القضية../ نزار السهلي*

حنين زعبي ليست القضية../ نزار السهلي*
يمكن أن نفهم أن قضية استهداف النواب العرب في الداخل الفلسطيني هي جزء من حرب شاملة تقودها ما تسمى "الديمقراطية" الإسرائيلية ضد السكان الأصليين للبلاد. فالعصابات الصهيونية المؤسسة للكيان الإسرائيلي، منذ احتلال فلسطين عام 48 وجدت نفسها اليوم، بعد أكثر من ستة عقود، في مواجهة مع فكر وثقافة تجذرت في الوعي الجمعي للفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وباتت اليوم قضية ملاحقة هذا الوعي من أولويات السياسة الإسرائيلية التي لا تنفك في صياغة قوانينها العنصرية، التي تتلاءم وطرح "إشكالية الدولة اليهودية" في السنوات الأخيرة، والفشل في فرض الأسرلة على عرب الداخل، ونشوء ثقافة سياسية غير تابعة، لديها هويتها وثقافتها وتاريخها وحضارتها المتأصلة والمتجذرة في الأرض، مقابل شتات ومهاجرين يحملون أساطير مزيفة ينكبون في البحث والتزييف ودس الأكاذيب في التاريخ المجهول لوجودهم فوق أرض فلسطين دون جدوى.

التشكل الوطني للأحزاب العربية داخل "إسرائيل" غدا شوكة كبيرة في حلق المحتل، لا يمكنه معها ابتلاع الحقوق التاريخية لسكان البلاد الأصليين، فالتخلص من الثقافة المشوهة والتابعة للاحتلال، مرده التهميش والتمييز العنصري ضد السكان، أي أن بنية المجتمع الإسرائيلي القائمة على عنصرية نقية، وفشلها في احتواء الهوية الثقافية للسكان الأصليين من خلال الأحزاب الإسرائيلية، والنظرة العنصرية للأقلية العربية، دفعت بها لبلورة شخصيتها والحفاظ عليها من خلال التمسك بالانتماء للثقافة والهوية الوطنية الفلسطينية، من خلال تشكيل الأحزاب العربية الممثلة لسكان البلاد الأصليين.

بعد تشكيل حزب التجمع الوطني الديمقراطي داخل الخط الأخضر، عملت إسرائيل على وضع لائحة غير محددة وغير منتهية من القوانين العنصرية، التي تتيح لها الحد من نفوذ وتغلغل ثقافة الأحزاب الوطنية بين عرب 48 التي عرت بنية المجتمع الإسرائيلي وزيف ادعاءاته السابقة والقائلة إن عرب الداخل هم جسور سلام لشعوب المنطقة، كما كانت تقدم "إذاعة إسرائيل بالعربية" في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ويأتي حزب التجمع ليحطم الصورة التي رسمها المجتمع الإسرائيلي لنفسه، في المنطقة العربية ويقدمه عاريا إلا من عنصريته القبيحة وممارساته العدوانية في القرصنة والسطو على الثقافة والتاريخ العربي في فلسطين.

فقدم حزب التجمع نفسه على أنه عروبي، وقضيته جزء لا يتجزأ من القضية العربية، وهو جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ومن الشعب العربي، وهو امتداد للشتات الفلسطيني وهو جذرهم الباقي في فلسطين التاريخية ومعركته مع الاحتلال هي جزء من الحفاظ على الانتماء القومي العربي.

فحرب القوانين العنصرية المستهدفة، لرموز النضال الفلسطيني داخل الخط الأخضر، لا يمكن اعتبار بدايتها في "قانون د.عزمي بشارة" الشهير الذي صاغته حكومة شارون، ولا نهايته في "قانون حنين زعبي" وتجريدها من "حقوق برلمانية".

فشرعنة الخطاب الصهيوني الذي يعتبر المواطنين الفلسطينيين خطرا يتهدد "يهودية الدولة" من خلال مطالبهم، السياسية والديمقراطية، هي شرعنة تقود إلى "الحق اليهودي في الاعتداء" على السكان الأصليين للبلاد.

وقراءة القوانين العنصرية في " الدولة الديمقراطية" من قبل الأحزاب العربية كالتجمع، وتعريتها أمام نفسها وأمام العالم، هو ما جعل إسرائيل تستحضر هجمتها الشرسة من خلال قوانين قسم الولاء ومنع إحياء ذكرى النكبة والتضييق على العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وعبرنه الأسماء، وتفعيل "قانون بشارة" ضد النواب العرب، فضلا عن التساهل المجتمعي والقضائي تجاه قتل الفلسطينيين. وشرعنة رجال دين ومفكرين وساسة إسرائيليين لها يأتي من باب بناء يهودية الدولة، فالنظرة الحقيرة للقومية العربية والفلسطينية والاستهتار بالدم غير اليهودي، تشرع له دولة الاحتلال وتقيم له الخطب والمنابر العليا في أجهزة "الدولة" لاستباحة الدم الفلسطيني والعربي.

(في كتابه "تورات ميلخ" يشرح الرابي يتسحاك شبيرا: متى يسمح لليهود بقتل غير اليهود؟ ليجيب أنه يسمح بقتل غير اليهود الذي يشكل خطرا على شعب إسرائيل حتى إذا كان صبيا أو طفلا، وخرق القوانين السبع، وإذا شكل الوجود غير اليهودي خطرا على اليهود، يسمح بقتل غير اليهودي).

التحريض ضد الفلسطينيين يأخذ إشكالاً متعددة، دينية وأكاديمية وثقافية وسياسية وحزبية، فكل أجهزة العصابات و"الدولة" تفسح المجال لمنابر التحريض والحض على الكراهية والقتل ضد الفلسطينيين، فمن على منبر الكنيست تعالت الأصوات لإعدام النواب العرب، ومن لا يذكر الأكاديمي الإسرائيلي دان شيفطان المحاضر في جامعة تل أبيب، تخيلوا بماذا يحاضر في العلوم السياسية " الذي قال: العرب هم أكثر حالة إخفاق في تاريخ الإنسانية.

الحملة المحمومة ضد النائبة العربية حنين زعبي، من قبل العصابات الصهيونية، هي ضد الفكر القومي العربي وضد التجمع وضد الشعب الفلسطيني برمته، وضد الانتماء للقضية الوطنية التي رسمها التجمع والأحزاب العربية، وهي ضد من كشف وعرى وجه إسرائيل القبيح، أمام العالم "المتحضر".

صحيح أن إسرائيل قادرة على نزع الحصانة البرلمانية عن النواب العرب وقادرة على سن قوانين بشارة وزحالقة وحنين زعبي وكل من يفضح ادعاءات ديمقراطيتها، إلا أنها لن تستطيع أن تستر وجهها المكشوف الماثل أمام العالم كله وهو يقطر عدوانا وعنصرية ويدين مكسورتين من سرقة التاريخ والحضارة، وقدمين عاجزتين عن الرسوخ في أرض الزيتون اللافظة للطحالب الدخيلة عليها، التي قلمتها هوية الشعب الفلسطيني. فعزمي بشارة وزحالقة وحنين وعبد الفتاح وخلفهم كل عرب الداخل زرعوا شوكتهم في حلق المحتل ومحال قلعها.

التعليقات