31/10/2010 - 11:02

دعوة إلى وقف تهريب السلاح إلى غزة! / محمود المبارك

-

دعوة إلى وقف تهريب السلاح إلى غزة! / محمود المبارك
ثمة حراك قانوني غربي كثيف هذه الأيام حول وقف تهريب السلاح إلى غزة. فقد كثر الحديث أخيراً عن أهمية وضع حدٍ لتهريب السلاح إلى غزة - خصوصاً بعد الحرب الأخيرة - على المستوى الإسرائيلي الرسمي والشعبي، الأمر الذي انعكس على سلوك الحكومات الغربية بشكل مباشر. ذلك أن قدرة المقاومة الفلسطينية على مواصلة إطلاق الصواريخ، على رغم القصف الإسرائيلي المكثف قبل وأثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، باتت مصدر قلق ليس للإسرائيليين فحسب، بل وللدول الغربية عموماً.

من أجل ذلك، سارعت الدول الغربية إلى بذل جهود مضنية تمركزت حول منع تهريب الأسلحة إلى غزة براً وبحراً، فوقّعت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مع نظيرتها الإسرائيلية مذكرة تفاهم لمنع تهريب السلاح إلى غزة قبل نهاية الحرب على غزة بيومين، وواصلت الدول الغربية ضغوطها على الحكومة المصرية في تتبّع وهدم الأنفاق التي توصل رفح المصرية برفح الفلسطينية، بزعم أنها تستخدم لتهريب الأسلحة، كما أعلنت فرنسا عزمها إرسال فرقاطة للقيام بدوريات على ساحل غزة، منعاً لتهريب الأسلحة، وعقدت الدول الغربية مؤتمراً دولياً في الدنمارك شاركت فيه كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والنروج، إذ اتفقت الدول المشاركة على عقد مؤتمر آخر في لندن خلال أسابيع، بهدف دراسة الوضع القانوني لعملية مراقبة شواطئ غزة.

وواضح أن هناك نية غربية لسنّ تشريعات قانونية تجرّم إيصال السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، عبر مؤتمرات قانونية يعكف الغرب اليوم على الإعداد لها. ولكن العجيب في الأمر أن تلك الجهود الغربية لم تقابل بأي حراك عربي، بل ولم تلق مجرد استهجان عربي رسمي، وكأن المقاومة الفلسطينية في غزة أصبحت الخطر الذي يهدد الغرب بحرب شاملة! ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل يعتبر حصول المقاومة الفلسطينية على السلاح أمراً مخالفاً للقوانين الدولية؟

وقبل الإجابة على السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن قطاع غزة بوضعه الحالي اليوم - وكذلك بقية الأراضي التي تحتلها إسرائيل - تصنف في القانون الدولي على أنها أراضٍ واقعة تحت «الاحتلال غير المشروع»، كون إسرائيل احتلتها خلال حرب 1967، وهي تبعاً لذلك تخضع لقوانين الاحتلال المشرَّعة في المعاهدات الدولية.

وإذ ان مسألة الاحتلال التي تنجم عن الحروب ليست مسألة طارئة في القوانين الدولية، فقد عالجت مواثيق دولية عدة حالتي الاحتلال والمقاومة بنصوص جلية لا تقبل الجدل. ولعل محور هذه المواثيق الدولية هو أن الاحتلال في الأصل أمر غير مشروع في القانون الدولي، وأن أي احتلال يقع أثناء حرب قائمة يجب أن ينتهي بنهاية الحرب. كما تؤكد المواثيق الدولية شرعية استخدام القوة العسكرية لمقاومة الاحتلال أثناء وبعد الحرب.

فقد أكد اتفاق لاهاي لعامي 1899 و1907 مشروعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، كما جاء ذلك التأكيد في برتوكول جنيف عام 1925، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 الصادر عام 1960، المتعلق بإعلان استقلال البلدان والشعوب المستعمرة، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخرى العديدة التي يصعب حصرها في عجالة كهذه، فضلاً عن نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحق الدفاع عن النفس.

وبالنظر إلى المقاومة الفلسطينية، نجد أنه ينطبق عليها ما ينطبق على المناطق الواقعة تحت الاحتلال، بموجب المواثيق الدولية السالفة الذكر، وأنه تبعاً لذلك، فإن المقاومة الشعبية الفلسطينية لها حق الدفاع عن النفس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، تماماً كما كان للشعوب الغربية ذلك الحق إبان مقاومتها للاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية، وإن كان من المثير للسخرية أن الغرب يقر ذلك الحق لنفسه ويحرم منه غيره، وأن الدول العربية لا تكاد تجد الحجة القانونية الدولية لتدعم حق أهل غزة الشرعي في الدفاع عن أنفسهم أمام الحكومات الغربية!

