31/10/2010 - 11:02

حوار بالدم../ مصطفى إبراهيم*

حوار بالدم../ مصطفى إبراهيم*
/7/2008
لم تستطع سرين ابنة التسع سنوات النوم بعد سماعها الانفجار الضخم الذي هز أرجاء مدينة غزة، خاصة أن لها تجربة سابقة مع الانفجارات والاشتباكات في الأحداث الداخلية وفترة السيطرة العسكرية على غزة، بالإضافة إلى رعبها الدائم من الانفجارات الصوتية التي كانت تصدرها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وزاد قلقها وخوفها بعد معرفتها أن من بين الشهداء الطفلة سرين الصفدي، التي قضت في الانفجار الدموي يوم الجمعة الخامس والعشرين من تموز( يوليو) 2008.

ظلت قلقة وتسأل عن السبب ومن وضع العبوة في وسط المصطافين، وأخذت تتخيل المشهد المرعب، وتقول ماذا كان سيحصل لو ذهبنا اليوم إلى البحر، ووضعت لنفسها سيناريو لمحاكمة المجرمين، ومعاقبتهم أمام ذوي الطفلة الشهيدة.

سرين، وغيرها من الأطفال يعيشون تجارب قاسية وسيئة، ويمرون بتجارب مخيفة خارجة عن إرادتهم، ويُقحمون في الخلافات والصراعات الحزبية المقيتة من دون أن يكون لهم أي ذنب، سوى أن قيادة الشعب الفلسطيني تدمر مستقبلهم وقضيتهم.

سرين تعيش التجربة السيئة مرة أخرى، تستيقظ من النوم فزعة على صوت الانفجارات وإطلاق النار خلال اليومين الماضيين، وتسأل ولا استطيع الإجابة، وتشاهد المقنعين المدججين بالسلاح وهم يدهمون المنازل لاعتقال أعضاء من "فتح" من جيرانها، وتسأل مرة أخرى لماذا تقوم "حماس" بذلك هل هؤلاء هم المسؤولون عن الجريمة؟

الجريمة التي ارتكبت على شاطئ غزة نكراء ومدانة، ومستنكرة من جميع الفلسطينيين، ومن ارتكبها خارج عن الصف الوطني والأخلاقي، والأجهزة الأمنية مطالبة بالكشف عن الجناة وتقديمهم للقضاء، أما أن توجه الاتهامات من حركة "حماس" إلى حركة "فتح" بالشكل التي سارت عليه الأمور في قطاع غزة خلال الأيام السابقة، فإن هذا يدل على نية "حماس" اجتثاث "فتح" من جذورها من خلال العمليات الانتقامية والثأرية التي نفذتها في حق "فتح" ومؤسساتها وأعضائها.

ما جرى ويجري في القطاع من اعتداءات خطيرة على الحقوق والحريات العامة، يشكل تحدياً خطيراً للمجتمع الفلسطيني في اتجاه الدفاع عن تلك الحقوق التي عمدها بالدم، فالانتهاكات التي وقعت في القطاع من عمليات دهم المنازل وتفتيشها من دون احترام القانون وعدم الالتزام بما ينص عليه في مثل هذه الحالات، والاعتداء على مؤسسات المجتمع المدني ودهمها ومصادرة محتوياتها بحجة أنها تتبع حركة "فتح"، فهل إغلاق الجمعيات الخيرية والثقافية والاجتماعية والشبابية يخدم إلقاء القبض على المجرمين منفذي جريمة الشاطئ؟

ما جرى ويجري أثار الرعب والخوف في صفوف المواطنين، الرعب من تكرار جريمة الشاطئ، والرعب الذي تلاه أثناء حملة الدهم والاعتقالات والاعتداءات الجسدية والنفسية والمعنوية على المحتجزين، والتعذيب الذي خضع له البعض منهم أثناء الاحتجاز والضرب الشديد والمبرح خارج مراكز التوقيف، ما شكل تعدياً واضحاً على القانون ومساً خطيراً بكرامة الإنسان.

المراقب يلاحظ الخوف والرعب في وجوه المواطنين والحركة القليلة في الشوارع، وعلى شاطئ البحر، وما تقوم به "حماس" في القطاع من إجراءات غير قانونية في دهم المؤسسات والجمعيات ومصادرة محتوياتها بالكامل دليل على ردة الفعل الانتقامية، وتصريحات د. الزهار أنهم سوف يفحصون السجل الأمني والأخلاقي لتلك المؤسسات مناف للقانون، إذا أن عدداً كبيراً من تلك الجمعيات والمؤسسات تعمل وفق القانون وأجرت توفيقاً لأوضاعها في ظل الحكومة المقالة.

حدثني د. رياض الزعنون عن اقتحام مجلس أمناء جامعة الأزهر ومصادرة جميع محتوياته بما فيها النوافذ والأبواب، وقال: "الوطن مؤسسات ومواطن وكرامته والأرض من دون الإنسان وكرامته لا تساوي شيئاً".
فالحالة الأمنية والثأرية المسيطرة على "حماس" لا تجلب إلا مزيداً من أعمال الثأر والانتقام المسيطرة على طرفي الصراع في فلسطين، ففي رد فعل متوقع قامت الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بحملة دهم واعتقالات في بعض مدن الضفة الغربية المحتلة طالت عدداً من قيادات "حماس" في منطقة نابلس وغيرها وعدداً من الصحافيين، واعتقال د. عبد الستار قاسم الأكاديمي والكاتب.

وكانت صادرت في السابق وأغلقت عدداً كبيراً من المؤسسات والجمعيات الخيرية في الضفة المحتلة.
الأخبار تتوالى في كل لحظة عن قمع وملاحقة كل طرف للآخر، وإغلاق المؤسسات التابعة له. حال من الخوف والجمود وأعداد المعتقلين في تزايد، حتى أولئك المفرج عنهم من قبل الطرفين تحدثوا عن الإهانات والتعذيب الذي تعرضوا له من دون سبب، إلا كونهم ينتمون لهذا التنظيم أو ذاك.

ما يجري على الساحة الفلسطينية هو مناكفات وصراعات على سلطة بائسة لا تستطيع حماية مواطنيها.
في القدس يُشرد الفلسطينيون من منازلهم وتهدم، وطرفا الصراع ينهشون بعضهم بعضا، وفي نعلين يُقتل طفل في معركة الدفاع عن الأرض والكرامة، وهم يقتلون بعضهم بعضا.

ما يدور على الساحة الفلسطينية يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، ومع أخلاق الفلسطينيين، الذي يصر البعض أن تداس كرامته، فالخلاف السياسي القائم لا يبرر قتل الفلسطينيين ودوس كرامتهم وتهديد حياتهم، ومعالجة الجريمة التي وقعت في غزة تستدعي تضافر كل الجهود لإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، وكذلك تدق ناقوس الخطر وضرورة البدء في الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة.

فحركتا "فتح" و"حماس" مسئولتان عما يجري في الساحة الفلسطينية، وعن الأطفال الذين يزرعون فيهم الخوف والكراهية، والحقد، والظلم لهم ومن المستقبل الغامض الذي ينتظرهم.

التعليقات