31/10/2010 - 11:02

حوارات نيويورك حوارات أديان أم ماذا؟../ راسم عبيدات*

حوارات نيويورك حوارات أديان أم ماذا؟../ راسم عبيدات*
.....من المعروف والبديهي أن من يشارك في حوارات الأديان رجالات الدين والفقهاء وعلماء اللاهوت، ولا أظن أن هناك من يقف ضد هذه اللقاءات والحوارات إذا كان الهدف منها خلق حالة من التسامح والتواصل الثقافي والحضاري، وعلى قاعدة احترام العبادات والأديان لكل بني البشر. ولكن ما هو غريب ومريب في نفس الوقت أن يتقاطر إلى حضور هذا الحوار، الذي رعته الأمم المتحدة ودعت إليه السعودية، زعماء أكثر من خمسين دولة وعلى رأسها قادة ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي، بالإضافة إلى أقطاب الحكومة والدولة العبرية من "بيرس وتسيفي ليفني" وغيرهم. وهذا يكشف أن هناك أجندة أخرى غير أجندة الدين والتدين ونشر ثقافة المحبة والسلم والتسامح بين بني البشر، فالزعماء والعلماء الدينيون العرب الذين ذهبوا لهذه الحوارات، كان الأجدر بهم أن يقودوا حوارات ولقاءات داخل البيت الإسلامي نفسه، حوارات بين السنة والشيعة، بدل أن يقودوا حملات تحريض وتشهير طائفية تؤجج وتشعل بذور الفتنة والطائفية في المجتمعات والدول الإسلامية، خدمة لأجندات وأهداف ومصالح خارجية، أما الزعماء العرب الذين تقاطروا لحضور هذه الحوارات، فهم يعرفون جيداً أن هذه الحوارات هدفها وطابعها ليس دينيا بل سياسيا بامتياز، وخصوصاً أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد تيري رود لارسن، هو الذي أشرف على ترتيب هذه اللقاءات والحوارات، والجميع يعرف مواقفه المنحازة لإسرائيل،وهذا ما لمسناه وخبرناه فلسطينياً، أيام حصار الرئيس الفلسطيني الراحل القائد أبو عمار في المقاطعة برام الله، حيث شن حملة تحريض عليه، وقال إنه ليس رجل سلام بل يشجع ويرعى"الإرهاب"، ولبنانياً في العدوان الإسرائيلي على لبنان/ تموز 2006 طالب لبنان وحكومته بالموافقة على شروط إسرائيل المذلة لوقف إطلاق النار.

والزعماء العرب الذين حضروا هناك، استمعوا لمواعظ وترانيم وتراتيل الحاخام"بيرس"، والذي في مواعظه صور إسرائيل على أنها دولة محبة وسلام وواحة ديمقراطية، لا تنتهك فيها حقوق الغير ولا تعتدي عليهم ولا تمارس بحقهم أي شكل من أشكال القتل "والإرهاب"،وكأن المشكلة ليست في إسرائيل، بل في هؤلاء"القتلة والإرهابيين" من عرب وفلسطينيين والذين يرفضون السلام ويقفون ضد السلم والمصالحة وازدهار المنطقة وشعوبها. وطبعاً الحكام العرب يصغون إلى هذه المواعظ دون أي اعتراض أو حتى رفض لها، وهم يدركون ويعلمون أن هذه المواعظ ليس لها مكان من الصدق والصحة، فبيرس هذا يعرف جيداً أنه هو شخصياً وكل قادة حكومته دون استثناء موغلون في الدم العربي والفلسطيني من قمة رؤوسهم وحتى أخمص أقدامهم، وهم يحرمون شعباً بأكمله من مستلزمات الحياة الأساسية من كهرباء ودواء ونفط وغذاء، وينتهكون يومياً حقوق الشعب الفلسطيني عبر سلسلة طويلة ولا منتهية من إجراءات وممارسات قمعية وإذلالية ،تطال الحجر والشجر قبل البشر.