ولعل أحد أهم تلك المواثيق الدولية التي لا تخفى هو ميثاق الأمم المتحدة ذاته، الذي نص في المادة 51 منه على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يمنع الدول فرادى أو مجتمعة من استخدام حقها الطبيعي (وفي النسخة الفرنسية استخدمت لفظة «حقها الموروث») في مقاومة أي اعتداء على أراضيها».

وعلى رغم جلاء هذا الحق القانوني الدولي، إلا أن عدداً من الحكومات العربية إما جهلاً وإما تجاهلاً، قبل بالزعم الغربي في أن حق الدفاع عن النفس المشار إليه في المادة 51، مقصور على «الدول» ولا يشمل الشعوب، ومن هذا المنطلق وافق بعض الحكومات العربية على منع إيصال السلاح إلى غزة.

بيد أن المنطق الغربي في حصر حق الدفاع عن النفس في «الدول» التي تقع تحت اعتداء مسلح من دولة أخرى، وحرمان الشعوب من هذا الحق يتنافى مع مقاصد الميثاق. وسواء أخذنا بالنسخة الانكليزية (الحق الطبيعي) أو بالنسخة الفرنسية (الحق الموروث)، فإن المحصلة النهائية لحق «الدفاع عن النفس» أنه مشروع قبل إقرار ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وأن الميثاق إنما يكرس هذا الحق الذي إن كان «طبيعياً» فهو موجود منذ الأزل، وإن كان «موروثاً» فهو موجود في المواثيق الدولية التي سبقت الأمم المتحدة، كما أكد هذا الفهم العديد من فقهاء القانون الدولي.

فالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة إذاً، ليست مصدر حق الدفاع عن النفس، بقدر ما هي إقرار بوجوده. كما أن حصر حق الدفاع عن النفس بالمفهوم الوارد في هذه المادة على الدول من دون الشعوب ينافي روح الميثاق الذي أعطى الدول المعتدى عليها حقها في الدفاع عن النفس، إذ غني عن القول إن الدول حين تدافع عن نفسها فهي إنما تدافع بالدرجة الأولى عن شعوبها. وتبعاً لذلك، فإن القانون الدولي الذي يعطي الحق لأي دولة في الدفاع عن إقليمها أو شعبها حين تعرضها لاعتداء أو احتلال، لا يعقل أن يحرم هذا الشعب أو ذاك، حقه «الطبيعي» أو «الموروث»، في حال انعدام وجود الدولة، نتيجة الاحتلال الكامل، أو في حال عدم رغبة الحكومات في مقاومة الاحتلال.

وحيث أننا نعيش في زمن التحرك الشعبي وليس الحكومي، كما تدل على ذلك حراكات الشعوب في العديد من المناطق في العالم، فإنه ربما بات واجباً على المؤسسات الحقوقية غير الحكومية الدعوة إلى مؤتمر قانوني دولي يعيد فيه الحق النظري للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتحرير أراضيه بقوة الكفاح المسلح، طبقاً للمواثيق الدولية التي يريد الغرب منا تجاهلها.

من يدري فربما رفضت حكومات عربية عقد مثل هذا المؤتمر على أراضيها! وربما عقد في دولة غربية، ولكن المهم أن يبعث الحقوقيون الدوليون المشاركون رسالة مفادها أننا نتفق مع الغرب في منع تهريب السلاح إلى غزة، وبدلاً من ذلك نطالب بفتح الطريق رسمياً لإيصال السلاح علناً إلى المقاومة في غزة!

وإذا كان المفهوم القانوني يؤكد أنه «لا يضيع حق وراءه مطالب»، فإن تنصل الحكومات العربية من حقوق شعوبها لا يعفي كل من له القدرة على المطالبة بها من القيام بذلك الدور، فضلاً عن أنه ليس من المنطقي أن نخجل من مجرد المطالبة بحقوقنا في الوقت الذي يتبجح فيه الغرب بالاعتداء على حقوقنا!

اليوم، حيث لا يزال الغرب يزداد تعنتاً كلما ازددنا إذعاناً له، ربما آن لنا أن نتعلم أن الغرب على وجه العموم، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، يحترمون من عنده مبادئ ثابتة لا يتنازل عنها، ولعل المثال الإيراني خير شاهد على ذلك. فإيران التي لم ترضخ للغرب قيد أنملة، استطاعت أن تحقق كل ما تريده لشعبها وتحظى بإكبار الغرب، في حين أن الأمة العربية لم تحقق شيئاً من تنازلاتها لحقوقها، التي لم تزدها في عين الغرب إلا ذلاً!


* حقوقي دولي



"الحياة"

التعليقات