إن الحضور السياسي الكثيف لهذه الحوارات المغلفة بالطابع الديني، يجري استكمالاً لحوارات سابقة جرت في بريطانيا، والتي غلفت بغلاف أكاديمي حضرتها السعودية وأطراف فلسطينية وعربية، ولقاءات مماثلة عقدت في دبي ومدريد، وهذه اللقاءات والحوارات يجري فيها نقاش حول المبادرة العربية التي طرحتها السعودية، وتبنتها القمة العربية التي عقدت في بيروت عام/ 2002، والمعلومات التي يجري تسريبها عبر الصحافة ووسائل الإعلام أن البحث يجري في إمكانية إيجاد حلول لقضايا حق العودة بعيداً عن القرار الدولي رقم 194، وبما يمكن من موافقة إسرائيل على هذه المبادرة. وليس هذا فقط، بل والعودة لمقترحات الرئيس الأمريكي السابق"بيل كلينتون" والخاصة بالقدس، الأحياء العربية من القدس الشرقية تحت السيادة الفلسطينية، والأحياء اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية.

إذا الهدف من هذه اللقاءات والحوارات عدا أنه سياسي بامتياز، فهو يهدف إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، أي التطبيع وإقامة العلاقات مع إسرائيل سابق لموافقتها على المبادرة العربية وبالتعديلات التي تطلبها وتوافق عليها.

ومن المؤسف بل والمخجل حقاً أن يتداعى شيوخ وعلماء هذه الأمة لحضور هذه الحوارات واللقاءات، وماكنة القتل وآلة الدمار الإسرائيلية يفعلان فعلهما اليومي من قتل ودمار وحصار بحق الشعب الفلسطيني، ويخرون سجداً وركوعاً لسماع "مواعيظ" أكاذيب وافتراءات"بيرس" عن المحبة والسلام والتسامح ،ودماء أطفال قانا اللبنانية وغيرها ما زالت يديه ملطخة بها.

إن مثل هذه اللقاءات توظفها إسرائيل وأمريكا لخدمة أهدافهما ومصالحهما،وهي تشكل غطاء وتفويضاً لإسرائيل للاستمرار في سياساتها العدوانية واحتلالها للأراضي العربية.

وهؤلاء القادة نفسهم وعلى رأسهم الملك السعودي صاحب المبادرة العربية، يعرفون جيداً ماذا كان الرد الإسرائيلي على هذه المبادرة، ففي الوقت الذي كانت فيه القيادات والزعامات العربية تقر المبادرة العربية في قمة بيروت/ 2002، كانت الدبابات الإسرائيلية وآلياتها وجرافاتها تهدم المقاطعة على رأس الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار، ولم يحركوا ساكناً بل سكتوا سكوت أهل القبور. ونفس الشيء تكرر عندما أعادوا طرح تفعيل المبادرة في القمم العربية اللاحقة، كان الرد الإسرائيلي عليها عدواناً على لبنان وحصاراً ظالماً مستمراً حتى اللحظة الراهنة على الشعب الفلسطيني. ورغم سلسلة التنازلات المستمرة والمتواصلة والتي تقدمها القيادات والزعامات العربية والفلسطينية، فإسرائيل لا على الصعيد الحكومي ولا على الصعيد المجتمعي جاهزة لتلبية استحقاقات العملية السلمية، حتى في الاستجابة للحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وأي زعيم إسرائيلي سيوافق على اشتراطات ومتطلبات السلام، يدرك أنه ذاهب نحو الانتحار السياسي هو وما يمثل سياسياً وحزبياً، وفي إسرائيل لا يوجد من ينتحر سياسياً لصالح ومصلحة السلام، فها هو "باراك" يصادق على إقامة مشاريع استيطانية، حتى خلف جدار الفصل العنصري،والعقلية الإسرائيلية تحمل نفس الأهداف وان اختلفت في التفاصيل والتكتيكات،"وبيرس" نفسه ومن قبله "شامير وشارون ونتينياهو" قالوا بمفاوضة الفلسطينيين شريطة عدم إعطائهم شيئاً.

ومن هنا نرى أن هذه الحوارات واللقاءات المغلفة سواء دينيا أو أكاديمياً، لن تقربنا من تحقيق أهدافنا، بل ستكون هدفاً للتطبيع مع الإسرائيليين وغطاءً وتشجيعا لهم للاستمرار في عدوانهم واحتلالهم للأرض العربية.

التعليقات